(تحقيق رولان خاطر)
هزّت قضية المسرحي زياد عيتاني الوسط الأمني والسياسي، وأركان الدولة كلها، بعدما أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق في 2 آذار براءته من تهمة التعامل مع اسرائيل، على خلفية بروز معطيات جديدة لدى الأجهزة الأمنية تفيد بأن ملف عيتاني مفبرك وأن من قام بهذه الفبركة المقدم في قوى الأمن الداخلي سوزان الحاج .
المقدم الحاج لا تزال موقوفة، والتحقيقات معها ومع عيتاني مستمرة، إلا أن هذا الملف – الفضيحة، طرح الكثير من التساؤلات، بدءا بفقدان الثقة بالأجهزة الأمنية ودرجة الانسياب الموجود داخلها، وصولا إلى حجم الملفات المفبركة من قبل الأجهزة، التي بدأ الحديث عنها لدى أكثر من شخص وجهة. علما ان الحديث عن فبركة ملفات طبع كل مرحلة الاحتلال السوري للبنان، وخصوصاً مرحلة ما بعد الطائف وهيمنة النظام الامني اللبناني السوري على كل مفاصل السياسة، وأبرز الملفات ما عرف في ذلك الوقت بمحاكمة العصر وسجن قائد القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع.
ضحية جديدة من ضحايا “القرصان – المخبر” لدى أمن الدولة ايلي غبش الذي يبدو أنه جاهز لتركيب الملفات “غب الطلب” ضد هذا أو ذاك من دون أن يرف جفن ضميره.
اسحاق دغيم، وهو عسكري متقاعد، هو ضحية جديدة من ضحايا تركيب وفبركة الملفات. دغيم تحدث لـIMLebanon عن معاناته بهذا الموضوع منذ توقيفه في 19 نيسان 2017 وخروجه من السجن في حزيران 2017 حتى اليوم، إثر اتصال شعبة المعلومات به منذ أيام وتأكيد براءته بعد اعتراف ايلي غبش بفبركة ملفه.
دغيم كشف لموقعنا أن خلافاً وقع بينه وبين والدة زوجة الضابط في الجيش اللبناني بشير غبش وهو شقيق القرصان ايلي غبش، فاتصل الرائد بشير غبش بدغيم وقام بتهديده، متوعدا اياي بالحجز على راتبه ورد تعويضه إلى المؤسسة العسكرية، طالبا منه الامتناع عن التحدث عن والدة زوجته سعاد دهمان ووالد زوجته جبرايل دهمان.
وقال دغيم: “تقدمت بادعاء لدى المحكمة العسكرية ضد النقيب غبش، إذ كان لا يزال في رتبة نقيب، فطُلبنا إلى الشرطة العسكرية في منطقة جبل لبنان – الفياضية حيث تم التحقيق معنا، فاعترف النقيب غبش بما قام به، واعتذر مني ووقع تعهدا بعدم التعرض الي امام قائد التحقيق في الشرطة العسكرية واعترافه بأنه قام بتهديدي”.
واشار دغيم إلى انه بعد ذلك لم تتوقف التحرشات بنا من قبل الرائد غبش ومن قبل أهله، الذين لم ينفكوا جميعا عن تهديدي بانهم “سيخربون بيتي” لأنني أجبرت الرائد غبش ان يمثل أمام التحقيق في الشرطة العسكرية.
بعد ثلاثة أشهر مما حصل، اعتُقلت من قبل دورية تابعة لجهاز أمن الدولة وتم اقتيادي إلى مركز الجديدة الملاصق لكاليري صقر التي تعمل به زوجة الرائد غبش، علما انها قبل ان اختلف معهم كانت تقول لي “شو ما بيصير معك بمنطقة جبل لبنان هيدا المركز كلّو بدو رضايي ورضا صرمايتي”.
تم توقيفي للمرة الأولى في هذا المركز، وسئلت عن سعاد الدهمان زوجة جبرايل الدهمان أي والدة زوجة الرائد غبش، وعن سبب تحدثي عنها بالسوء. وسئلت بعدها عما اذا كنت تقدمت بوظيفة معينة عبر الانترنت فجاوبت بـ”نعم”.
بعدها تمت احالتي إلى فرع الرملة البيضاء للتحقيق معي حيث تعرضت لضرب مبرح على ايدي عناصر أمن الدولة، (تكسير، ضرب خلع بالحيطان وغيره).
واضاف دغيم: “ان ايلي غبش هو مخبر لدى أمن الدولة، قام شقيقه بشير اي الرائد في الجيش اللبناني باستدعائه إلى منزله حيث يسكنون فوق بيتنا في برج حمود، فقام ايلي بقرصنة IP الانترنت الخاص بي، وزور ملفات وطلبات عمل خاصة بي تورطني بتهمة التعامل مع الموساد الاسرائيلي، وقام بتقديمها إلى مركز أمن الدولة، بينما عندما احيل ملفي الى فرع المعلومات ظهر انني تقدمت بطلب عمل إلى شركة أمن لبنانية”.
وتابع دغيم: “عندما قدموا ملفي الى مركز أمن الدولة في الجديدة، حيث كان هناك يجري التحقيق معي كل الوقت، أقفل المحقق الملف وطلب مني التوقيع على أقوالي التي مُنعت من الاطلاع عليها، وبعدها تم نقلي إلى وزارة الدفاع حيث تم توقيفي لمدة ستة ايام، حيث سئلت سؤال واحد عما اذا كنت تقدمت بطلب وظيفة عبر الانترنت؟ وبعد انتظار داتا الاتصالات، طلبوا مني التوقيع على محضر، وبعدها اودعت في “بوسطة بيضاء” وانزلوني إلى المحكمة العسكرية، حيث مثلت بعدها بنحو 4 ايام أمام قاضي التحقيق رياض ابو غيدا، الذي اطلع على ملفي وقام لاحقاً بالافراج عني بموجب اخلاء سبيل إلى حين صدور الحكم بحقي.
دغيم أشار في حديثه إلى شوائب عدة شابت مرحلة توقيفه، فهو أولا أوقف وتم التحقيق معه في مركز امن الدولة في الجديدة فقط الملاصق لعمل زوجة الرائد غبش علما ان ملفه يتطلب مثوله امام المركز الأساسي لأمن الدولة وليس في فرع صغير؟
ثانيا، والنقطة الأهم، يقول دغيم: “كيف استند التحقيق واتهامي، فقط على أساس الملف المزور الذي قدمه القرصان ايلي غبش وإغفال المسار الحقيقي الذي قمت به شخصيا على الانترنت عند تقديم الوظيفة، علما أن laptop الخاص بي كان بحوزة جهاز أمن الدولة كل الوقت”؟
كان تم تعيين جلسة لاسحقاق دغيم في 23 تشرين الأول لاصدار الحكم النهائي، إلا انه السبت الفائت اتصلت به شعبة المعلومات، مؤكدين براءته، وأبلغوه بان القرصان ايلي غبش اعترف بانه زور ملفه لالصاق به تهمة التعامل مع الموساد وبأن ايلي قرصن الـIP الخاص به وزور كل ملفه بناء على طلب من شقيقه في الجيش اللبناني.
واليوم، وبعد كل هذا الفلتان والتسيّب، السؤال، هل مصير المواطن اللبناني مرهون بفشة خلق “مخبر” أو ضابط معين في جهاز معين؟ وهل يجوز ان يبنى اي تحقيق وان تصدر الأحكام بناء على ملف “مخبر” فقط؟ ألا يجب ان يكون هناك تقنيات تؤكد الثبات من الحقيقة؟ ان ما يحصل اليوم، يتطلب عودة الدولة إلى الدولة، خصوصا أنه غدا وبعد غد يبدو أننا سنكون امام زياد عيتاني آخر واسحاق دغيم آخر.