ـ الاستحقاق الأوّل، إجراء الإنتخابات النيابية التي تطرح حولها أسئلة دولية عن دلالات نتائجها على مكانة «حزب الله» في لبنان.
ـ الاستحقاق الثاني، إستعداد لبنان لعقد مؤتمرَي المانحين الدوليين في روما لدعم الجيش اللبناني و»باريس 4» لمساعدة إقتصاده المتّجه الى الدخول في عنق الزجاجة.
ـ الاستحقاق الثالث، يتعلّق بنتائج زيارة وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون ومسعى مساعده ديفيد ساترفيلد لحلّ أزمة ترسيم الحدود البحرية اللبنانية ـ الإسرائيلية و»البلوك 9».
وقبل أيام أُضيف مستجدّ رابع يستدعي أيضاً متابعة نتائجه، وهو زيارة الموفد السعودي نزار العلولا للبنان والتي أعقبتها زيارة الحريري للرياض، حيث التوقعات في شأن نتائج هذا الحراك على الوضع الداخلي اللبناني، لا تزال متضاربة.
والواقع أنّ عمليات إستكشاف الأهداف الحقيقية التي حرّكت كل هذه التطوّرات الدولية والإقليمية التي شهدها لبنان خلال شباط الماضي وحتى هذه اللحظة (زيارة تيلرسون ومسعى ساترفيلد الغازي، وزيارة العلولا للبنان وزيارة الحريري للسعودية) توصّلت الى تحصيل أجوبة ومعلومات تساهم في تكوين فكرة عن طبيعة المرحلة الدولية والإقليمية التي يوجد فيها لبنان حالياً».
ويمكن تلخيص هذه الأجوبة عبر إبراز المعطيات الآتية:
ـ أولاً، من بين الأسرار التي تقف وراء دوافع تيلرسون لزيارة لبنان، أوردت جهاتٌ تابعت هذا الجانب، أنّ اعتباراتٍ عدة لحظها تيلرسون هي التي قادته الى اتّخاذ قرار بزيارة لبنان في 15 الشهر المنصرم، برفقة ساترفيلد المعتبر الأكثر خبرة من بين فريقه بمسائل المنطقة.
ولقد افصح احد مساعدي تيلرسون عن أحد أهم الاعتبارات التي دفعته الى زيارة لبنان، وهو يتمثل بأنّ مسارَ الملابسات الذي أثاره الحريري في استقالته من رئاسة الحكومة خلال زيارته الى السعودية في 4 تشرين الثاني الماضي، ومن ثمّ رجوعه من السعودية وإعلانه عودته عن هذه الإستقالة، حفّز ( أي هذا المسار) تيلرسون على زيارة لبنان. وضمن هذا الاتّجاه الأميركي المشجّع بقوة على تصفية ذيول كل الملابسات التي أثارتها زيارة الحريري السعودية في تشرين الثاني الماضي، يُنظَر في واشنطن الى انّ زيارة تيلرسون لبيروت كانت بمثابة رسالة للرياض لكي تقوم هي من جانبها أيضاً بإنهاء ذيول كل ملابسات ملفّ ما حدث في تلك الزيارة.
ـ ثانياً، وتوجد تتمّة للإعتبار السابق، بجانب مهم شكّل إعتباراً آخر حفّز تيلرسون على زيارة بيروت ويتعلّق بملفّ المساعدات للبنان الأميركية في مؤتمرَي روما و«باريس 4» الدوليَّين. والأمر المستجدّ على هذا الصعيد ضمن زيارة تيلرسون وكشفته مصادر مطّلعة لــ«الجمهورية» يتمثل في أنّ الخارجية الأميركية المشجّعة على تنفيذ أجندة تقديم مساعدات لبنان، مباشرة او عبر المؤتمرين الدوليين، أصطدمت خلال الاشهر القليلة الماضية خلال مسعاها لتعريب هذه الاجندة، ببعض التلكّؤ والفتور، سواءٌ داخل الإدارة الأميركية او لدى دول أساسية مانحة.
وتكشف معلومات لـ»الجمهورية» في هذا الصدد أنّ الطلبات المتكرّرة التي تقدّمت بها وزارة الخارجية الاميركية للمستويات الحكومية المعنية في اميركا، والخاصة بحضّها على الإسراع في تقديم مساعدات مباشرة للبنان، أو عبر تشجيع المانحين الدوليين على ذلك، اصطدمت بإجابة تفيد أنه توجد لديها خشية من أنّ إقرارالمشاريع المموّلة أو المرغوب بتمويلها من الجهات المانحة في الخارج يتطلب، في ظلّ هشاشة التماسك السياسي الداخلي اللبناني، وقتاً طويلاً لكي تقرّها الحكومة ومجلس النواب اللبنانيان.
والواقع أنّ البتّ بالتمويل يتأخّر كثيراً في لبنان، وهذا يخلق مشكلة للجهات المانحة، لأنّ «التأخير في البتّ» لا يتلاءم مع «الطابع الدقيق لمراعاة أصول الصرف واحترام قواعد الموازنة» لدى الجهات المانحة، ومن هنا، هناك ضرورة قبل إقرار المساعدات، بأن يُعاد النظر في آليات البتّ بقبول القروض والهبات المتّبعة في لبنان، وطرح إمكانية تسريعها. وبالإضافة الى هذا، فإنّ الجهات المانحة ترغب دائما بالتأكد من أنّ الأموال الممنوحة أو التي تتعهّد بمنحها للبنان، ستذهب فعلياً الى تنفيذ المشاريع وتحقيق جدواها المرغوبة.
والواقع أنّ زيارة تيلرسون ومساعده ساترفيلد لبيروت أهتمت، في جزء أساسي منها، بإطلاع المسؤولين اللبنانيين على هذه التحفّظات الناتجة عن قصور العمل الحكومي والتشريعي اللبناني، والمسؤولة عن عرقلة سلاسة تقديم المساعدات الدولية للبنان.
والواقع أنّ هذه التحفّظات، عرضها وزير خارجية أميركا مباشرة على لبنان، وهذا يعطيها صفة أنها مطالب دولية جدّية، ويمنحها أيضاً مسوّغَ أنها تقارب شروطاً أميركية ودولية والجهات المانحة، وأنه من دون تعاطي لبنان بجدّية معها وإنتاج حلول سريعة لها، فإنّ كل مسار الجهد اللبناني والدولي الساعي الى تزخيم المساعدات الدولية للجيش وللاقتصاد اللبناني سواءٌ من واشنطن أو الدول المانحة، سيكون معرَّضاً للتعثّر.
كذلك فإنه قبل زيارة تيلرسون للبنان لم يكن بعد محسوماً حضور السعودية كدولة مانحة في إجتماع «باريس 4»، علماً أنّ اتّصالات الخارجية الاميركية في تلك الفترة كانت أكدت حضور دولة الامارات العربية المتحدة.
وكان واضحاً أنّ اشتراك الرياض في «باريس 4» يجب أن يسبقه ترتيبٌ سعودي – لبناني ينهي ذيول ملابسات ما حصل في تشرين الثاني الماضي، وهو الأمر الذي تكفّلت به زيارة العلولا لبيروت وايضاً زيارة الحريري للسعودية.
وبهذا المعنى فإنّ نتائج زيارة تيلرسون ـ ساترفيلد لبيروت أنتجت خريطة طريق نحو إستكمال إنهاء كل ذيول ملابسات زيارة الحريري للسعودية في تشرين الثاني الماضي وايضاً رسمت للبنان خطواته المقبلة في اتّجاه القيام بما هو مطلوب منه دولياً، لإنجاح مؤتمرَي «باريس 4» وروما.