كتب نذير رضا في صحيفة “الشرق الاوسط”:
حمل إعلان الرئيس اللبناني ميشال عون رفضه توقيع أي قانون عفو عام يستفيد منه قتلة العسكريين، مؤشرات على «استثناءات» ستكون من ضمن قانون العفو من شأنها أن تعرقله وتنتج خلافات مع رئيس الحكومة سعد الحريري حوله، بالنظر إلى أن الحريري كان قد أعلن في وقت سابق أن القانون سيشمل أشخاصاً لم يتورطوا بالدم في أحداث عبرا وطرابلس.
وعرض الرئيس عون مع وفد من عائلات شهداء الجيش اللبناني أوضاعهم واستمع إلى مطالبهم، التي كان أبرزها عدم شمول قانون العفو العام الذي يتم العمل على إقراره في مجلس النواب قبل انتهاء ولاية المجلس الحالي، أولئك الذين ارتكبوا جرائم قتل بحق العسكريين. وقد أكد الرئيس عون أنه يتابع هذا الموضوع «انطلاقاً من حرصه على الوفاء لشهادة العسكريين الذين استُشهدوا في سبيل الحفاظ على الاستقلال والسيادة والكرامة الوطنية»، وأنه «لن يوقّع أي قانون عفو عمن أُدين أو سيُدان بقتل عسكريين».
وقالت مصادر مواكبة لاجتماع عون مع أهالي العسكريين، إن الرئيس عون جدد تأكيده أن «كل شخص صدرت بحقه أحكام إدانة بقتل عسكريين، أو ستصدر به تلك الأحكام من الآن وحتى إصدار القانون، لن يشمله العفو»، مشددة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن عون «لم يحدد ما إذا كان المقصودون إسلاميين أم غيرهم، بل تحدث بموقفه المبدئي عن أن كل المتورطين لن يحظوا بالعفو».
وبينما لم تُعتمد بعد نصوص القانون، يرى بعض المتابعين أن تصريح عون يشي بإعلان عن استثناءات ستطال مشروع قانون العفو المزمع تحويله إلى مجلس النواب لإقراره، في حال تم الاتفاق على مضمونه، ليكون ثاني عفو عام يصدر في لبنان منذ انتهاء الحرب اللبنانية في مطلع التسعينات من القرن الماضي.
وتمثل الاستثناءات تحدياً أمام إقراره، إذ أعلنت مصادر سياسية واسعة الاطلاع ومقرّبة من «تيار المستقبل» لـ«الشرق الأوسط»، أن طرح استثناءات «من شأنه أن يعرقل المشروع»، مكتفية بالقول إنه يجب انتظار الرئيس الحريري لتتضح الصورة. وقالت: «لا يمكن الجزم بأن يكون الاستثناء سيطال جميع المتهمين بمعارك عبرا أو معارك طرابلس، لأن بعضهم شارك بطريقة هامشية، وغير متورط بدم العسكريين».
ويمثل المحكومون والموقوفون في ملفَّي معركتَي عبرا (2013) وطرابلس (2014)، المعضلة الأبرز التي تواجه إقرار العفو العام، في ظل ضغوط يمارسها أهالي الموقوفين والمحكومين في الملفين حتى يشملهم العفو رغم أن بعضهم أقرّ بالقتال ضد الجيش. ويستند أهالي «الموقوفين الإسلاميين»، في مطالبهم، إلى اتهامات يوجّهونها إلى القضاء اللبناني بأن أحكامه «لم تكن عادلة».
وقال نائب رئيس «هيئة العلماء المسلمين» الشيخ سالم الرافعي، لـ«الشرق الأوسط»، إن الأهالي لن يوافقوا على الاستثناء «إلا إذا تحققت 3 شروط، يتمثل الأول في قدرة القضاء على استدعاء كل من تورط في قتال الجيش في عبرا»، مشيراً إلى أن «هناك طرفاً ثالثاً قاتل في معركة عبرا وهو (حزب الله)، فإذا كان القضاء قادراً على محاكمة عناصره، ومحاكمة تجار المخدرات الذين تورطوا في قتل عسكريين في أثناء ملاحقات القوى الأمنية لهم، واستثناء هؤلاء من العفو، فإن الأهالي سيوافقون على الاستثناء». ويقول إن الشرط الثاني يتمثل في «تأمين محاكمات عادلة للمتمهين وتسريع المحاكمات كي لا يبقى الابرياء في السجن»، أما الشرط الثالث فيتمثل في «ألا يُستثنى قتلة العسكريين والمدنيين من المنضوين السابقين في جيش لبنان الجنوبي الذي كان حليفاً لإسرائيل، وتورط في قتل المدنيين اللبنانيين والعسكريين اللبنانيين في تلك الحقبة». وقال: «في ذلك، ستكون الاستثناءات من جميع الطوائف».
وأشار الرافعي إلى أن أهالي المتهمين في أحداث عبرا لا يعارضون المحاكمات العادلة للمتورطين بقتل العسكريين، ويطالبون بالعفو عن أبنائهم باعتبار أن الدولة غير قادرة على الحكم بالعدل في هذه الملفات.
ويشمل قانون العفو العام، موضع البحث، الإفراج عن آلاف المتورطين في الاتّجار بالمخدرات وإطلاق النار والسرقة، الذين صدرت عشرات مذكرات التوقيف بحقهم، إضافة إلى ما يقارب 4900 من المبعدين إلى إسرائيل منذ عام 2000، إثر انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، وكانوا في عداد «جيش لبنان الجنوبي»، إضافة إلى نحو 1500 شخص من الموقوفين الإسلاميين.
وكان أهالي الموقوفين الإسلاميين قد نقلوا عن الحريري قوله في شهر (كانون الأول) الفائت، إنه قطع وعداً بأن يشمل العفو العام القسم الأكبر من السجناء الإسلاميين، مع استفادة من لا يشملهم العفو من هذا القانون، وذلك عبر تخفيض العقوبات.