كتب سامي عطالله وزينة الحلو في صحيفة “الأخبار”:
قام المركز اللبناني للدراسات، بدعم من «مؤسسة كونراد آديناور»، بإجراء مقابلات مع ممثلين رسميين عن الأحزاب تولّوا إدارة ماكينات انتخابية، وكذلك ما يعرف بالمفاتيح الانتخابية، للتعرّف بشكل أفضل إلى الطرق المتّبعة لإقناع الناخبين وتعبئتهم.
المفاتيح الانتخابية عنصر حيوي في أي حملة انتخابية إذ تنطوي مهمتهم على تحديد ورصد انتماء الناخبين، والحرص على قيامهم بالإدلاء بأصواتهم، والتأكد من أنّهم أدلوا بتلك الأصوات لصالح حزبهم أو زعيمهم السياسي. لكن يبدو أنّ طبيعة المفاتيح الانتخابية قد تغيّرت في هذه الحقبة من الزمن، إذ لطالما كانوا من أرباب العائلات الكبيرة، فيما هم اليوم يشملون أعضاء في الأحزاب أو مناصري تلك الأحزاب والزعامات من الفاعليات الاجتماعية. وهم لا يعتبرون أنفسهم مفاتيح بل ناشطين انتخابيين، ويعتبرون أنهم قادة رأي بوسعهم التأثير على خيارات الناخبين.
وعندما سُئلوا عن مواصفات المفتاح الانتخابي، أكّد معظمهم أن المفتاح – مع التحفظ على التسمية – يجب أن يتمتّع بالقدرة على التأثير على الناس وإقناعهم، وأن يكون معروفاً وذا مصداقية لدى أبناء منطقته، إلى جانب تمتّعه بحدّ أدنى من الشعبية. ويبدو أنّ هذه المواصفات مطابقة لما نعرفه عن المفاتيح. ولكن ألّا يكون الولاء الحزبي لمرشح أو حزب معيّن شرطاً ضرورياً كي يلعب الشخص دور الوسيط، أمرٌ يسلط الضوء على حقيقة مفادها أن المفاتيح هم سماسرة تنطوي وظيفتهم على عقد الصفقات التجارية، خاصةً في حالة المرشحين من خارج الانتماءات السياسية، بدلاً من تنظيم الحملات السياسية، الأمرُ الأكثر شيوعاً في حالة الأحزاب العريقة.
وعندما سُئلوا عن الانتماء السياسي للناخبين، ذكر المفاتيح بشكل واضح أنّ معظم الناس يعلنون بصراحة عن انتماءاتهم، خصوصاً في المناطق الريفية، وأنّ مجموعة صغيرة فقط تخفي ميولها. وحتى في هذه الحالة، يمكنهم أن يعرفوا من خلال الجيران والأصدقاء.
ويخلص المفاتيح إلى تصنيف الناخبين ضمن ثلاث مجموعات: الموالون والمعارضون والمترددون. وفي حين أنّ المعارضين هم قضية خاسرة، لا بدّ أن يحرص المفاتيح على بقاء الموالين على موالاتهم وعلى جهوزيتهم يوم الانتخابات. وقد لا يتحقق ذلك في حال عبّر مؤيّد ما عن خيبة أمله من حزب أو زعيم لم يقدّم له الخدمات أو غاب عن السمع أو تخلف عن القيام بالواجبات الاجتماعية، لا سيما تقديم التعازي أو زيارة المرضى وغيرها. هذا يبيّن أن الناخبين واعون لقدرتهم على مساءلة ممثليهم، ولكنهم يستخدمونها للأسباب الخاطئة في معظم الأحيان.
أما بالنسبة إلى المترددين، فهنالك من لا يريد الكشف عن أفضلياته بانتظار الخدمات أو الأموال التي ستجعله يصوّت لصالح حزب أو مرشح دون آخر. وبحسب عدد الأصوات التي يمكن الحصول عليها، يعمد المفاتيح إلى تحديد موعد للقيام بزيارة شخصية إلى عائلة ما لإقناعها بقطع وعد بالتصويت لمصلحة مرشحيهم. والشخص الذي يقوم بالزيارة هو أيضاً مفتاح أساسي في الانتخابات. إذ يتم اختيار الشخص الذي يقوم بالزيارة وفقاً لأهمية ونفوذ الناخبين، وقد يأتي هذا الشخص من الشبكة الهرمية المحيطة بالمرشح نفسه، والأعلى رتبة في الهرم هو أحياناً المرشح نفسه، أو في بعض الأحيان زعيم الحزب إذا كان المرشح حزبياً.
ويعتمد المفاتيح المقاربة الفردية، من خلال الزيارات إلى منزل الأسرة وتقديم الخدمات، وهي مقاربة أساسها الطلب وليس العرض. وفي هذه الحالة، يصبح من الصعب على هؤلاء الأفراد والعائلات الانشقاق أو التخلّف عن الاقتراع لأن المطالبة بالخدمة بشكل صريح تتحوّل إلى فعل «اكتتاب» طوعي وليس مجرّد استقطاب سلبيّ خالٍ من أي تفاعل.
ويُحكم المفاتيح قبضتهم من خلال إقامة العلاقات الشخصية مع الناخبين، فيجعلونهم يشعرون أنّ العلاقة مع المرشح أو الزعيم نفسه أصبحت علاقة شخصية. وبالتالي، يتحوّل التصويت إلى واجب اجتماعي وليس إلى واجب عام. وغالباً ما تنتقل هذه العلاقات «الشخصية» وتُستغلّ في شبكات فردية وعائلية ضرورية لضمان عملية الوصول إلى السلع والخدمات ذات القيمة المرتفعة، كما شرحنا سابقاً.
أما بالنسبة إلى شراء الأصوات، وعندما تمتنع عنه الأحزاب، فلا يكون ذلك لأسباب أخلاقية بل على الأرجح للحدّ من التكاليف. وغالباً ما يتم تحديد الحاجة لشراء الأصوات في الأسبوع السابق للانتخابات من خلال تقييم مدى قوة الخصم ومستوى تنافسية الدائرة الانتخابية. وفي حال كانت درجة التنافسية عالية داخل الدائرة، يلجأ الأحزاب والمرشحون إلى التأثير على الناخبين، لا سيما منهم المترددين، من خلال شراء الأصوات لتأمين دعمهم. من ناحية أخرى، بعض أرباب الأسر الذين يفاصلون للحصول على أفضل سعر مقابل أصواتهم قد يختارون أيضاً الانتظار حتى اللحظة الأخيرة لتحقيق أكبر قدر من الربح. وبتصرّفها هذا، تعرّض العائلات نفسها أيضاً لإمكانية عدم الحصول على أي شيء إذا تبيّن أنّ نتائج الانتخابات أتت لصالح مرشح على آخر في وقت مبكر خلال اليوم الانتخابي.
وهناك أيضاً طريقة أخرى تسمح للأحزاب والمرشحين بضمان كسب الأصوات وهي تجنيد عدد كبير من المندوبين، ما يجعل عملية تعبئة قاعدة محددة من الناخبين أسهل وأبسط نسبياً. والمندوب هو ممثّل عن حزب سياسي أو مرشح يقوم بمراقبة العملية الانتخابية في مراكز الاقتراع، ظاهرياً من أجل ضمان شفافية الانتخابات. ولكن واقعياً، هو يتقاضى المال مقابل التأكد من أنّ الناخبين يدلون بأصواتهم لصالح المرشحين الذين التزموا تجاههم قبل الانتخابات كما أنه يدلي بصوته أيضاً لصالح من انتدبه وغالباً ما يؤثر على أفراد عائلته أيضاً، ما يصبح أشبه بشراء أصوات بشكل غير مباشر (يشترط على المندوبين أن يكونوا ناخبين مسجلين في الدوائر الانتخابية نفسها حيث يعملون).
بالإضافة إلى ذلك، يتأكد المندوبون من أنّ الناخبين اقترعوا بحسب ما التزموا به، ويتم ذلك من خلال العلامة الموضوعة في معظم الأحيان على أوراق الاقتراع. وبالتالي، يصبح بإمكان المندوب أو أي شخص آخر يستطيع الوصول إلى مراكز وأقلام الاقتراع، أن يعرف ما إذا كان الناخب الذي تعهد بالتصويت للمرشح قد وفى بوعده أو لا. وفي بعض الحالات، يتم دفع الأموال على دفعتين، الأولى، قبل يوم الانتخابات، والثانية، بعد الانتخابات – شرط أن يتأكد المندوب أو المفتاح أنّ الناخب قد أدلى بصوته لمصلحة المرشح المعني. أما الناخبون الذين تخلّفوا عن وعدهم، والذين يسهل الكشف عن هويتهم، فغالباً ما تتمّ معاقبتهم، وذلك من خلال حرمانهم من الخدمات، بأبسط الأحوال. وقد تكون درجة الانتقام أشدّ قسوة، حيث تأخذ أحياناً شكل المقاطعة المالية الفعلية.
وقد تساهم المفاتيح الانتخابية في تنظيم فعاليات ضمن الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية والمرشحين. وتلجأ أحياناً إلى دفع المال للناس لكي يحملوا اللافتات دعماً لزعيم سياسي معين، وقد يتم استخدام هؤلاء الأشخاص أنفسهم في اليوم التالي ليحملوا لافتات تدعم زعيماً آخر. وروى أحدهم أنه في إحدى المرّات، تقاضى المصورون المال كي يُبعدوا العدسة لعدم الكشف عن وجوه «المناصرين»، وذلك من أجل استخدامهم في حملات أخرى يرعاها طرف آخر.