كتب علي الأمين في صحيفة “العرب” اللندنية:
يُغلق باب الترشحات إلى الانتخابات النيابية في لبنان منتصف ليلة الثلاثاء ويرجح أن يتجاوز عدد المرشحين 500 مرشح يتنافسون على 128 مقعدا، هو عدد مقاعد مجلس النواب.
ما يميّز هذه الانتخابات أنها تأتي بعد تمديدين للبرلمان الذي انتخب عام 2009، أي بعد تسع سنوات على آخر انتخابات نيابية، علما وأن ولاية البرلمان هي أربع سنوات، كما أن ما يميز انتخابات هذا العام، والتي يفترض أن تجري في السادس من مايو المقبل، أنها تجري بلا خطاب سياسي، أي أن التحالفات التي يفرضها اعتماد النظام النسبي لأول مرة في تاريخ الانتخابات اللبنانية وطبيعة تقسيم الدوائر الانتخابية، تجعلان الصراع والتنافس مقتصرين في معظم الدوائر على تنافس داخل الطوائف، باستثناء الطائفة الشيعية التي يحكم طرفا الثنائية الشيعية (حزب الله – حركة أمل) على النتيجة التي يريدانها، أي الفوز بمعظم المقاعد الشيعية في البرلمان بالإضافة إلى القدرة على إحداث بعض الخروقات ولا سيما في الطائفة السنّية.
كما أنّ هذا القانون انطلاقا من طبيعة الدوائر والنظام المعتمد، لا يحتاج المراقب للكثير من الجهد ليخلص إلى أن نتائجه تصب في صالح تحالف الثنائي الشيعي، وحزب الله على وجه التحديد، ذلك أن حزب الله كان المقرر الأول في فرض هذا القانون، على الرغم من أن الشائع هو أن رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل هو الذي روّج له ونجح في فرضه، لكن الواقع يقول إن حزب الله هو المستفيد الأول من هذا القانون. لكن لماذا هو المستفيد؟
يجب الانتباه بداية إلى أن حزب الله هو القوة المسلحة الوحيدة في لبنان من خارج مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، بل يمكن القول إنه يمتلك سطوة على كل الأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية، وهذا السلاح ليس عنصرا مهملا في أي عملية انتخابية وأي قانون انتخابي، إذا ما تحدثنا عن داخل البيئة الشيعية، فسطوة السلاح قائمة وذلك بذريعة المقاومة، فلحزب الله وحده القدرة على وضع خصومه في خانة أعداء المقاومة، وهذا الاتهام بحد ذاته وفي ظل غياب فعلي لدور الدولة كعنصر حماية للمجتمع خصوصا في البيئة الشيعية، يجعل من الاعتراض على سياسة حزب الله أو مواجهته انتخابيا أمرا مكلفا لأي جهة أو شخصية تسعى لمواجهة الحزب انتخابيا، لإدراك هؤلاء أو من يفكر بمنافسته داخل الطائفة الشيعية أنه سيصبح عرضة لكل الاحتمالات السيئة ومنها الاتهام بالعمالة سواء للعدو الإسرائيلي أو لدولة عربية أو غربية، وهذا بحد ذاته يشكل عنصر تهديد ليس للمرشح فقط، بل للناخب أيضا الذي يدرك أن كلفة التمايز عن حزب الله أو التعبير عن تأييد خصومه سيعني تعرضه لتهديدات تبدأ من التهديد في أرزاقه، إلى محاصرته ومنعه من نيل أبسط حقوقه في مؤسسات الدولة.
وثمة أمثلة عديدة لأفراد أو جهات داخل البيئة الشيعية، تظهر كيف أن حزب الله لا يتسامح مع أي معارضة تواجهه داخل الطائفة الشيعية، لا سيما في قدرته على تركيب ملفات أمنية ضد خصومه واتهامهم بالعمالة للعدو. وهذا ما حصل مع الشيخ حسن مشيمش المعارض لحزب الله، وهو رجل دين أودع السجن لأربع سنوات بتهمة العمالة للعدو وهي تهمة باطلة، وقدرة حزب الله هنا تتميز بأنه قادر على تركيب الملفات من خلال مؤسسات رسمية من دون أن يظهر في الصورة، لكن الجميع يدرك أنه هو من يحرك ويدير أجهزة الدولة المعنية لصالحه. كما يمكن الإشارة إلى شخصيات أخرى تعرضت لاعتداءات في مناطق نفوذ حزب الله، فقط لكونها على خلاف سياسي معه مثل العلامة السيد علي الأمين الذي تم طرده من مدينة صور وإقالته من وظيفة الإفتاء فقط لكونه معارضا لسياسة حزب الله على وجه التحديد. وشيء من هذا القبيل جرى مع أحمد كامل الأسعد، لا بل تم قتل أحد مناصريه، وهاشم السلمان قبل ثلاث سنوات حين كان مع عدد من مناصري الأسعد يحاولون الاحتجاج أمام السفارة الإيرانية بسبب الحرب السورية، فكان جزاؤهم قتل هاشم السلمان برصاص مجموعة من البلطجية الذين انهالوا بالضرب وبإطلاق النار على المحتجين، وهذه القضية التي لم تصل إلى القضاء ولا جرى التحقيق فيها، ودائما بقوة حزب الله وسطوته على الدولة.
النتائج التي حصّلها حزب الله مسبقا من خلال القانون الحالي للانتخابات النيابية، ليست محسومة، والانتخابات مهما بلغت قدرة حزب الله على التحكم بنتائجها نتيجة سطوة السلاح على المجتمع وعلى مؤسسات الدولة، ستبقى عرضة للمفاجآت
من هذا المنطلق، أي من السلاح وسطوته على المجتمع والدولة، نجح حزب الله في جعل حالات الاعتراض في البيئة الشيعية مكتومة، بسبب كلفة الاعتراض بل التمايز. ثمة من قد يسأل أو ليس التمايز موجودا بين حزب الله وحركة أمل؟ يمكن الإجابة بالنفي ذلك أن تحالف الثنائية الشيعية والتي صارت أحادية، هو الثابت الوحيد في الحياة السياسية اللبنانية منذ عام 1992 حتى اليوم، وقوة هذا التحالف ليست ناشئة من عناصر محلية بل هي نتاج الوصاية السورية التي فرضته في انتخابات عام 1992 وحتى عام 2005، وعند خروج الجيش السوري من لبنان تولت إيران تثبيته، وتحول إلى أحادية شيعية ثبتت مرجعية حزب الله وقبلت حركة أمل برئاسة نبيه بري بالوضعية الجديدة أي أن تكون ملتزمة بمتطلبات الاستراتيجية الإيرانية، في مقابل المحافظة على وجودها في المعادلة السياسية وضمان حصتها في معادلة المحاصصة الداخلية. أي أن لسان حال حركة أمل ورئيسها “نواليكم في الاستراتيجيات الإيرانية مقابل المحافظة على حصصنا اللبنانية الداخلية”.
هذه السطوة لحزب الله على الطائفة الشيعية، تتيح له الفوز بأي انتخابات نيابية تجري في مناطق ذات غالبية شيعية، ليس بسبب ما لديه من جمهور المؤيدين فحسب، بل لأن منطق الأمور يقول إن المنافسة بين مسلح وأعزل من السلاح، ستكون نتائجها لحامل السلاح، وهذا العنصر الأهم والحاسم، وكذلك كان الحال على المستوى الوطني، إذ لم يشكل فوز قوى 14 آذار في الانتخابات النيابية عام 2009 أي تأثير على حزب الله، فوجود السلاح بحوزته كان كفيلا بإنهاء أي معنى للفوز الانتخابي لمنافسيه، والسلاح هو الذي قلب المعادلة لصالح حامل السلاح أي حزب الله.
إذا كان الحال كذلك، فلماذا يهتم حزب الله بقانون الانتخاب اليوم؟
الاهتمام بتفاصيل قانون الانتخاب وطبيعته له سببان يجعلان الحزب متحمسا لهذا القانون، الأول أن هذا القانون الذي يعتمد النظام النسبي يتيح لحزب الله اليوم اختراق الطوائف اللبنانية الأخرى، إذ يطمح حزب الله في أن يكون لديه حلفاء أو أتباع من الطوائف الأخرى والقانون الحالي يتيح له هذه القدرة، فيما تفتقدها الأطراف اللبنانية الأخرى في الدائرة الشيعية لأسباب عدة لكن أبرزها وجوهرها سطوة سلاحه.
أما السبب الثاني فيتصل ببعد سياسي، ذلك أن هذا القانون ساعد حزب الله على جعل الانتخابات عبارة عن تنافس انتخابي ويفرض تحالفات انتخابية غير سياسية في معظم الدوائر، وهذا ما جعل أمين عام حزب الله يقول إن الانتخابات المزمعة ليست فيها تحالفات سياسية وأن المتفقين سياسيا يمكن أن يكونوا متنافسين في الانتخابات بسبب طبيعة القانون.
النتائج التي حصّلها حزب الله مسبقا من خلال القانون الحالي للانتخابات النيابية، ليست محسومة، والانتخابات مهما بلغت قدرة حزب الله على التحكم بنتائجها نتيجة سطوة السلاح على المجتمع وعلى مؤسسات الدولة، ستبقى عرضة للمفاجآت، ذلك أن مجرد إجراء الانتخابات هو أمر ضـروري وإيجابي، ولو كـانت شروط المنافسة الشريفة غير متوفرة، ولو كانت قدرة التزوير متاحة لمن يمتلك السطوة والقوة والتحكم بالمؤسسات، لكن ثمة استحقاق يجعل التفاؤل لدى اللبنانيين مقتصرا على قدرة الانتخابات على الإتيان ببضعة نواب لبنانيين قادرين على التقاط نبض الشعب اللبناني والتعبير عنه بحرية، وهذا كاف طالما أن معيار الأقلية والأكثرية في مجلس النواب لا معنى له في ظل سطوة السلاح، لكن ثمة صوت لبناني يجب أن يظل صادحا بمشروع الدولة حتى لا تصبح الدويلة قدرا.