كتبت رلى إبراهيم في صحيفة “الأخبار”:
وقف «زعيم المعارضة» النائب سامي الجميل خلال إطلاق برنامجه الانتخابي يوم أمس وحيداً، محاطاً بالموالين له من كل زاوية. من قدم حزبه طوال العام الماضي كحزب إصلاحي ينبض تغييراً، فشل في استقطاب وجه إصلاحي واحد لمساندته في كل دائرة.
لا يمكن للصورة أن تكذب مهما حاول رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل تجميلها. كان بوسعه في الأشهر القليلة الماضية التحايل على الرأي العام، بالاستعراض وتوسيع المسرح ليطغى على الحضور. ولا ضير هنا من «الصريخ» والمزيد من «الصريخ» لإضفاء الجاذبية على الدور الذي قرر لعبه أخيراً كمعارض للسلطة.
لكن مجدداً، الصورة تفضح، وقد كانت غاية في الوضوح يوم أمس خلال حفل إطلاق البرنامج الانتخابي: «في عام 1975، تم عزل الكتائب، ولكن في عام 2018، سامي عزل حزبه»، يقول أحد المراقبين. فمن يقدم نفسه كرأس حربة معارضة السلطة السياسية وما تمثله، ومن قرر الانخراط في عالم «المجتمع المدني» ومساندته في قضاياه، لم يجد ثلاثة من «المعارضين» أو ولا من «المجتمع المدني» ليجلسهم في الصفوف الأمامية ولو لتزيين الكادر. وها هو يعيد فرز وجوه سلطته القديمة، شخصيات أكل الدرب عليها وشرب، وأخرى بمثابة عبء على نفسها، فكيف على من قرر تبنيها؟ أين أصدقاء الحزب؟ أين حلفاؤه؟ أين الفاعليات السياسية التي لطالما ساندت حزب الكتائب؟ أين النقابيون ورؤساء البلديات والمديرون العامون والمستقلون الذين باستطاعتهم مساندة الكتائب في «نبض التغيير»؟ أين المجموعات المدنية التي اشترطت على الجميل الخروج من الحكومة للتحالف معه؟ غاب هؤلاء أمس، ووقف «زعيم المعارضة» محاطاً بالموالين له. فالحزب الذي لطالما مثّل السلطة في كل العهود، لم ينجح في الانتقال الى الضفة الأخرى. لا بل يقف اليوم عاجزاً عن العودة الى السلطة بعد تكبير حجر «المعارضة» من جهة، ورفض الأحزاب السياسية من جهة أخرى تلبية رغبته بنفخ حجمه، وعاجزاً عن كسب ثقة المعارضة التي لم تعد «تقبضه» جدياً. فبعدما راهن هؤلاء على تغيير جذري في سياسة الكتائب، وخصوصاً مع استبدال زوار بيت الكتائب «السلطويين» بشربل نحاس والحزب الشيوعي ومجموعة «بدنا نحاسب» وغيرهم، غافلهم «الشيخ» بالسفر على عجل الى السعودية. فما كان منهم إلا سحب يدهم من يده سريعاً. لم يتبقّ له سوى من قرر ملء المقاعد بهم من نواب الحزب الى وزرائه السابقين ومستشاريه الى رئيس الحزب السابق أمين الجميل. وكان لا بد من تطعيم الحضور بطلّة رئيس «التيار الشيعي الحر» الشيخ محمد الحاج حسن ومستشار رئيس الجمهورية السابق بشارة خيرالله ورجل الأعمال المتنقل حسب المصلحة ما بين تيار المستقبل وأشرف ريفي، خالد ممتاز والنائب السابق في تيار المردة الذي يلبس اليوم البزة المدنية قيصر معوض. والواضح أن الجميل الابن عجز عن لمّ شمل المزاج المعارض في الدوائر أو جمع الشخصيات التي يمكنها التأثير في دائرة المستائين أو الذين يتقاطع معهم على خطوط إصلاحية، لينتهي جمهور المهرجان بالكتائبيين الصرف. حتى المرشحون الذين انتظر الرأي العام الإعلان عنهم، كانوا نواب الحزب الحاليين أنفسهم، باستثناء النائب فادي الهبر الذي كان قد أبلغ الكتائب بنفسه أنه لن يترشح في حال فشل التحالف بين الحزب والنائب وليد جنبلاط. أما باقي المرشحين، فقد تمت تسميتهم على طريقة حزب «سبعة»، مرشح في كل دائرة ولو كانت حظوظهم معدومة بالنجاح أو بالركوب على أي لائحة.
الاستراتيجية المعتمدة على ما يقول أحد مسؤولي الكتائب هي «أولاً استطلاع رأي القاعدة الكتائبية وإجراء مشاورات مع الفاعليات ثم إنجاز استطلاعات رأي في المنطقة ليتم عرض النتيجة أخيراً على المكتب السياسي الذي يأخذها بعين الاعتبار الى جانب وضع المنطقة وحظوظ المعركة، ليبتّ الترشيحات على هذا الأساس». كلام المسؤول الكتائبي يتناقض ووضع المرشحين المفترضين على لوائح الحزب، وإلا ما الذي يفسر إعادة ترشيح النواب الذين فشلوا تشريعياً وشعبياً؟ وماذا يبرر استبدال المرشحين الأقوياء بآخرين بلا حيثية؟ إذ كان يفترض في الأساس أن يكون قائد القوات السابق فؤاد أبو ناضر هو المرشح في المتن الشمالي الى جانب النائب سامي الجميل، قبل أن يعدل عن الترشح لرغبة سامي في عدم ترشيح ماروني على ما تقول المعلومات، لينتهي الأمر بترشيحه صديقه السابق في «لبناننا» عضو المكتب السياسي الياس حنكش الذي يثق بأنه لن يأخذ أصواتاً تفضيلية من دربه كأبو ناضر. فيما آثر في بعبدا «لبنانوياً» آخر يدعى رمزي بوخالد على حساب أحد الناشطين على الأرض أمثال رئيس بلدية ترشيش السابق غابي سمعان.
ما سبق في كفة، وفضيحة الكتائب المدوية في كفة أخرى. يعتلي الفتى الكتائبي المسارح متوعداً السلطة وأركانها ويذهب إلى التحالف مع أحد ممثليها في اليوم التالي. فلما فشلت بكفيا في استقطاب المستقلين، رأت نفسها مضطرة الى الحفاظ على بعض مكتسباتها بالتحالف مع حزب القوات والوزير ميشال فرعون في دائرة بيروت الأولى؛ على أن يتكرر المشهد عينه في زحلة مع انضمام النائب إيلي ماروني الى لائحة القوات بحسب مصادر كتائبية. يبرر المسؤول نفسه هذا «الانفصام» بالقول إن «الأولوية للتحالف مع المجتمع المدني والمستقلين. ولكن في بيروت وزحلة، لم نتمكن من نسج تحالف مماثل، ونظراً إلى حيثية هذه المناطق تركنا للمرشحين هامش التحرك، على ألا يتعارض مع ثوابت الحزب. والقوات الأقرب إلينا خصوصاً من ناحية عدم انخراطها بالفساد، رغم اختلافنا معها على مواضيع أساسية». وغاب عن بال المسؤول أن سامي الجميل هو الذي تحدث ضمنياً منذ ثلاثة أشهر عن «فساد القوات» التي تحتل اليوم منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزارات الصحة والشؤون الاجتماعية والإعلام بالقول إن «جعجع شارك في الصفقات وخذل الناس»؛ وفي حديث آخر أن «اتفاق التيار الوطني الحر والقوات قام على المحاصصة وقد اختلفوا عليها».
أما في إعلان البرنامج الانتخابي، فحدّث ولا حرج عن 131 مشروعاً! الحزب الذي لم ينجح نوابه في إقرار خمسة مشاريع لا أكثر (رغم أنه كان شريكاً في الحكومة لسنوات)، يعد الناخبين اليوم بـ 131 مشروعاً. وقمة «الانفصام» عندما يقف أبو ناضر بكل ثقة، طالباً من الناس التصويت للحزب ولبرنامجه ومحاسبة نوابه بعد 4 سنوات، على اعتبار أن هؤلاء لم يناموا في المجلس لتسعة أعوام متتالية! فالكتائب وفي انشغاله بالتصويب على ثُغَر خصومه وقع في ثُغرة عدم قدرته على إنتاج برنامج واضح قابل للتحقيق أو تشكيل جبهة معارضة حقيقية. وحتى يخفي ثُغَره، لجأ الجميل الى «التمثيل على المسرح، فيما الرأي العام لا يريد مسارح وممثلين، بل مواقف صادقة». في الماضي، دأب بيار الجميل الجدّ على إقامة مهرجانه الانتخابي على الرمل، وكان يحقق فوزاً ساحقاً في الانتخابات، فيما حفيده اليوم يصرف آلاف الدولارات على مسرح، ولا يمكنه ضمان فوز مرشّح كتائبي غيره، وربما ابن عمه نديم الجميل.