كتبت إنديرا مطر في صحيفة “القبس” الكويتية:
عادت قضية الممثل المسرحي زياد عيتاني الموقوف بجرم التعامل مع العدو الإسرائيلي إلى واجهة المشهد اللبناني لتكشف حجم التخبط بين الأجهزة الأمنية من جهة، وأن المواطن ليس سوى رقم يتم التلاعب به على مسرح تصفية الحسابات الشخصية والسياسية. فأن يلجأ مسؤول في جهاز أمني معني بمكافحة جرائم المعلوماتية إلى توريط مواطن بريء وتلفيق تهمة له بدافع انتقام شخصي يعني أن هذا البلد قد أصبح في درك يصعب وصفه.
زياد عيتاني الضحية سيخرج خلال أيام من دائرة الشبهة، بل الإدانة التي سارع أقرب المقربين منه إلى تبنيها، ومنهم كتاب وصحافيون وفقهاء قانون تبنوا رواية الأجهزة الأمنية عن قناعة أو عن رعب.. ولولا قلة من الأقلام الحرة والمشككة برواية الأجهزة الأمنية، لبقي عيتاني سنوات قيد التوقيف.
اعترف تحت التعذيب
وكان عيتاني قد أوقف بتاريخ 23 ايلول 2017 بجرم التخابر والتواصل والتعامل مع إسرائيل، ووجهت إليه اتهامات تراوحت بين التحضير لعمليات اغتيال والعمل على تأسيس نواة لبنانيّة تمهّد لتمرير مبدأ التطبيع مع إسرائيل، والترويج للفكر الصهيوني بين المثقفين، بحسب بيان المديرية العامة لأمن الدولة، التي ذكرت في بيانها آنذاك أن توقيف عيتاني هو عملية نوعية استباقية في مجال التجسّس المضاد. تبنى الصحافي الموجود في لندن فداء عيتاني قضية زياد، ودأب على نشر تقارير على مدونته «حدثنا غودو»، مستندة إلى معلومات من ضباط وقضاة ومن أصدقاء لعيتاني، تؤكد أن كل ما اعترف به زياد في بداية التحقيقات كان تحت الضغط والتعذيب الجسدي والمعنوي على أيدي ضباط في أمن الدولة.
ودُعمت تقارير فداء عيتاني بموقف لافت لوزير العدل السابق اللواء أشرف ريفي خلال مقابلة تلفزيونية معه حين وجه اتهاماً صريحاً ومباشراً لجهاز أمن الدولة بتركيب قضية وفبركة اتصالات لإدانة شخص بريء من أجل حسابات معينة، وبأن المستهدف من القضية هو زياد عيتاني آخر يعمل كصحافي وهو مقرب من اللواء ريفي.
بين أمن الدولة و«المعلومات»
تصريح اللواء ريفي ومدونات فداء عيتاني، اسهما في تحويل القضية من جهاز أمن الدولة إلى فرع المعلومات وإعادة فتح التحقيق من النقطة صفر. وهنا التحول المفصلي في ملف عيتاني، اذ ان نقل الملف من جهاز أمني لآخر لا يتم عبثا، بل يمكن اعتباره تشكيكا بكل التحقيقات التي حصلت سابقاً، ان لم يكن نفيها ودحضها.
قبل أسبوعين وبناء على استنابة قضائية أصدرها قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا، نقل الملف الى فرع المعلومات «لتحليل بعض النقاط الفنية في قضية الادعاء على عيتاني بجرم الاتصال بالعدو الإسرائيلي». وأمس، قال النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود انه «اثناء تنفيذ هذه الاستنابة، تبينت أمور استدعت قيام شبهة على جرم اقترف يجري التحقيق فيه بإشرافي شخصياً، ويتم الاستماع إلى عدد من الاشخاص بينهم المقدم سوزان الحاج.. وبنتيجة هذا التحقيق سنتخذ القرارات المناسبة».
بالتزامن، أعلنت مصادر في وزارة الداخلية ان رئيسة مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية المقدّم سوزان الحاج حبيش هي أحد المتورطين بفبركة ملف زياد وهناك متورطون آخرون تعمل الجهات المختصة على ملاحقتهم، وأحد المطلوبين هو الهاكر الذي دخل إلى حساب عيتاني.
عملية انتقام؟
وقد تكون المقدم الحاج التي عوقبت في تشرين الأول الفائت بفصلها من وظيفتها ووضعها في تصرف المدير العام للامن الداخلي بسبب اعجابها بتغريدة للمخرج شربل خليل ينتقص فيها من كرامة المرأة السعودية، التبس عليها اسم زياد عيتاني، والتبست عليها هوية عيتاني، الذي وثّق إعادة تغريدها فاستبدلت زياد الفنان بزياد الصحافي المقرب من اللواء أشرف ريفي، الذي يحمل الاسم نفسه، وأرادت الانتقام.
واشارت المعلومات الى «ان الحاج لم تقر بأي من الاتهامات الموجهة إليها وهي رهن التحقيق وغير مدّعى عليها حتى الساعة، ومن المتوقع ان تبقى رهن التحقيق حتى الإثنين».
إعلان براءة أو استغلال
وفي ما يشبه اعلان البراءة قبل ان تستكمل التحقيقات، وبعد ساعات على توقيف الحاج، صرح وزير الداخلية نهاد المشنوق عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأن «كل اللبنانيين يعتذرون من زياد عيتاني. البراءة ليست كافية. الفخر به وبوطنيته هو الحقيقة الثابتة والوحيدة. والويل للحاقدين، الأغبياء، الطائفيين، الذين لم يجدوا غير هذا الهدف الشريف، البيروتي الأصيل، العروبي الذي لم يتخل عن عروبته وبيروتيته يوما واحدا».
كلام المشنوق وإن نزل بردا وسلاماً على محبي زياد واهله واصدقائه، الا انه خلق سجالاً سياسياً وشعبياً، حيث اعتبره البعض استغلالا سياسيا قبل الانتخابات النيابية، حيث رد وزير العدل سليم جريصاتي على المشنوق قائلاً «الشعب لا يعتذر من احد ولا يليق بأي مسؤول تقديم اوراق الاعتماد الانتخابية عن طريق طلب مثل هذا الاعتذار وإعلان البراءة أو الادانة من اختصاص القضاء وحده». وقال مصدر قضائي ان وزير الداخلية اعتدى على صلاحيات وزير العدل في الملف.
وبعد السجال السياسي – القضائي حول القضية، دخل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على الخط، حيث اعتبر «ان ما تناقلته وسائل الإعلام وما صدر من مواقف عن عمل الأجهزة الأمنية والتحقيقات، خارج عن إطار الاصول والقواعد القانونية». وشدد على «ضرورة إبقاء الملفات التي وضع القضاء يده عليها، بعيدة عن أي استغلال لأي هدف كان». كذلك، دعا الرئيس سعد الحريري الى «سحب قضية عيتاني من التجاذب، والتوقف عن استغلالها لأغراض تسيء إلى دور القضاء والأجهزة الأمنية. كذلك، غرّد النائب وليد جنبلاط، قائلاً «لا علاقة للبنانيين بالاعتذار من زياد، وما من احد فوّض الوزير بالتحدث باسمهم. على السلطة الاعتذار من اللبنانيين لكثرة الفساد والفوضى في مطبخها الممغنط»، غير انه ما لبث ان حذف هذه التغريدة. ليلحقها بثانية قال فيها: «اعتذروا انتم يا اهل السلطة من هذه الفضيحة الامنية والقضائية واستقيلوا».
بشارة: فضيحة بكل المقاييس تستوجب محاكمة المسؤولين
يشرح أسعد بشار الكاتب الصحافي مستشار اللواء اشرف ريفي في اتصال مع “القبس” مستجدات قضية زياد عيتاني. يقول بشارة ان المقدم سوزان الحاج التي عوقبت من قيادتها على وضع علامات اعجاب على تغريدة للمخرج شربل خليل يتهم فيها السعودية بالإرهاب أرادت التفتيش عن كبش محرقة. «ادعت عليّ وعلى الصحافي زياد عيتاني المقرب من اللواء ريفي. ويتابع بشارة ان الحاج كانت تستهدف الوصول الى تحميل المسؤولية للواء ريفي في ما تعرضت له من عقاب». وبعد أيام قليلة أوقف الممثل عيتاني بتهمة التعامل مع العدو الإسرائيلي ليتبين ان ملف التحقيق فارغ. ويضيف بشارة ان المعطيات التي وصلت الى اللواء ريفي اكدت له ان الملف كله مفبرك فخرج بها الى الرأي العام. ويلفت بشارة الى ان توقيف الحاج حصل بعد إحالة الملف الى فرع المعلومات، لافتا الى أن هذا الجهاز لديه القدرة التكنولوجية الكافية والخبرات اللازمة لكشف كل الغاز الاتصالات والتأكد من ان الفنان زياد عيتاني لا علاقة له بما نسب اليه من اتهام، كما لدى هذا الفرع القدرة على معرفة من قام بالتلاعب باتصالات العيتاني أي الهاكر لاتهامه بهذه التهمة الخطيرة.
ويختم بشارة بأن التحقيقات الآن هي بيد فرع المعلومات وستحال الى القضاء ليقول كلمته، ولكن ما جرى هو فضيحة بكل المقاييس وتستوجب محاكمة المسؤولين عنها أيا كان موقعهم.
التسريبات الإعلامية حملة تشبيح لـ «نفخ» جهاز أمن الدولة
مصدر اعلامي مواكب لقضية زياد كشف لـ “القبس” ان تسريب البيان الأول الصادر عن مديرية امن الدولة تم بناء على اتصال من رئيس المديرية اللواء أنطوان صليبا برئيس الجمهورية الذي أعطاه الضوء الأخضر لـ «نفخ» الجهاز. ويضيف المصدر ان البيان هو فضيحة بكل المقاييس، أمنيا وسياسيا. «انطوت لغته على حملة تشبيح تظهر ان التهمة مفبركة لم يتبين مدى حجمها في البداية». وتابع: «من خلال معرفتي بزياد عيتاني ادركت انه لا يصلح لأن يكون مخبراً أو عميلاً. استبعدت فكرة تخويف الناس عبر توقيفه، فهناك من هم أهم منه وأكثر تأثيرا. كان بإمكانهم أن يختاروا ناشطا يناهض حزب الله علنا، أو مؤيداً للثورة السورية. بداية التشكيك بصدق الرواية الأمنية انطلقت من سؤال: لماذا زياد عيتاني؟».
يتابع المصدر: تأكدت من براءة زياد عيتاني من حجم التلفيقات في البيان، التي ناقضتها تسريبات لاحقة. أمران حدثا انزلق بهما جهاز أمن الدولة: هي كلمة «مخبر» او وشاية التي أتت في البيان وما صرحت به المقدم سوزان الحاج لقناة «ام تي في» بأن عميلاً إسرائيلياً أوقع بينها وبين قوى الامن الداخلي. يضيف المصدر الإعلامي ان التقارير التي أوردها فداء عيتاني إضافة الى تصريح اللواء ريفي شكلا الدافع الأساسي لإخراج الملف من امن الدولة وتحويله الى فرع المعلومات، حيث اخافهم كلام ريفي وقدم لوزارة الداخلية المخرج.
صراع الأجهزة
على مدى سنوات ظل فرع المعلومات التابع لرئاسة الحكومة عرضة للاستهداف من قبل الفريق الموالي لفريق 8 آذار، وصولا الى اغتيال رئيسه وسام الحسن في 19 تشرين الاول 2012.
في هذا الاطار تكشف مصادر سياسية لـ “القبس” ان رئيس الجمهورية ووزير الخارجية جبران باسيل يعملان منذ زمن على تحويل هذا الفرع الى جهاز امني من الدرجة الثانية والثالثة في مقابل تعزيز جهاز امن الدولة الذي يخضع لسلطة المجلس الأعلى للدفاع الذي يرأسه رئيس الجمهورية. علما ان مديرية امن الدولة ظلت لفترة طويلة شبه مشلولة وغير فعالة في المعادلة الأمنية نتيجة صراع بين ركني قيادته السابقين، ولم تستعد حضورها الا بعد تعيين اللواء أنطوان صليبا على رأسه.