كتب نيكولاس كريستوف في صحيفة “نيويورك تايمز”:
هذا أمر عظيم: قَبِلَ الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعوة كيم جونغ أون لحضور قمّة تجمعهما. ولكنّني أعتقد أنّ هذه القمّة مقامرة خطيرة وفكرة سيّئة.
أنا لا أصدّق ما أقول. لسنوات عدّة، وخلال عدّة رحلات إلى كوريا الشمالية، كنتُ أطالب بإجراء محادثات مباشرة بين الولايات المتّحدة وكوريا الشمالية. ومن الأفضل أنّ يتمّ إشراك كوريا الشمالية في المحادثات بدلاً من ضربها.فإذا كان الخيار ينحصر بين محادثة وصواريخ، فإنني بالطبع سأختار المحادثة.
ولكنّ الطريقة الصحيحة لعقد قمّة هي من خلال تحضير دقيق للتأكّد من أنّ الاجتماع يروّج للسلام، ومن أنّه يخدم طبعاً هدفاً أعلى من مجرّد جعل نظام كيم شرعيّاً.
إنّ كيم وترامب رجلان استعراضيّان، ولديهما ميل للدراما والمفاجأة. وهذا ما يجعل الاجتماع مثيراً، ولكن قد يشكّل مخاطر كبيرة إذا لم تَسِر الأمور على ما يرام.
منذ سنوات، يتوق قادة كوريا الشمالية للاحترام والمصداقية الدوليين. يريدون من الأميركيين أن يعاملوهم على أساس أنّهم متساوون. لذا، فإنّ مشهداً يجمع ترامب وكيم واقفين جنباً إلى جنب سيعتبر وحده انتصاراً لبيونغ يانغ. لطالما سعى الكوريون الشماليون إلى إقامة علاقات مباشرة مع كبار المسؤولين الأميركيين، ونجحوا في تحقيق ذلك في الماضي عندما استقدموا بعض الأميركيين (مثل بيل كلينتون بعد أن ترك منصبه) كشرط لتحرير المواطنين الأميركيين المحتجزين لديهم.
إذاً، ستشكّل زيارة رئيس حالي أميركي إلى كوريا الشمالية هديّة ضخمة لكيم، ومن الغريب أن يتخلّى «صانع صفقاتنا العظيم» عن الكثير بأسرع ممّا نظنّ. ومن المريب تماماً أن ينتقل ترامب من التهديد في أيلول بـ«تدمير كوريا الشمالية كلّيّاً»، وبعد ذلك، أن يقول إنّ زرّه النووي أكبر من زرّ كيم، ليخطّط لاجتماع قمّة مسالم. إنّ الإجراء الأكثر طبيعية هو أن نتفاوض أوّلاً بطريقنا نحو القمّة وأن نتأكّد من انتزاع كلّ التنازلات الممكنة، وثانياً، أن نتأكّد من أنّ القمة هي بخدمة أهداف أكبر لحلّ الأزمة النووية.
وهذا يعني إرسال دبلوماسيين إلى بيونغ يانغ أوّلاً لتمهيد الأسس وبحث نوعية الاتفاق الذي يمكن التوصّل إليه، وبالطبع، للفوز بالإفراج عن المعتقلين الأميركيين الثلاثة في كوريا الشمالية. أي إرسال مستشار الأمن القومي الأميركي هربرت ماكماستر، أو مدير الـCIA مايك بومبيو. (كما يمكن إرسال وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ولكنّ الكوريين الشماليين سخروا منه أمامي قائلين إنّه ليس لاعباً فاعلاً في واشنطن).
سيقوم خبراء مختارون من قبل الفريقين بالتحضير للقمّة في الأشهر المقبلة من أجل التوصّل إلى النتائج المرجوّة. ولكن من خلال الالتزام بالقيام بالزيارة مع حلول شهر أيّار، تخلّى ترامب عن قوة التأثير والمساومة. فهو بالنهاية سيزور كوريا الشمالية، وهذا أمر يريده الكوريون الشماليون بشدة.
وبصراحة، هناك مخاوف أخرى بشأن القمة بين ترامب وكيم، وهي أنّ رئيسنا سيوافق بتهوّر على خطة وضعت باستهتار ليحصل على صفقة. (ومن الممكن أن يقترح مثلاً: «سحب القوات الأميركية من كوريا الجنوبية ومن أوكيناوا؟ لا مشكلة، إذا أنشأتم حائطاً لي»).
وغالباً ما تَسرَّع ترامب في الالتزام ببعض الأمور خلال اجتماعات واشنطن، ليوضح مساعدوه لاحقاً أنّه لم يقصد ما قاله، ولكنّ الأمر سيكون أكثر تعقيداً في حال صرّح ترامب عن التزام غير مقصود أو أحمق تجاه كوريا الشمالية. لقد رأينا في مسألة فرض الرسوم على الصلب والألومنيوم، أنّ الرئيس الأميركي لا يتبع دائماً نصيحة مساعديه أو يبدو أنّه لا يفكّر مليّاً بتصرّفاته، ومشكلة كوريا الشمالية هي مشكلة أكثر تحدّياً.
بالنسبة إلى ترامب، سيسمح إعلانه هذا، الذي اعتَبَرهُ مفيداً من ناحية ثانية، لأنه يغيّر موضوع العناوين الرئيسية بعيداً من فضيحته مع الممثلة الإباحية، والتحقيق في مسألة روسيا. ولربّما كان قد فكّر مليّاً بشأن هذه القمة، أو انه يريد تغيير الموضوع فحسب.
ويتوجّب علينا أيضاً طمأنة حلفائنا وشركائنا في آسيا، ولا سيّما كوريا الجنوبية واليابان، بأنّنا لن نتخلّى عنهم فجأةً بسبب صفقة مع كوريا الشمالية. يجب على ترامب أن يدرجهم في المناقشات والتخطيط.
مع ذلك، فإنّ ما يدعو الى التفاؤل يكمن في أنّ رئيس كوريا الشمالية قد بعث هذه الدعوة للرئيس الأميركي، وأنّه لا يعترض على استئناف المناورات العسكرية الأميركية، وأنّه يتحدّث، على ما يبدو، عن تعليق التجارب الصاروخية والنووية. والأمر الأخير والأهمّ هو التالي: إذا قام بتعليق التجارب، فقد يكون هناك فرصة لعقد اتفاق.
ومن شأن هذا الاتفاق أن يتطلّب تخلّي كوريا الشمالية عن برنامجها النووي (وإيقاف كل تجاربها) مقابل إنهاء العقوبات وتطبيع العلاقات، بالإضافة إلى التزامات من كوريا الشمالية بشأن حقوق الإنسان.
وهنا يُطرح سؤال بديهي: هل سيعود الفضل الى ترامب لأنه دفع الكوريين الشماليين الى تقديم التنازلات، كتعليق التجارب النووية؟
أعتقد أنّ الجواب هو أنّ ترامب ربّما يستحقّ أن ينال الفضل من ناحيتين:
من الناحية الأولى، زاد ترامب الضغوط الاقتصادية على كوريا الشمالية بفرض عقوبات إضافية وبدعم إضافي من الصين، وبَدت المعاناة واضحة عندما زرتُ كوريا الشمالية في أيلول. لقد حاول كيم أن يجعل ارتفاع مستويات المعيشة سِمة رئاسته، إلّا أنّ العقوبات قد هدّدت ركيزة شرعيته.
ومن الناحية الثانية، إنّ حديث ترامب حول شنّ ضربات عسكرية قد زعزع ربّما كوريا الشمالية، ولكنّه بالتأكيد أرعَب كوريا الجنوبية. فكانت النتيجة تَواصُل كوريا الجنوبية الدبلوماسي والذكي مع كوريا الشمالية، الذي أدّى إلى وعد كوريا الشمالية بتعليق التجارب النووية.
لذا، إمنحوا مقاربة ترامب بعض الفضل. لكن يبقى هناك الكثير من الأسباب للشكّ في نتيجة هذه القمة. لم يربح أحد المال أبداً من المراهنة على الاعتدال الكوري الشمالي، وقد يكون لـ كيم أفكار غير واقعية حول ما ستوافق عليه الولايات المتحدة، إذا اعتقدَ أنّ ترامب سيوافق على سحب القوات الأميركية من شبه جزيرة كوريا، عندئذ ستفشل القمّة.
ما زلنا نجهل توقّعات كيم، وقد يؤدي فشل القمة إلى تصعيد جديد بين الفريقين، ممّا يتركنا في مكان أسوأ من حيث بدأنا. لا تزال هناك تكهنات بين الخبراء بأنّ كيم يود إجراء اختبار نووي في الغلاف الجوي لإثبات أنّ لديه برامج صاروخية ونووية فعّالة كما يقول، ويمكن للمرء أن يتخيّله في أعقاب قمة فاشلة بمثل هذا الاختبار الجوي.
ومع كل الشكوك، يمكن للمرء الآن أن يتصوّر طريقاً مستقبلياً مشتركاً بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. إنّه طريق مشوّق ولكن قد يكون مسدوداً وعلى حافة الهاوية. كنتُ أتمنى لو أنّ الطريق بدأ بمناقشات مطوّلة على مستوى مستشاري الأمن القومي، ومن ثم تأتي القمة، ولكنّه يدلّ على الأقلّ إلى اعتراف من كلا الجانبين بأنّ الطريق إلى الأمام يكمن في المحادثات بدلاً من الدبّابات.