كتبت ناتالي اقليموس في صحيفة “الجمهورية”:
التثبيت، رفعُ أجرِ الساعة، إعطاء بدل نقل، دخول الضمان، الاعتراف بالدرجات السِت… لهذه الأسباب وغيرها من المعاناة تخلّى المعلّمون أمس عن مظاهر البهجة في عيد المعلّم، وانتفضوا مطالِبين بحقوقهم. أساتذة متعاقدون في الثانوي والأساسي والإجرائي والمستعان بهم، والمتعاقدون في التعليم المهني والتقني، والملحقون بكلّية التربية تداعوا من الجنوب، الشمال، بعلبك، البقاع، النبطية والجبل وبيروت ونفّذوا اعتصامات متتالية أمام وزارة التربية والتعليم العالي.
يومٌ استثنائيّ شهدته وزارة التربية والتعليم العالي أمس، إذ شكّلت ملجأَ الأساتذة الناقمين، المغبونين المظلومين، المحرومين، الذين نفّذوا، إضافةً إلى اعتصامات مطلبية، مسيراتٍ احتجاجية لمناسبة عيد المعلّم.
في التفاصيل…
منذ الصباح لم يَبدُ المشهد في محيط وزارة التربية روتينياً، إذ سَبقت التدابير الأمنية وفرقُ مكافحة الشغب انطلاقَ أيّ اعتصام للمعلّمين، وبدا الأمنُ ممسوكاً إلى أقصى الحدود، والقرار متّخَذ بمنعِ قطعِ الطرقات وتعطيلِ أشغال المواطنين. «مِش ممنوع تعَبّروا عن رأيكُن، يقول أحد الأمنيين بس هون»، وهو يشير بيُمناه إلى الوقوف في الساحة أمام وزارة التربية وليس في عرض الطريق، فيُبادره أحد المعلّمين وهو يستعدّ لرفعِ يافطته: «نِحنا مش داعش، نِحنا جماعة مظلومين، محرومين!».
متعاقدو “المهني والتقني”
“التثبيت حماية لنا”، «مِن حقّ المرأة الحامل احتسابُ ساعاتها»، «لا للتعاقد الجديد قبل إنصافنا». كان يكفي إلقاءُ نظرةٍ سريعة على الشعارات التي رَفعها متعاقدو التعليم المهني والتقني لمعرفة طبيعة مطالب 14 ألف أستاذ متقاعد في المهني.
في هذا السياق تتحدّث ماري جو فرنجية من مهنية زغرتا لـ«الجمهورية» مستعرضةً معاناتهم: «منذ نحو 17 عاماً ونحن نكابر على وجعِنا، فيما حقوقُنا تُقضَم شيئاً فشيئاً، لا نستفيد من ضمان ولا بدل نقل، ولا راتب تقاعُد، والأسوأ من ذلك، إذا غابَ الطلّاب لا نتقاضى أجرَ الساعة، وكأنّنا رهينة في أيديهم، إلى هذا الحد ليس لدينا قيمة. وفي الحقيقة الأستاذ في المهني مسؤوليتُه مضاعفة، فهو لا يُدرّس فقط إنّما يربّي الأملَ لدى طلّابه».
وتضيف: «وعَدنا الوزير حمادة بأنّه سيحاول مساعدتنا لنتقاضى مرّتين في السَنة نظراً إلى أنّنا نتقاضى سنوياً مرّة واحدة، تحديداً في تشرين الأوّل»، داعيةً زملاءَها إلى التحرّك: «نحن 14 ألف متقاعد مغبون، لو تحرّكنا موحّدين دفعةً واحدة سنحقّق المستحيل». وتُقاطِعها زميلتُها قائلة: «حِرصاً على مستقبل طلّابنا لم نعتصم في يوم التدريس إنّما في موعد عطلتنا وعيدنا».
وتلا رئيسُ لجنة المتعاقدين وليد نمير بياناً باسمِ المعتصمين، طالبَ فيه المسؤولين: «بالعمل على إقرار قانون للتثبيت ينصِفهم من دون الوقوف عند شرط السنّ مع مباراة محصورة وعلامات ترجيحية لسنوات الخدمة، وأن يكون بمادة اختصاص يدرّسها الأستاذ». وطالب حمادة «بإنصافهم ومعايدتِهم بإقرار القبضِ الفصلي والضمان الاختياري ليس الإجباري».
متعاقدو “الأساسي”
معاناة متعاقِدي التعليم الأساسي الذين يبلغ عددهم 13 ألف معلّم، لا تقلّ عن وجَع متعاقدي المهني، إذ بدورهم اعتصَموا مصطحِبين أولادَهم أمام وزارة التربية، رافعين الصوت.
في هذا السياق، تقول منى خضر رئيسة لجنة المتعاقدين في الأساسي لـ«الجمهورية»: «المتعاقدون هم من يغذّون بنك الأسئلة في الامتحانات الرسمية، والمتعاقدون يشاركون في التصحيح من الثامنة صباحاً حتى الخامسة عصراً، والطلّاب يتفوَّقون في التعليم الرسمي تحديداً بفضلِ المتعاقدين، وفي نهاية المطاف يتحجّجون بأنّنا متعاقدون لا نملك كفاءةً وعلينا الخضوع للامتحان». وتضيف بنبرةٍ غاضبة: «يقتلوننا مادّياً ومعنوياً ويتلطّون بالحيلِ القانونية لرميِنا في الشارع، لسنا ضدّ إدخال دمٍ جديد إلى التعليم ولكن لا بدّ من تقدير خبرتِنا».
وفي بيانٍ للمتعاقدين طالبوا بـ«تثبيتٍ منصِف لجميع المتعاقدين لملءِ الشغور في التعليم الرسمي الأساسي يَشمل مَن تخطّى السنّ القانونية وخرّجي كلّية التربية، وبدفعِ مستحقّات المتعاقدين عند نهاية كلّ فصل، وإنهاءِ مأساة تأمين الاعتمادات المالية التي تتكرّر نتيجة عدم إقرار قانون الموازنة، وبالعمل على ضمانِ المتعاقد المحروم من تقديمات صندوق الضمان الاجتماعي، وإعطائه بدلَ نقل».
متعاقدو “الثانوي”
بدورهم، إعتصَم المتعاقدون في التعليم الثانوي جنباً إلى جنب مع «الأساسي»، وقد أعرَب حمزة منصور رئيس لجنة المتعاقدين باسمِ المعتصمين عن نقمتِهم، «نحن من نُخرّج الطبيبَ، والضابط، والقاضي، والمدرّس، نحن من نُخرّج الأوائل، وها نحن في الشارع نطالب بأبسط حقوقنا».
وقال لـ«الجمهورية»: جلُّ ما نطلبه تثبيتُنا، ولن ننسى الذين تجاوزوا سنّ الـ 44 الذين لم يعُد يحقّ لهم التقدّم للمباراة، بعكس الذين لم يتجاوزوه، الذين يستطيعون وسيفعلون ذلك، إذا ما أقرّت السلطة مباراة». وتابع: «مِن حقّ الذين تجاوزوا السنّ التثبيتُ الفوري ومن دون أيةِ مباراة اعترافاً بتضحياتهم التي طالت عقوداً».
وعلى وقعِ الهتافات والمناشدات، خرَج حمادة من مكتبه في الطابق الـ 15 من الوزارة، ولاقى المعتصِمين قائلاً: «التعليم المهني والتقني هو المظلوم الأكبر ولا يزال في هذه الجمهورية، إستطعتُ أن أحضّر مشروع قانون وسيُحال على المجلس النيابي، ولكن لا تنسوا أنّ أمامنا شهرين من عقدِ هذا المجلس، وسأحاول مع الرئيس برّي، أن تكون الجلسات التي تسبق الموازنة أو تُلازمها حتى 20 أيار، أن نمرّر القوانين الملِحّة ومنها قانون تثبيت المتعاقدين مع إعطاء سنّ الخبرة».
وأضاف: «بالنسبة إلى التعليم الرسمي الأساسي، هناك قانون وضَعتُه أمام مجلس النواب وإذا لم يقرّه مجلس الوزراء فسأتحدّث مع زملائي لإقراره باقتراح قانون معجّل مكرّر بالاتّفاق مع الرئيس بري وسنضعه في رأس جدول الأعمال».
ملحَقو كلّية التربية
وظهراً اعتصَم الأساتذة المتمرّنون لوظيفة أستاذ تعليم ثانوي في كلّية التربية، مطالبين «بحقّهم في الدرجات السِت أسوةً بزملائهم في التعليم الثانوي، مؤكّدين «استمرارَهم في تحرّكِهم في حال صمتِ المعنيين». بعدما كانوا قد اعتصَموا في ساحة رياض الصلح وتعذَّر عليهم الاجتماع برئيس الحكومة سعد الحريري. في هذا السياق، تحدّثت المعلّمة راويا حسين لـ«الجمهورية»: «جئنا نطالب بحقّنا في الدرجات السِت، عوَضاً من الاحتفال في عيد المعلّم. للأسف، كلّ المطالعات القانونية أثبتت حقّنا بالدرجات السِت من دون جدوى على أرض الواقع. عددُنا ألفان و174 أستاذاً، وللأسف توفّي منّا 5 أساتذة».
وألقى رئيس اللجنة وسيم نصّار بياناً باسمِ المعتصمين، قائلاً: «جئنا وتجمّعنا تبعاً لوعد رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير التربية مروان حمادة بأنّ ملفّنا سيكون على طاولة أوّلِ جلسةٍ لمجلس الوزراء تمهيداً لحلّه، ومرّت الجلسات وما زلنا بالانتظار مع أمل طرحِه في الجلسة المقبلة…فأين أصبح الوعد؟».
حمادة يُعايد المعلّمين
وكان حمادة قد وجَّه معايدةً إلى المعلمين، متمنّياً لهم «دوام الصحّة والعطاء»، واعداً إيّاهم «بمتابعة مطالبِهم وقضاياهم، كما كان قد ناضَل معهم ونجَح في إقرار السلسلة». وقال: «يؤلمني أن يأتيَ عيد المعلّم وأن يكون كثرٌ مِن المعلمين والمتعاقدين في الشارع يطالبون بحقّهم في الدخول إلى الملاك وفي تحسين أجرِ ساعةِ التعاقد أو الحصول على الضمان الصحّي والاجتماعي، أو يطالبون بدرجات يستحقّونها، أو غير ذلك»، وأضاف: «حقوقكم في العيش الكريم مقدّسة، وإذا كانت تستوجب إقرارَ مراسيم وقوانين لتثبيتِها واستمرارها، فإنّ المشاريع والاقتراحات هي بين أيدي المؤسسات الدستورية»، معتبراً «أنّ التركيز في هذه المرحلة العصيبة ماليّاً وحياتياً، يجب أن ينصبَّ على الامتحانات الرسمية وإنجاز العام الدراسي».