Site icon IMLebanon

الوضع النفسي لكل من الناخب والمرشح…

كتبت ساسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”: 
محظوظ من يمرّ في ظروف اجتماعية خاصة في هذه المرحلة، فالانتخابات على الأبواب ويقوم المرشّحون بالواجب على أكمل وجه، مِن عزاء في الأحزان وتهنئة في الأفراح، كما تكثر الخدمات والهدايا بالإضافة إلى وسائل الدعم كافة. على الرغم من فقدان نديم الموجع لوالده، إلّا أنّه مرتاح نفسياً، فقد «وقف ع خاطرو» الجميع، ولم يتركه مرشّحو دائرته لثلاثة أيام، كما أنّ السندويشات والمرطبات كانت تنهال على الموجودين من أفخر المطاعم، ما جعله يشعر بالفخر والاعتزاز.

إلّا أنّ حال المرشّحين للنيابة تختلف بعد فوزهم بالمقاعد النيابية عمّا قبلها، وقلائل منهم يستمرّون بالتعاطي المباشر مع الشعب ويقدّمون لهم الدعم المطلوب. فما الذي يدفع بالإنسان للترشّح لمركز معيّن؟ لماذا يتهافت المرشّحون لخدمة الناس في هذه المرحلة؟ هل تلعب شخصية نائب المرحلة المستقبلية دوراً في الطموح للسلطة؟

لا شكّ في أنّ النواب هم واجهة الأمّة والناطقون بما يتعلّق بحياة الشعب الذي ينتخبهم كي يحقّقوا حاجاته ويحسنوا الشروط الحياتية له. لماذا هنالك ناخب ومُنتخَب؟ لماذا يطمح البعض إلى تولّي مراكز نيابية بينما يهتمّ آخرون بحملاتهم الانتخابية، بحمايتهم، وينفّذون أوامرَهم وتوجيهاتهم؟

الوضع النفسي للمرشّح

بشكل عام تظهر واضحةً لدى المُرشّح لمقعد نيابي رغبةٌ واضحة بالسلطة، وتتفاوت درجات هذه الرغبة وصولاً إلى جنون العظمة، حيث يرى بأنه محور الكون وكلِّ شيء من حوله، وهو يُسخّر كلّ شيء ممكن لتحقيق أهدافِه، فيستغلّ أحياناً المالَ العام والسلطة لخدمة غاياته.

يمرّ المرشّح بمرحلة قلق شديد وخوفٍ مِن غدر الآخرين به، فيعيش حذراً شِبه دائم من الغير قد يبلغ البارانويا، فتراه يثور بسرعة ويُضخّم الأمور بشكل مبالغ فيه؛ يدّعي الهدوء والمنطق، يتحوّل إلى شخص غير مرِح، متوتّر بشكل دائم، متصلّب يثير الخوفَ والرعب لدى الآخر، لا يشارك في المناسبات الاجتماعية إلّا إذا كان متميّزاً فيها ومحور اللقاء. بالإضافة إلى أنّه غالباً ما يُهمل حياته الخاصة، قد يقوم بالمستحيل لتحقيق ما يطلبه ناخبوه من خدمات، ويتفانى في تقديم الدعم المادي والمعنوي.

الوضع النفسي للناخب

في لبنان، يتعلق المواطن «بحبال الهوا»، هو في حال انتظارٍ دائم لمَن يدعمه ويوصل صوته للتخفيف من الضغوطات الحياتية؛ إلّا أنّه يَشعر بشيء من السلطة والقوّة في مرحلة الانتخابات النيابية، فالقرار بيده، لمرّة واحدة يطلب المرشّح رضاه.

من المواطنين من يجدّدون ثقتهم بمن يمثّلهم في هذا الموسم، حتى لو كان قد تعرّضَ للرفض في مراحل سابقة، ويمتلئ بالتفاؤل والأمل بوصول مرشّحِه إلى سدّة النيابة. ومنهم من فقَد ثقته بالسياسي بالكامل، لا بل بجميع السياسيين، فيعتكف ويحاول الجميع مراضاته لتغيير رأيه وكسبِ صوته.

مواصفات المرشّح

تلعب شخصية المرشّح وتصرّفاته دوراً مهمّاً في العملية، فهو عادةً، كي يمثّلَ الأمة لا بدّ من أن يتمتّع بكفاءات وقدرات يتفوّق بها على منافسيه. فمن سيتولى شؤون الناس عليه أن يكون مُلِمّاً بخفاياها، أن يتمتّع بشخصية مرنة، بقدرة على حلّ الأزمات وطاقة على تحمّلِ الضغوطات، كما أنّه يجب أن يتحلّى بملكة الإصغاء للآخر وسماع رأيه حتى لو كان مخالفاً لمعتقداته، ما يُختصَر بتقبّلِ الآخر بالرغم من اختلافاته.

أمّا في رأس هرمِ ميزات المرشّح لمركز نيابي فنجد الكاريزما ونعمة الاستيلاء على قلوب الناس، ما يَشمل الإيجابية في التعاطي، الابتسامة الدائمة، روح الفكاهة، التواضع، المظهر اللائق والحسن؛ بالإضافة إلى مواساة الآخرين وتقديره لوضعِهم الحالي.

كي يحصل المرشّح على ثقة الناخبين عليه أن يُصغّر حجم الهوّة بينه وبينهم، ليس فقط في مرحلة ما قبل الانتخاب، فسرعان ما تحلّ الدورة التالية، ويتقاضى نتيجة تصرّفاته، إذاً لا بدّ أن يكون الوصول إليه ممكناً في بعض الأحيان.

كما تلعب البيئة التي يتحدّر منها المرشح دوراً أساسياً، فهي تُقدّم له الدعم وتعطي الصورةَ المميّزة عنه.

في النهاية، شعرةٌ رفيعة تفصل بين السلطة والتسلّط لدى الإنسان، بين الثقة بالنفس والغرور والتعالي، بين تقدير الذات والنرجسية.