كتبت ميسم رزق في صحيفة “الأخبار”:
حملَت ترشيحات تيار المُستقبل تغييراتٍ عدة مع إدخال وجوه جديدة إليها. وحرص الرئيس سعد الحريري على الإعلان عنها في احتفال حاشد في واجهة بيروت البحرية ليؤكّد إمساكه بزمام المبادرة في بيئته.
كأنّ كل السُبل ضاقَت بالرئيس سعد الحريري، ولم يبقَ أمامه ــ وفق منطِق الأساطير ــ إلا «الخرزة الزرقاء» كي يحمي بها لبنان من «قوى الشرّ» التي تتربّص به. فجأة ظهَر تيار المُستقبل العلماني العابر للطوائف أسير خرافات الماضي، فلم يجِد سوى هذا الرمز ليستخدمه شِعاراً لحملته الانتخابية التي بشرّت بوعود يعلَم هو جيداً، وكل من تابعه، أمس، أن جزءاً كبيراً منها بعيد المنال.
وحينَ يخرُج المرشّح جورج بكاسيني للقول بأن إحدى نقاط البرنامج السياسي لتيار المستقبل «رفض التدخّل في شؤون الدول العربية»، ويعود ليختتمه بالتضامن مع «الشعب السوري الشقيق ودعمه لخياراته السياسية»، يُمكن إدراك أن أغلب ما نصّ عليه هذا البرنامج الرباعي الأبعاد، هو غير قابل للتحقّق.
في المُحصّلة، يريد تيار المُستقبل أن يبيع لجمهوره «كلاماً» يأتي إليه بحاصل انتخابي، لا أكثر ولا أقل. الدليل أن خطاب إعلان أسماء المرشحين تضمن «بروباغندا» تعود إلى زمن ما قبل التسوية. زمن الوقوف في وجه «السلاح غير الشرعي وحصرية السلاح في يد الدولة”. زمن «المحكمة الدولية وملاحقة المتهمين واعتبار الأحكام التي ستصدُر عنها مُلزمة للدولة اللبنانية». وهو بالمناسبة خطاب يحفّز الجمهور الأزرق، الذي حثّه الحريري أمس على التصويت لمرشحي لوائح المستقبل، من خلال مساواة نفسه بكل مرشّح «فمن صوّت لمرشّح مُستقبلي كأنه صوّت لسعد الحريري والشهيد رفيق الحريري».
صحيح أن خطاب تيار المُستقبل الانتخابي لم يختلِف عن خطاب السنوات الماضية. إلا أن الأسماء المرشّحة على لوائحه حملت تغييراً كبيراً. فمن أصل 38 مرشّحاً للانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في السادس من أيار المقبل، ظهر 23 وجهاً جديداً معظمهم لم يكُن معروفاً حتى في أوساط المُستقبليين. الرسالة واضحة: التحرر من بعض «الثقالات» الموروثة قدر الإمكان، والاستعانة بوجوه شبابية ستكون محسوبة عليه بالكامل، «فقد انتهى، إلى حد كبير، زمن تسديد الفواتير ولا بد من تغيير ينمّ عن خيارات محسوبة ونضوج سياسي محفوف بكثير من حسن الاختيار وبعد النظر من جانب الحريري» يقول المقربون منه.
ويعكس التمعّن بالأسماء الخلفيات التي دفعت رئيس الحكومة الى إسقاطها على لوائحه:
أولاً، نحن أمام تغيير جوهري بنيوي طال كل من عارض خيارات سعد الحريري في الفترة الماضية. فقد ظهر واضحاً اختياره أسماء مطواعة إلى حد كبير، يصعب عليها أن توسّع هوامشها وتتحول إلى حيثيات مستقلّة، كما فعل الرئيس فؤاد السنيورة أو أشرف ريفي أو خالد الضاهر أو حتى أحمد فتفت، على سبيل المثال لا الحصر.
ثانياً، استعان الحريري خصوصاً في دوائر الشمال وبيروت بوجوه شبابية أقرب ما تكون إلى مسمى «المجتمع المدني»، وهو يلحظ في ذلك تفادي تكرار تجربة الانتخابات البلدية الأخيرة في طرابلس، عندما تمكن أشرف ريفي من هزيمة تحالف عريض ضم الحريري ونجيب ميقاتي ومحمد الصفدي معاً، وكذلك تجربة «بيروت مدينتي» التي حصدت نسبة عالية من الأصوات في العاصمة، برغم التحالف السياسي العريض الذي واجهته (كل قوى 8 و14 آذار).
ثالثاً، قسّم الحريري المُرشحين بين أسماء قوية وأسماء «كومبارس». الأصل هو رفع الحاصل ولو كان الثمن خسارة محسوبة لنحو دزينة من مرشحي تيار المستقبل على الأقل، في الانتخابات. فاختيار العميد علي الشاعر مثلاً في دائرة بيروت الثانية (عن أحد مقعديها الشيعيين)، من شأنه رفع حاصل اللائحة من خلال رفدها بأصوات بعض ناخبي القرى السبع، ولو أن فوز الشاعر من سابع المستحيلات. يسري ذلك على مرشحين آخرين في دوائر أخرى.
رابعاً، كل التقديرات تشي بأن الحريري عاد من زيارته الأخيرة للسعودية، مرتاحاً إلى مستقبل أوضاعه المالية، سواء لفوزه بمشروع جديد يقدر بما يزيد على نصف مليار دولار وكذلك تلقيه وعداً سعودياً بتسوية أوضاع موظفي «سعودي أوجيه»، إلا أن الأهم من ذلك هو الوعد بدعم معركته الانتخابية، لكن الحريري الذي لا يريد أن يلدغ من جحر مرتين، وجد نفسه مضطراً إلى بناء شراكات يمكن أن يستثمرها مادياً في الانتخابات، فكان أن اختار رجال أعمال سيكونون شركاء في التمويل، على صورة نزار دلول في البقاع وعثمان علم الدين في الشمال ونزيه نجم في بيروت، على سبيل المثال لا الحصر.
خامساً، انضمام «خلية يسارية نائمة» إلى لائحة المرشحين، تضم وجوهاً لطالما كانت أدبياتها التاريخية تناقض مشروع الحريرية السياسية، ومن أبرز وجوه «الخلية» أمين وهبي ونعمة محفوض وحسن شمس الدين وبكر الحجيري!
سادساً، لم يمتثل الحريري لسطوة العائلات ولا لعديد ناخبيها، بدليل مخالفته إرادتها في اختيار الأسماء، وتحديداً في دائرة بيروت الثانية، من دون أن يعرف صدى الترشيحات في البنية التنظيمية للتيار الأزرق التي اهتزت في المنية وبدت مرتبكة في التعامل مع الأسماء في أكثر من منسقية.
سابعاً، التخلي عن مجموعة من الوجوه التي ورثها من فريق والده مثل: فؤاد السنيورة، فريد مكاري (بإرادته)، عاطف مجدلاني، عمار حوري، رياض رحال، خالد زهرمان، خالد الضاهر، جان أوغاسابيان، جمال الجراح، أحمد فتفت، نبيل دي فريج ومحمد قباني.
ثامناً، بعد ثمانية عشر عاماً على اللائحة التي كان عرابها رئيس فرع الأمن السوري في الشمال محمد مفلح (انشق لاحقاً عن النظام وقتل قبل ست سنوات) وشملت كلاً من وجيه البعريني وطلال المرعبي وفوزي حبيش، لم يجد سعد الحريري ضيراً في استيعاب ورثتهم، فألحق بلوائحه كلاً من وليد وجيه البعريني وطارق طلال المرعبي وهادي فوزي حبيش.
تاسعاً، أعطى الحريري للمرأة حقها في الترشح، بتقديم أربعة وجوه نسائية، بينهن ثلاثة وجوه جديدة (رلى الطبش جارودي، ديما جمالي وليلى شحود)، بالإضافة إلى عمته بهية الحريري، وهو رقم متقدم، استناداً إلى باقي اللوائح المعلنة حتى الآن…
عاشراً، حاول الحريري أن يقدم تياره عابراً للطوائف والمناطق، وبالإضافة إلى 25 مرشحاً سنياً (ترك مقعدين في الشوف وحاصبيا ــ مرجعيون بلا مرشحين)، قدم 4 مرشحين شيعة ومرشحَين علويين و7 مسيحيين، تاركاً الباب مفتوحاً أمام احتمال تبني مرشحين آخرين بصورة غير رسمية، مثل نقولا غصن في الكورة وهنري شديد في البقاع الغربي وأحد المرشحين في حاصبيا ــ مرجعيون ومرشح أو أكثر في بيروت الأولى، من دون أن يقترب نهائياً من المقاعد الدرزية، في تقليد ورثه من زمن والده رفيق الحريري.