كتب انطوان فرح في صحيفة “الجمهورية”:
ماذا يقول مشروع قانون موازنة 2018 للداخل والخارج؟ هل صحيح انه أقرب الى اعلان تفليسة البلد مع وقف التنفيذ لفترة محدودة؟ وأين هي الخطة الانقاذية الرؤيوية التي وُعد اللبنانيون والدول المانحة بها؟
يجول فريق عمل شركة «ماكينزي»، المتواجد في بيروت في هذه الاثناء على المسؤولين والسياسيين، في مرحلة اولى تهدف الى الاستماع الى المواقف والاراء في شأن الوضع الاقتصادي في البلد، والافكار المقترحة لمعالجة الأزمات.
وسوف يتنقل هذا الفريق، الذي حظي بتعميم خاص من رئيس الحكومة سعد الحريري، لفتح الادارات الرسمية والعامة امامه، بين النواب والوزارات والادارات، باحثاً عن مكامن الضعف والخلل، لكي يتمكّن من تشخيص المرض، ووصف العلاج المقترح.
ورغم ان طريقة عمل فريق «ماكينزي» تشبه طريقة عمل فريق المحكمة الدولية، اي انه يوسّع مروحة اللقاءات مع سياسيين لا علاقة مباشرة لهم في توصيف الوضع على حقيقته، لأنهم في الواقع لا يعرفون، الا أن ذلك لا يعني ان هذا الفريق، لن يصل في النتيجة الى الحقائق الاقتصادية القائمة، وسينجح في تشخيص العلة، ووصف الدواء.
وبنتيجة البحث والتحري والدراسة سوف يصل فريق ماكينزي، الى التوصيات التالية:
- اولا – خفض مستوى الفساد والفوضى في كل مكامن الدولة، لمنع سرقة ما يتراوح بين مليارٍ واربعة مليارات دولار سنويا. (مع التحفّظ على الارقام لأنه لا توجد دراسات جدية لتحديد رقم الهدر).
- ثانيا – معالجة قطاع الكهرباء سواء عبر الخصخصة او عبر البواخر المؤقتة، او عبر بناء معامل انتاج، او عبر الاستجرار المؤقت، لتأمين التيار 24 ساعة، وخفض نسبة السرقة والهدر في توزيع الكهرباء، ورفع التعرفة الى مستويات تسمح للمؤسسة بتأمين ارباح للتطوير. (رفع التعرفة يتزامن مع الغاء المولدات الخاصة).
- ثالثا – دعم قطاع صناعة المعرفة التي تشق طريقها حاليا لوحدها. ولولا رعاية مصرف لبنان، لأمكن القول انها صناعة واعدة، ولكنها يتيمة. والتركيز على هذه الصناعة ينطلق من مجموعة حقائق، من أهمها انها عابرة للحدود من دون الاضطرار الى التصدير البري او الجوي او البحري. وهي لا تتأثر بالحروب الاقليمية، ولديها أرضية نمو واعدة في لبنان بفضل العنصر البشري غير المتوفر بهده النوعية والكثافة في أي بلد في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
- رابعا – تأمين الرعاية للصناعة القائمة، والتي تؤمن العملة الصعبة والوظائف للبنانيين. وقد انخفض حجم التصدير الصناعي اللبناني في بضعة سنوات من 4,5 مليار دولار الى 2,5 مليار دولار. وهذا التراجع ساهم بلا شك في وصول العجز في الميزان التجاري، الى مستويات قياسية مرعبة اقتربت من 16 مليار دولار.
- خامسا – رعاية القطاع الزراعي لمساعدته على التصدير، وقد أصيب القطاع بنكبة بسبب الحرب السورية، وصعوبة التصدير البري.
- سادسا – الغاء سياسة الحماية لبعض القطاعات غير المجدية، والمرتبطة بحسابات سياسية.
- سابعا – خفض حجم القطاع العام والذي أصبح مجموع رواتبه يشكل حوالي 37 في المئة من موازنة الدولة، وهي نسبة مرتفعة تؤشر الى خلل يؤدي الى إضعاف الاقتصاد.
- ثامنا – تحييد القطاع النفطي عن الحسابات السياسية المرتبطة بمصالح اقليمية، والتركيز على البلوكات التي لا توجد عليها خلافات، لتسريع استخراج الغاز والنفط لأن الاقتصاد اللبناني يحتاجهما بقوة، وبأسرع وقت.
- تاسعا – التعاطي بواقعية مع الوضع السياحي الذي كان يشكل مصدرا مهما لإدخال العملة الصعبة. ولا يكفي التفتيش عن السياح في كل اصقاع الارض، بل المطلوب توفير بنية تحتية ملائمة. اذ ان بنية السياحة في لبنان مفصّلة في الاساس على قياس السائح الخليجي. والانتقال الى سياح من نوعيات مختلفة يحتاج الى تعديلات في البنية السياحية للتمكن من جذب هؤلاء.
لكن التوصية الأهم التي قد لا تستطيع «ماكينزي» ايرادها في دراستها النهائية، هي تلك المتعلقة بخفض مستوى الغباء لدى من يتحكّم بمصير الناس. اذ كيف يمكن ان يتبين اليوم، وبعد دراسات استمرت سنوات، ان تكاليف «سلسلة الرتب والرواتب»، أعلى بكثير من التوقعات؟
وكيف يمكن ان تُمنح هذه السلسلة في توقيت سمع فيه المسؤولون اللبنانيون كلاما واضحا من خبراء دوليين ومحليين يؤكد ان الانهيار المالي اصبح وشيكا؟ وكيف يمكن ان تحتسب الدولة ايرادات ضرائب جديدة تفرضها على المؤسسات والناس، ومن ثم تقول انه تبين لها ان هذه الضرائب ضربت الحركة الاقتصادية اكثر مما هي مضروبة، ولم تؤمّن بالتالي الايرادات المتوقعة لها؟
وأخيراً، كيف يمكن ان تصدق الدولة انها ستُقنع الدول المانحة بمساعدتها لأنها تمتلك خطة اصلاحية طموحة، اذا كانت ورقة اثبات حُسن النية هي ورقة موازنة هي أشبه بورقة نعي، تقول فيها الدولة ان دينها العام سيزيد فقط 6,3 مليار دولار في العام 2018. والأدهى، انها تحاول التشاطّر من خلال تحميل مصرف لبنان وِزر عجز الكهرباء في العام 2018 من خلال عمليات سواب لم تُقنع حتى من اقترحها.
في الخلاصة، تستطيع «ماكينزي» ان تقترح ما تشاء من توصيات، لكن الواقع كما يعرفه كل اللبنانيين يحتاج الى توصية وحيدة تقضي بوقف السرقة والغباء.
بالنسبة الى السرقة، قد ترِد توصية في شأنها، ولو بلُغة مخفّفة من خلال استعمال تعبير وقف الهدر والفساد. لكن بالنسبة الى الغباء، فمن المستبعد أن ترِد توصية بخفض مستواه. ومن دون وقف السرقة والغباء يصعُب التصديق ان الخروج من الأزمة مُتاح.