Site icon IMLebanon

القضاة يلوّحون بالإضراب المفتوح.. هل تتعطّل الانتخابات؟

كتب يوسف دياب في صحيفة “الشرق الأوسط”:

ما إن احتفلت الحكومة اللبنانية بإنجازها المتمثّل بإقرار موازنة العام 2018 بتقليص نسبة العجز فيها من خلال تخفيض نفقات الوزارات والإدارات العام بنسبة 20 في المائة، حتى انفجرت بوجهها أزمة جديدة وضعتها في مواجهة مباشرة مع السلطة القضائية، التي لوّحت بتعطيل عمل المحاكم ومقاطعة الانتخابات النيابية عبر امتناع القضاة عن ترؤس لجان القيد والفرز، ما يهدد بإبطال الاستحقاق برمته، خصوصاً بعد تقليص موازنة وزارة العدل، والتخفيضات التي طالت مخصصات القضاة، التي جفّفت مصادر تمويل صندوق تعاضد القضاة، الذي يشكّل أماناً اجتماعياً لهم، ويوفّر إيرادات التقديمات الصحية والتعليمية.

ملامح التصعيد القضائي، ارتسمت في اجتماع الجمعية العمومية للقضاة الذي عقد أول من أمس، في قاعة محكمة التمييز في قصر العدل في بيروت، وحضره أكثر من 200 قاضٍ، تخلله نقاش مطوّل حول تعاطي الحكومة مع القضاة كموظفين، وتطرقوا إلى مخاطر الإمعان في التضييق عليهم مادياً ومعنوياً، ولوّحوا باللجوء إلى خطوات تصعيدية، تبدأ بالعودة إلى الإضراب الشامل، وتعطيل العمل في قصور العدل والدوائر كافة، مروراً بمقاطعة العملية الانتخابية عبر عزوف القضاة عن ترؤس لجان القيد الابتدائية والعليا ولجان الفرز، ما يهدد شرعية الانتخابات ويؤدي إلى نسفها، وصولاً على خيار استقالة البعض منهم.

على أثر التحرّك الواسع لهؤلاء القضاة، عقد مجلس القضاء الأعلى اجتماعاً مساء الثلاثاء (أول من أمس)، برئاسة القاضي جان فهد، وبحضور رئيس مجلس شورى الدولة القاضي هنري خوري، رئيس ديوان المحاسبة القاضي أحمد حمدان، النائب العام لدى ديوان المحاسبة القاضي فوزر خميس، والرؤساء الأُوَل لمحاكم الاستئناف في المحافظات كافة ورئيس مجلس إدارة صندوق تعاضد القضاة.

وأفاد بيان صدر عن المجتمعين بأنهم «تداولوا في المستجدات القضائية وما آلت إليه الجهود التي بذلها القضاء وما زال بهدف تحصينه معنوياً ومادياً، وقرّروا عقد لقاءات في الأيام القادمة مع القضاة في المحافظات كافة، لعرض آخر التطورات والبحث في الخطوات الواجب اتخاذها». وأشار البيان إلى أن «رئيس مجلس القضاء الأعلى قرر أن يطلّ إعلامياً خلال جمعية عامّة للقضاة تُعقد قريباً (يرجّح أن تكون الاثنين المقبل)، يتلو فيها باسم السلطة القضائية بياناً يعرض فيه أمام الرأي العام وكلّ المعنيين، ما يواجهه القضاء بمعرض سعيه لتحصيل الحدّ الأدنى من المقوّمات المعنوية والمادية التي تكفل مكانته وحسن سير عمله». وقرر المجتمعون جعل جلساتهم مفتوحة لمتابعة كلّ مستجد.

التحرّك الجديد سيكون موجعاً، وأكبر من الخطوات السابقة التي لجأ إليها القضاة الصيف الماضي، عندما علّقوا جلسات التحقيق والمحاكمات لحوالي ثلاثة أسابيع متواصلة، ولديهم أسبابهم الموجبة لذلك، حيث أوضح مصدر قضائي لـ«لشرق الأوسط»، أن «الوعود التي قطعتها الحكومة أمام مجلس القضاء قبل أشهر، وتعهدت فيها بتحسين وضع القضاة فعلت عكسها». وقال: «كنا ننتظر زيادة بعض الدرجات فلم يتحقق شيء، ولا هم (الحكومة) بوارد النظر في موضوع سلسلة راتب للقضاة». ورأى أن «ما أثار غضب جميع القضاة أن وزارة المال خفّضت مساهمتها بتمويل صندوق تعاضد القضاة بنسبة 20 في المائة، كما أوقفوا إيرادات الصندوق التي كانت تقتطع من رسوم غرامات مخالفات السير».

ويطرح القضاة في جمعيتهم المقبلة مروحة من الخيارات، وسيكون لمجلس القضاء الأعلى رأي فيها، وأكد المصدر القضائي أن «كل الاحتمالات واردة من الإضراب المفتوح في المحاكم، إلى مقاطعة الانتخابات، وصولاً إلى خيار الاستقالة التي يرى فيها البعض أفضل ردّ على لا مبالاة السلطة بأوضاع القضاة». ويختم المصدر القضائي: «نحن نشعر بغبن كبير، وكل تصرفات الحكومة مع القضاة تناقض الدستور، الذي يكرّس القاضي كسلطة مستقلة بذاتها».

من جهته، عبّر وزير العدل الأسبق إبراهيم نجّار، عن رفضه المسّ بأي من مكتسبات السلطة القضائية، مؤيداً كل مطالب القضاة المحقّة، داعياً إلى «تعزيز استقلالية القضاة وأمنهم الاجتماعي». وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «خلال السنوات التي توليت فيها مهام وزارة العدل (2008 – 2010)، ناضلت من أجل كسر كل الاعتراضات التي واجهت قانون سلسلة الرتب والرواتب، الذي عزز وضع القضاة ماديا ومنحهم درجات إضافية».

وأضاف نجار: «منذ سبع سنوات حتى الآن لم يطرأ أي زيادة على رواتب القضاة، وأعتقد أنه حان الوقت للنظر في تحسين رواتبهم وليس المسّ بما لديهم من مكتسبات». لكنه شدد على أن «التهديد بعدم ممارسة السلطة القضائية دورها المركزي في مؤازرة الانتخابات النيابية، أو محاولة شلّ المرفق العدلي، لا أؤيده، ولدي تحفظات شديدة عليه»، رافضاً «الردّ بهذه الطريقة على السلطتين التشريعية والتنفيذية، لأن المرفق العام يحتاج إلى مزيد من الفعالية، وليس إلى التعطيل وبهذه الطريقة لا تتحقق المطالب». وختم وزير العدل الأسبق: «أنا مع توفير كل مطلب القضاة، ويتعيّن على البرلمان الجديد أن يبحثها بجدية ومسؤولية، وفي نفس الوقت أحذّر من تعطيل عمل القضاء، لأن ذلك لن يؤدي إلى النتيجة التي يتوخاها القضاة».