IMLebanon

الحريري المرتاح لزيارته “الناجحة جداً” للسعودية يستعدّ لإدارة مُحرّكات… معركته الانتخابية

انطلق في بيروت أسبوعٌ صاخِبٌ على وهج المحادثات «الناجحة جداً» التي أجراها رئيس الوزراء سعد الحريري مع القيادة السعودية خلال زيارة الخمسة أيام التي قام بها للرياض وأسستْ لديناميةٍ جديدة في العلاقات بين زعيم «تيار المستقبل» والمملكة، التي اختارتْ «العودة» الى المشهد اللبناني وتوجيه رسالة مزدوجة بأن موقع الحريري محوريّ في معادلة التوازن الداخلية ببُعدها الاقليمي وبأنها لن تترك لبنان يصارع أزماته الاقتصادية – المالية وحيداً أو يَسْقط في قبضة المشروع الإيراني.

وكرّستْ الإشارات الأولى بعد عودة الحريري الى بيروت المعلومات التي تشير الى أن استعادة السعودية علاقتها الوثيقة بزعيم «المستقبل» وإحاطتها مجدداً بالواقع اللبناني ليست على قاعدة «صِدامية» بمعنى الدفْع نحو مواجهة داخلية مع «حزب الله» بقدر ما أنها تقوم على احتضان المملكة لحلفائها وتَفَهُّم خيار الحرص على الاستقرار، في موازاة مضيّها مع شركاء خارجيين لها في حياكة شبكة ضغط على إيران التي يشكّل الحزب ذراعها الرئيسية.  وفيما تعيش بيروت أجواء عودة وشيكة لموفد الديوان الملكي نزار العلولا لاستكمال المحادثات التي كان بدأها الأسبوع الماضي وقَطَعَها بفعل الزيارة الأولى من نوعها التي قام بها الحريري للمملكة منذ أزمة الاستقالة (في نوفمبر الماضي)، فإن رئيس الحكومة لم يُخْفِ في «أول الكلام» من العاصمة اللبنانية ارتياحه الكبير للمحادثات التي أجراها مع كل من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وإذ أكد أن زيارته للرياض «كانت ناجحة جداً»، قال الحريري: «البعض كان شكك في علاقة سعد الحريري بالمملكة العربية السعودية، وأرى أن هذه الشكوك التي حاول البعض أن يزرعها خلال كل هذه المرحلة ذهبت، والعِبرة في النتائج. فالكل سيرى كيف ستدعم المملكة سعد الحريري ولبنان في مؤتمريْ روما وباريس، والأهمّ بالنسبة إليّ دعم السعودية للبنان، فهو ليس دعماً شخصياً بل للبلد».

والأبرز ان رئيس الحكومة أطلق هذا الموقف من دارة رئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السنيورة وبعد زيارة بالغة الدلالات قام بها فور عودته الى لبنان. ورغم أن الحريري أعلن بعد اللقاء، مساء أول من أمس، أنه طلب من السنيورة «المضيّ في تَرشُّحه للانتخابات النيابية في صيدا»، فإنه كان من الواضح أن زعيم «المستقبل» أراد بهذه «اللفْتة» توجيه تحية الى الرجل الذي هو «من أفراد البيت»، والى «كل التضحيات التي قام بها أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري والاستهداف الذي تعرض له طوال تلك المرحلة»، وذلك لمعرفته أن السنيورة قرر عدم الترشّح للانتخابات المقبلة بفعل القانون الذي ستجري على أساسه والذي يقوم على النسبية مع صوت تفضيلي محصور بالقضاء، ما يضعه في تنافُس لا يريده ضمن «البيت الواحد» مع النائبة بهية الحريري.

ولم يتأخّر رئيس كتلة «المستقبل» في تأكيد هذا التوجه إذ أعلن في مؤتمر صحافي، ظهر أمس، عزوفه عن الترشح مع كشْفه أنه لن يعود تبعاً لذلك ليترأس كتلة «المستقبل» (كان الرئيس الحريري طرح عليه الاستمرار بترؤسها)، ومشدداً على ان قراره الذي عزاه الى طبيعة قانون الانتخابات و«بعض التحالفات المرحلية» المطلوبة للفوز «لا يعني أبداً انفصالاً عن تيار المستقبل الذي أنتمي سياسياً ووطنياً إليه، وقبل ذلك ما يقتضيه الوفاء من قبلي، وكذلك الانتماء إلى إرث الرئيس الشهيد رفيق الحريري».

وإذ تمسّك السنيورة بدعْم الحريري، أطلق إشارةً بدتْ أقرب الى الانسحاب من الشأن السياسي مع تأكيده التفرغ لـ«عملي العام والوطني»، مسترجعاً أبرز محطات المشهد السياسي الذي طبعه منذ ان كان رفيق درب الرئيس رفيق الحريري ابتداءً من العام 1992 وصولاً الى توليه رئاسة الحكومة مرتين بعد اغتياله (في 2005 و2008) وما تخلّلها من «جرائم اغتيال متسلسلة» وإنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وأزمات سياسية ليس أقلّها محاصرة السرايا الحكومية (باعتصام مفتوح) لنحو 18 شهراً من «حزب الله» وحلفائه وصولاً الى أحداث 7 ايار 2008، وهي المراحل التي تميّز خلالها السنيورة بصلابة في الموقف من «حزب الله» وسلاحه.

وفيما جاء عزوف السنيورة عشية انتهاء مهلة تقديم الترشيحات منتصف ليل الثلاثاء – الأربعاء وفي سياق تمهيدي لإعلان الحريري ترشيحاته هذا الأسبوع إيذاناً بتركيز الجهود على حسْم خريطة التحالفات قبل تسجيل اللوائح، استمرّ الدويّ المتدحرج لما بات يُعرف بـ «قضية المسرحي زياد عيتاني – المقدّم سوزان الحاج» والتي ترخي بظلال ثقيلة وبالغة السلبية والحساسية على صورة الأجهزة الأمنية اللبنانية وخصوصاً عشية مؤتمر «روما 2» منتصف الشهر الجاري والمخصّص لدعم الجيش وهذه الأجهزة. وفي اليوم الثالث على انفجار هذا الملف، بقيت الأنظار مركّزة على تداعياتِ المعطى الذي قلَب ملف عيتاني من التعامل مع إسرائيل وفق ما قدّمه جهاز أمن الدولة للقضاء العسكري، الى «فبْركة» قضيّته من قبل مُخْبِر في هذا الجهاز كشفتْه شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي واعترف بأن المديرة السابقة لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية المقدّم الحاج استخدمتْه «قرصاناً» لتلفيق التهمة للفنان المسرحي انتقاماً لمساهمته في الترويج لـ «لايك»، كانت قالت إنها قامت به عن طريق الخطأ، لتغريدةٍ للمخرج شربل خليل تسيء الى المرأة السعودية بعد قرار السماح لها بالقيادة، الأمر الذي تسبب أوائل اكتوبر الماضي بفصْلها من مركزها ووضْعها بالتصرف.

وتواصلتْ أمس التحقيقات مع الحاج من شعبة المعلومات التي طلبت تمديد مهلة سماع إفادتها 48 ساعة بإشراف القضاء، وسط مؤشراتٍ على تَمسُّك «أمن الدولة» بنتائج التحقيقات التي تدين عيتاني وتسلُّحه بتسجيلات بالصوت والصورة لاعترافاته مقابل إصرار «المعلومات» على ما خلصت إليه في شأن «فبْركة» الملف برمّته بناء على أدلة تقنية واعترافات المخبر ايلي.غ ومراسلات بعضها صوتي باتت في حوزتها.

وفيما شكّل هذا الملف بنداً رئيسياً في اجتماعٍ لقادة الأجهزة الأمنية أمس، كثرت علامات الاستفهام حول كيفية الخروج من مأزقٍ يلوح في الأفق في ظلّ معادلةٍ تُساوي معها «براءة» عيتاني وإطلاقه «إدانة» الحاج (تنفي الاتهامات الموجهة ضدها) وتالياً سجْنها، لا سيما مع دخول رئاسة الجمهورية على الملف راسمةً ما يشبه «الخط الأحمر» حول المقدّم التي نقلت محطة «ام تي في» عن الرئيس ميشال عون اعتباره قضيتها «قضية وطنية»، وسط اقتناعٍ بأن «خط الدفاع الأساسي» يُراد له «حماية» جهاز أمن الدولة وصدقية عمله.