لا يمكن عزل التطورات الايجابية التي طرأت في الايام القليلة الماضية على خط العلاقات اللبنانية – السعودية، عن التوجه الدولي العام للتعاطي مع لبنان، والمُعتمَد منذ سنوات، وتحديدا منذ اندلاع الازمة في سوريا. فالعواصم الكبرى قاطبةً، من واشنطن وصولا الى موسكو مرورا بأوروبا، قررت وضع “البلد الصغير” منذ العام 2011، تحت مظلة واسعة تحفظ استقراره وأمنه وتمنع انتقال النيران المشتعلة في محيطه، اليه، ربما لخوفها من ان تؤدي اي خضات يتعرض لها، الى تحوّل شواطئه لنقاط انطلاق لآلاف المهاجرين الى سواحل اوروبا.
انطلاقا من هنا، تقول مصادر دبلوماسية لـ”المركزية”، تحرّكت فرنسا سريعا إبان أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري من الرياض، لما كان يمكن ان تتركه هذه الخطوة من تداعيات على الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي للبنان. فكثّفت دبلوماسيتها اتصالاتها على الساحة الاقليمية والدولية، وساهمت في عودة الحريري الى السراي مجددا ولكن على أساس تسوية سياسية واضحة، قوامها الاساس النأي بالنفس وعدم تدخل لبنان في شؤون الدول العربية.
ومنذ تلك اللحظة، تتابع المصادر، الحراك الفرنسي (والاميركي ايضا) لم يتوقّف لتنقية الاجواء اللبنانية – السعودية و”الحريرية” – السعودية من شوائب مرحلة الاستقالة وما رافقها. فكان ان تنقل دبلوماسيو الدولتين الكبريين، بين بيروت والرياض، محاولين ترطيب المناخات بين الجانبين والاضاءة في المملكة على “نقاط قوة” التسوية اللبنانية الجديدة.
ويبدو ان جهودهما أثمرت. فحطّ الموفد السعودي والمستشار في الديوان الملكي نزار العلولا في بيروت الاثنين الماضي، حيث جال على القيادات السياسية مبشرا بصفحة جديدة في العلاقة بين البلدين، حاملا دعوة الى رئيس الحكومة لزيارة الرياض لباها بعد ساعات من تسلمها، على وقع مواقف ايجابية لولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان اعتبر فيها أن “وضع الرئيس الحريري الآن في لبنان أفضل مقارنة بوضع حزب الله”.
الحرص الاوروبي – الغربي الشديد على اعادة المياه الى مجاريها بين بيروت والرياض، يأتي في سياق المسار الدولي الداعم لاستقرار لبنان، تضيف المصادر، غير ان استعجال تحقيق هذه “الصُلحة”، له أيضا مبرراته.
فعشية مؤتمرات الدعم الدولي للبنان، والمرتقبة في الأسابيع القليلة المقبلة، من روما 2 لدعم الجيش اللبناني في 15 آذار، الى سادر في 6 نيسان المقبل لدعم الاقتصاد اللبناني وتحفيز الاستثمار في لبنان، وصولا الى مؤتمر بروكسل لمساعدة الدول المضيفة للاجئين، أدركت القوى العاملة على إعداد العدّة لها، وتحديدا فرنسا، ان غياب الدول الخليجية وفي شكل خاص السعودية، عن المؤتمرات سيشكّل ضربة قوية لها، خصوصا ان المملكة لطالما كانت تتربع على رأس قائمة الدول المانحة الداعمة للبنان، فضاعفت باريس وواشنطن ضغوطها في اتجاه كسر الجليد بين لبنان والسعودية، لافتة انتباه المملكة الى ان النأي بالنفس والمواجهة السياسية مع حزب الله لا يكفيان لمنع انزلاق لبنان الى المحور الآخر، بل لا بد من رفد “وطن الارز” بمقومات الصمود كلّها، لا سيما اقتصاديا ليبقى متماسكا وصلبا فتزداد مهمة اختراقه من قبل “فريق الممانعة” صعوبة. وتبدو وجهة النظر الدولية هذه لاقت آذانا صاغية في الرياض بدليل ما حصل من تطورات في الساعات الماضية، بحسب المصادر التي تتوقع ان تكون طريق المشاركة الفاعلة للمملكة في مؤتمرات الدعم، سالكة وآمنة.