IMLebanon

“المحجّبة” تكسر المقاييس!

كتبت راكيل عتيّق في صحيفة “الجمهورية”: 
اسمُها سلمى. من جنوب لبنان. تسكن وتعمل في بيروت. ترتدي الحجاب لكنها خلعت عنها كلّ ما يُقيّد حريّتها من موروثات وعادات، ولم يحدّ «العيب» أو «الحرام» من ممارستها الحياة: الامتناع عن الصلاة والصوم، التدخين، شرب الكحول، ممارسة الجنس، تعدّد العلاقات العاطفية-الجنسية… عاشت في ملعب قوانينها ولكنّ مسرح الحرّية هذا ظلَّ مُغطّى بسقف الحجاب. خلعت كل شيء بسهولة… أمّا خلع الحجاب فهو الفِعل الأصعب. ليس إلّا قماشاً لم يُلزِم الرأس بتغيير أي فكرة داخله، إلّا أنّ التخلّي عن الرفيق في المرآة والعيون لـ14 سنة، صعبٌ ككلّ قرارٍ بالرحيل!

بلسان فتاة مُحجّبة كتب جهاد بزّي، فصنع من يوميات «سلمى» رواية عنونها بـ»المحجّبة»، (نوفل/هاشيت أنطوان، 2018). لكنه لا يغرق في التنميط أو التعليب في هذه الرواية، ويروي حكاية «فتاة مُحجّبة» لا كلّ مُحجّبة. ويقول: «عم إحكي قصة شخص مش قضية الحجاب نفسو».

يوميات مُتخيلة

لم يُخبر جهاد بزي عن سلمى، بل كان هي، ارتدى حجابها وأطلق العنان للتخييل. فكان مؤلّفَ وراويَ وبطلَ الرواية.

في «المحجّبة» تحاكي سلمى أناها المستقبلية، تكتب يومياتها وتأخذنا معها في رحلاتها اليومية. في التاكسي، والمؤسسة الإعلامية حيث تعمل مدقّقة لغوية… وفي منزل العائلة في الجنوب حيث والدها الأستاذ «الجبان» المنفتح تغلّب عليه ابنه المتديّن فكان أن غلبه باستمالة سلمى في صِغرها وأقنعها بارتداء حجابٍ خارجي يغلّف حجاباً داخلياً من التردد والازدواجية في التفكير.

ارتدته أكثر من نصف عمرها، لم تخلعه حتى خلال ممارسة الجنس… بين منزل حبيبها، وإحدى الحانات في بدارو… وتنقلاتها في بيروت حملته، إلى حين تجرّأت يدُها على الارتفاع ولمسِه.

أسلوب جهاد بزي ومضمون الرواية، إضافةً إلى استخدام «لغة يومية» آنية وتسمية الأماكن بأسمائها… مداميك جبلت الرواية من واقع لا يشعر القارئ بتغلغل المُتخيَّل في بنائه.

فهل استند الصحافي الذي تميّز بأسلوبٍ روائي في كتابة مقالاته، كما يظهر أنّه يتميّز بأسلوبٍ صحافي في نسج حبكة رواياته، إلى قصة واقعية أو أكثر لكتابة «المحجّبة» (الرواية الأكثر مبيعاً عن نوفل/هاشيت أنطوان، في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب الـ61)؟ وهل يعتقد أنّ الكتابة الروائية تنبع عن التخييل فقط أم إنها تنبثق من مشاهدات حياتية؟

«لا شيء في الرواية حقيقي. لم تستند إلى قصص حصلت أو أشخاص حقيقيين. إنها متخيلة من ألفها إلى يائها. هل نموذج سلمى موجود حقاً. بالطبع موجود. هل تقاطعت مشاعرها ويومياتها مع أخريات. مستحيل ألّا يقع مثل هذا الأمر. لكنّ قصص الناس كالبصمات، لا تكرّر نفسها مرتين»، يقول بزي.
ويلفت في حديثٍ لـ»الجمهورية»، إلى أنّ بعض مَن قرأ الرواية قال إنها «حقيقية جداً». واعتبر أن «ليس بالضرورة أن يكون هذا مديحاً».

ويشير إلى أنه حاول ما استطاع أن تكون «واقعية». أن يصدّق القارئ أنّ مثل هذه القصة تحدث. وأنّ حوارات الناس في الرواية وطرق تفكيرهم هي نفسها التي في مجتمع لبناني. فلا يشغل باله أنها قد تكون مغرقة بالمحلية اللبنانية. ويقول: «إذا كانت عملاً جيداً لن تكون المحلية عائقاً. أما إذا كانت سيّئة فلن تشفع لها محلّيتها عند قارئها اللبناني أصلاً».

عن محجّبة واحدة

أمّا عن اختياره تناول موضوع «المحجّبات» في روايته، فيوضح أنّ موضوع الرواية عن محجّبة واحدة، فرد، وليس المحجّبات. الرواية لا تدّعي معالجة قضية الحجاب ولا تقف عند حجاب سلمى الشخصية الرئيسية، بل تتخطاه إلى سلمى نفسها، وبحثها عن حياتها وعن فرديّتها وعن فهمها لنفسها أولاً وأخيراً. قد تكون الرواية عن ما يحجب عنا الرؤية لأنفسنا.

يبتعد بزي في روايته من التنميط، فوالد «المحجّبة» في هذه الرواية غير متديّن ولم يفرض عليها ارتداءَ الحجاب، وإن كانت هناك رسالة محدّدة من هذه المقاربة، يؤكّد الكاتب أن «لا رسائل مبطّنة أو ظاهرة في الرواية. على الأقل لم أقصد ذلك. حتى عدم تديّن والد سلمى ليس خروجاً عن التنميط. على العكس، التنميط هو افتراض أنّ كل محجّبة ستكون من عائلة كلها من المتديّنين. التنميط الآخر هو أن تكون المحجّبة نفسها متديّنة. هذا حكم على الشكل».

«المُحجّبة» أقرب إلى اليوميات، خصوصاً أنّ «الرواية» تكاد تخلو من الوصف. بزي يعتبر في هذا الإطار، أنّ «الشكل الكتابي، حيلة السرد هي اليوميات.

لكنها يوميات شخصية متخيّلة تسرد حكاية متخيّلة بدورها ليس فيها شيء حقيقي. المحجّبة ليست الرواية الأولى التي اتّخذت شكل اليوميات أصلاً. وليس ضرورياً أن يلتزم الكاتب بقالب جاهز لكتابة رواية».

يقدّم بزي روايته بشكلٍ مباشر، واضح وبسيط، يُبيّن آنيّتها، من خلال الإشارة إلى الرسائل الهاتفية ومواقع التواصل الاجتماعي… وغيرها. البعض يعتبر أنّ هذه الإدخالات «كتابات فيسبوكية» تُقلّل من قيمة الرواية ولغتها، أمّا بزي فيرى أن «لا قالب جاهزاً للغة الكتابة مهما كانت هذه الكتابة من الشعر إلى الرواية. هذا عالم حرّ وشاسع ومفتوح على التجريب والذائقة. وجودة الكتابة لا تقاس بطول العبارات وتعقيد المفردات. لا توجد مقاييس لمحاسبة الأسلوب ولو وُجدت فالكتابة الجيدة هي التي تجهد لكسر هذه المقاييس».

أما عن وسائل التواصل الاجتماعي، فيقول إنّ «المعجزة الحقيقية الآن باتت في تخيّل حياة تجري خارج الفيسبوك. كيف يمكن كتابة قصة تقع أحداثها في 2017 من دون واتسآب مثلاً؟ الروايات التي تحدث الآن لن تكون أمينة لحبكتها وسياقها إذا كانت تجري من دون هاتف ذكي».