IMLebanon

بعد 2018 عاماً… هل يفجّر إغلاق كنيسة القيامة الغضب المسيحي؟

كتبت مرلين وهبةفي صحيفة “الجمهورية”:

للمرّة الأولى منذ 2018 عاماً، تغلَقُ كنيسة القيامة بإجماع من أقطابها حتى إشعار آخَر، وذلك احتجاجاً على قرار الحكومة الإسرائيلية بفرض ضرائب على الكنائس والأديار والمقامات الدينية في القدس.

والسؤال الكبير؛ لماذا هذا التدبير اليوم؟ وهل حان وقتُ الاقتصاص من المسيحيين بعد ردّةِ الفعل المسيحية الرافضة لإعلان القدس أرضاً إسرائيلية؟ وهل مِن علاقة للقرار الإسرائيلي بالخريطة الجديدة المرسومة للقدس؟

أم هو هجومٌ ممنهَج على المسيحيين في الأرض المقدّسة للمغادرة؟

وكيف ستكون ردّة فِعل الكنائس في العالم، رجال الدين، الفاتيكان والمؤمنين الذين يحجّون بالآلاف يوميّاً للتبرّكِ مِن كنيسة القيامة؟ وما هي تداعيات إغلاقها الذي وقعَ كالصاعقة على مسمعِ الملايين من رجال الدين والمؤمنين في العالم؟

وفي خطوةٍ مفاجئة لبلدية القدس الإسرائيلية، أصدرَت بياناً يتضمّن قراراً رسمياً بفرضِ ضرائب على الكنائس والأديار والجماعات المسيحية والمقامات الدينية، بما فيها الممتلكات والحسابات الموجودة في المصارف التابعة للمؤسسات المسيحية كافّة، وقد جاء هذا القرار الجائر مخالفاً للقوانين والأعراف المتفَق عليها كافّة، وهي الراعية والحامية لحقّ الكنائس والأراضي المقدّسة ومتلكاتها وحساباتها.

ويقول المنشغلون في مواكبة هذا الملف المفاجئ إنّ في القرار الإسرائيلي مخالفةً شديدة الوضوح وتَنقضه اتّفاقاتٌ عالمية تقضي بالمحافظة على حرّية الكنائس وخصّصتها بامتيازات أعطيَت لها عبر التاريخ.

وتقول المصادرُ المتابعة نفسُها؛ يبدو أنّ هناك حرباً جديدة على الوجود المسيحي في القدس وفي فلسطين، لافتةً إلى الضررِ الكبير الذي سيُخلّفه إقفالُ كنيسة القيامة، وهو ليس في رمزيتها فحسب، بالرغم من أهمّية هذه الرمزية، إنّما المتضرّرون من هذا القرار كثُر، سيّما أبناء الكنيسة وأبنائهم منذ مئات السنين، وهم:

1 – العائلات التي تعتاش من العمل في هذه الأماكن المقدّسة.

2 – التلامذة الذين تساهم هذه الكنائس في إعالتِهم وفي تعليمهم وفي تسديد أقساطهم المدرسية.

وإذ تشير المصادر إلى أنّ الحكومة الإسرائيلية تنتقم عبر هذا العمل من المسيحيين وتدفَعهم إلى بيع أملاكهم والهجرة بالرغم من صمودهم مع المسلمين منذ مئات السنين، إلّا أنّ المسيحيين اليوم يَدفعون ضريبة الدم لذلك.

قرار الإقفال

أمّا قرار إغلاق كنيسة القيامة فقد اتُخِذ بعد اجتماع رؤساء الطوائف المسيحية في القدس، الذين قرّروا، في خطوةٍ فاجأت العالمَ أجمع، إغلاقَ كنيسة القيامة بعد قرارٍ وقّعَه بالإجماع البطريرك يوفيلوس، وبطريرك الأرمن نورهان، وحارس الأرض المقدّسة فرانشيسكو باتون، احتجاجاً على القرار الإسرائيلي، على أن لا تشرّع كنيسة القيامة أبوابَها حتى إشعارٍ آخر أو حتى عودة إسرائيل عن قرارها الذي فرَض الضرائب على المسيحيين وكنائسِهم ومقاماتهم.

وتلفت مصادر كنَسية لـ«الجمهورية» إلى أنّ المطلوب اليوم وقوفُ العرب والعالم وقفةً تضامنية واحدة ضدّ قرار الحكومة الإسرائيلية، وتسليطُ الضوء على تعنُّتِ إسرائيل في هذا الموضوع. والمطلوب من المسيحيين والمسلمين في لبنان وقفةٌ موحّدة ضدّ قرار الحكومة الإسرائيلية، لأنّ القدس هي مدينة مقدّسة للمسلمين والمسيحيين على حدٍّ سواء.

وتصفُ المصادر الكنَسية الإجراءَ المتّخَذ بالاعتراض الجريء على قرار بلدية إسرائيل بانتظار الخطوات العملية الضاغطة وردّات الفعل العربية والعالمية إزاء قرار إقفال كنيسة القيامة، فيما ينتظر العالم ردّةَ فعلِ مراكز القرار المسيحية، خصوصاً حاضرة الفاتيكان التي مِن المؤكد أنّها سترفض هذا القرار بعدما أخَذت علماً به، وبدأت اتّصالاتها مع الكنائس في العالم، لا سيّما الكنائس الأرثوذكسية، واضعةً دولَ العالم في أجواء تحرّكاتِها حتى تتراجع إسرائيل عن موقفها من فرضِ ضرائب على المقامات الدينية.

في المقابل، يتساءل البعض إذا كان المسيحيون يدفعون اليوم ضريبة وقوفِهم في وجهِ القرار الأميركي في اعتبار القدس أرضاً إسرائيلية، بعدما وحّدوا صوتهم في اعتبار القدس عاصمةَ فلسطين الأبدية، فيما يَعتبر البعض اليوم أنّ هذه الضريبة تبدو هي «قصاص» يقتصّ به الإسرائيليون من المسيحيين لأنّهم كانوا جريئين في مواقفهم ضدّ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وذلك عبر فرضِ ضرائب على مقاماتهم الدينية وتشريدِ عيالِهم وتلامذتِهم وأبنائهم.

ومِن جنيف، اعترَض المطران بولس مطر على القرار الإسرائيلي، واعتبَر في حديث لـ«الجمهورية» بأنّه قرار مدانٌ ومرفوض في كلّ المقاييس ومِن كلّ الأديان. وأضاف: «نحن، وبغَضّ النظر عن اعترافنا بإسرائيل أو عدمِه، فإنّ عليها واجبَ احترام الأديان، وهذا ما نصّت عليه شرعة الأديان والأمم”.

وكشَف مطر أنّه من المؤكّد أنّ الفاتيكان ستحتجّ على القرار الإسرائيلي لأنها لن تقبل بإقفال كنيسة القيامة في القدس، بالإضافة إلى المشاورات التي ستقوم مع البطريرك بشارة الراعي الموجود في فيينّا للمشاركة في مؤتمر مركز الملك عبدالله للحوار بين الأديان، «لأخذِ التدابير والإجراءات اللازمة في لبنان وفي العالم أجمع لمجابهة هذا القرار ولحمايةِ ثباتِ كنيسة القيامة»، مؤكّدا أنّ البطريركية سيكون لها كلمةٌ حاسمة في الأمر.

وفي تعليقٍ على الخضّة الدينية التي أحدثها إعلانُ المقامات الدينية إقفالَ كنيسة القيامة حتى إشعارٍ آخر، قال مطر لـ«الجمهورية»: إنّ هذه الخضّة لن تكون ليومٍ واحد أو لفترة محدودة، بل هي خضّة لن تتوقّف دينياً ولا إعلامياً ولاعالمياً حتى عودة إسرائيل عن قرارها وعودةِ كنيسة القيامة إلى تشريعِ أبوابِها ودقِّ أجراسِها واستقبال المؤمنين.

وأضاف: المطلوب على أسرع وجه ضغطٌ عالميّ سريع وعدمُ التمهّلِ أو التهاون بالموضوع، خاتماً: «ليَطمئنّ الجميع، لا شيء يدوم، لأنّ الحقّ وحدَه يدوم، وليثقْ الجميع بأنّ كنيسة القيامة لن تُقفَل».