كتب جورج شاهين في صحيفة “الجمهورية”:
فرض مؤتمر «روما 2» إعادة نظر واسعة في شكل ومضمون الخطط المطروحة لدعم الجيش والقوى الأمنية والعسكرية اللبنانية بما في ذلك اعادة برمجة المساعدات العسكرية المستدامة للجيش بقواه المختلفة البرية والبحرية والجوية بما يضمن تعزيز قدراته في مختلف المجالات وتزويده بالأسلحة المتطورة وأخرى «غير قاتلة». فما هي المعلومات التي توافرت قبيل عقد المؤتمر؟ وما هو المنتظر منه؟
درجت العادة عند الدعوة الى مؤتمرات بحجم مؤتمر «روما 2» المخصّص لدعم الجيش والقوى العسكرية والأمنية في لبنان أن تستعدّ لمثل هذا الحدث الدول الطالبة للأسلحة وتلك المانحة.
فعلى الجانبين، على الأقل، أن يتفاهما مسبَقاً على الحدود الدنيا والقصوى لحجم المساعدة ونوعها وأهدافها وتلك المسموح بها، فيذهبا معاً الى المؤتمر في نهاية المفاوضات والمشاورات التمهيدية لأخذ الصورة الرسمية وتكريس ما تمّ التفاهم عليه طالما أنّ الدوافع التي قادت اليه وتلك المنتظرة منه قد رُسِمت بدقة وتمّ التفاهم المبدئي في شأنها.
إختصاراً هذه هي الصورة الإستباقية للمؤتمر الذي بدأ اعماله امس على مستوى اللجان التحضيرية وفق آلية جديدة لن يشهد مؤتمر «روما 1» مثيلاً لها. فقد كشفت مراجع معنيّة بالتحضيرات الجارية للمؤتمر أنّ ايطاليا صاحبة الدعوة الى النسخة الثانية من مؤتمرات روما لدعم الجيش والقوى الأمنية قد ارتأت هذه المرة، ومعها الجهات الداعمة من مجموعة العمل الدولية من اجل لبنان والأمم المتحدة والإتّحاد الأوروبي والجامعة العربية، أن تُقسَم المساعدات التي ينتظرها الجيش اللبناني من مصدَرين وفق آلية جديدة لم تُعتمد قبلاً:
– الأول، يضمّ الدول المشاركة في «اليونيفيل» بمختلف وحداتها البرية والبحرية التي كانت وما زالت على تماس مباشر مع الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية في لبنان.
ـ الثاني، يجمع الدول التي دعيت الى المؤتمر ومن بينها بعض دول «اليونيفيل» وأخرى سبق لها أن مدّت هذه القوى الأمنية والعسكرية بمساعدات مختلفة الأنواع بما يغطي حاجاتها ومتطلباتها.
وعليه فقد جاء تقسيم المؤتمر بجلساته التي عقدت امس ليقارب الحاجات اللبنانية من مصدرَيها دول «اليونيفيل» والدول المانحة بنحو يتكامل فيه الدعم العسكري ليحاكي حاجات الجيش من الجوانب المختلفة والمصادر التي اعتاد عليها في هيكليته العسكرية ووحداته المتخصّصة المقاتلة التي شُكّلت لحماية الحدود البرية والبحرية وتلك المجوقلة ووحدات التدخّل والألوية المدرّعة والمغاوير والمدفعية من جهة، والوحدات المكلفة المهمات اللوجستية والإدارية والطبّية وغيرها من الإختصاصات من جهة أُخرى.
وعلى هذه الأسس، قالت المصادر التي واكبت التحضير للمؤتمر إنّ لبنان ينتظر مساعدات وهبات متنوّعة يمكن الإشارة اليها على النحو الآتي:
– تعهّدت دول «اليونيفيل» الإستمرار في تقديماتها المختلفة من أسلحة ومعدّات فرنسية وإيطالية وإسبانية لزوم أسلحة المدفعية والصواريخ المضادة للدروع وتلك التي يتمّ تجهيز المروحيّات الفرنسية بها. وقد جاءت الهبة الفرنسية المسبَقة بـ 14 مليون يوور التي قدّمتها قبل اسابيع غداة المؤتمر مؤشراً الى ما يمكن أن تقدّمَه في المؤتمر وما يليه.
– تعهّدت البرازيل ومعها المانيا المشارَكة في «اليونفيل البحرية» تعزيز وحدات سلاح البحرية في الجيش اللبناني الى درجة يتوقّعون من خلالها أن يصلوا الى مرحلة ولحظة فاصلة تسمح لهم بالتخفيف من وجودهم البحري في المياه الإقليمية اللبنانية لمصلحة سلاح البحرية في الجيش اللبناني، وهو ما سيؤدّي حتماً الى هبات تنتهي بتزويد هذا السلاح ما يحتاجه من انظمة رصد ومراقبة وتفتيش للسفن العابرة الى الموانئ اللبنانية ومنها تنفيذاً لما قال به القرار1701 بمنع إدخال أو تصدير الأسلحة والممنوعات من الأراضي اللبنانية واليها عبر كل المعابر.
وكان لافتاً ما أبلغته المانيا الى الجانب اللبناني من أنّ القوانين الألمانية التي عزّزت من صدورها قوة «حزب الخضر» في البرلمان الألماني تمنع تصدير «الأسلحة القاتلة» الى خارج الأراضي الألمانية، والى أيٍّ من الجيوش الغريبة. ولذلك فإنّ المساعدات والهبات الألمانية ستنحصر بكل ما يعزّز قدرات الوحدات والألوية اللوجستية والطبية ووسائط النقل وسيارات الإسعاف واجهزة الإتصال والرصد (اجهزة الرادار البرية والبحرية) والتنصّت والمراقبة البرية والبحرية والجوية بالإضافة الى المعدّات التي تعزّز دور القوى الأمنية (أجهزة السكانر) في المطارات والمعابر البرية الحدودية.
– تعهّدت بريطانيا أن تستمرّ في مساعداتها المتخصّصة امتداداً للهبات السابقة لقوى الأمن الداخلي والجيش التي تقدّمها منذ سنوات وحتى الآن لتعزيز مراكز المراقبة والرصد على الحدود البرية مع سوريا، وزيادة قدرات الألوية الحدودية وتجهيزاتها من الأسلحة وتلك التي تتولّى التنسيق بين مختلف الأسلحة وفق «التجربة الرائعة» التي قدّمها ما سُمّي التنسيق الشامل بين مختلف الأسلحة البرية والجوية والمدفعية التي خاضت معاً عملية «فجر الجرود» والتي عزّزتها الأسلحة الأميركية المتطورة، وخصوصاً تلك المدفعية التي تعمل بالليزر الموجِّه للقذائف ومراقبتها منذ لحظة إطلاقها حتى بلوغها أهدافها بقدرات كبيرة ومضمونة الأهداف والنتائج التدميرية. وهي عملية متكاملة استحقت تهنئة دولية غير مسبوقة.
– الجانب الأميركي سيؤكّد استكمال تنفيذ برامج التسليح التي تعهّدت بها قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي بما تتضمّنه من دعم لكل اسلحة الجيش البرية والجوية بما فيها الدبابات والمدرعات والمدفعية والسيارت العسكرية وآليات النقل الثقيلة والصواريخ وطائرات الرصد والمراقبة وهي في سياق مستدام لم ولن يتوقف قبل مؤتمر روما وبعده.
– أما الهبات الخليجية فيتوقّع المنظمون ومعهم القادة اللبنانيون هبات كويتية وإماراتية وربما من دول أخرى. لكنهم وعلى رغم ذلك ينتظرون «مفاجأة سعودية» قد يشهدها المؤتمر لتعبّر من خلالها الرياض عن حجم عودتها الى رعاية الملف اللبناني بهبات ومساعدات قد تكون من ضمن المليارات الأربعة المجمّدة. وثمّة مَن يتوقع مساعدة من ضمن المليار الرابع الذي خصِّص لـ«مواجهة الإرهاب» والذي لم يستفد منه لبنان سوى بأقل من النصف، ليتسنّى للجيش تسلّم الأسلحة المتطورة الفرنسية الصنع التي تمّ تصنيعها وفق هبة المليارات الثلاثة التي جُمِّدت بعد وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز وما زالت في المخازن الفرنسية.
وبناءً على ما تقدّم، كل ما تأمله المراجع اللبنانية هو أن ينجح مؤتمر «روما 2» في استدرار الدعم الدولي للمؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية ليكون مؤشراً الى ما يمكن أن ينتظره لبنان من مؤتمرَي باريس وبروكسل في السادس من نيسان المقبل وفي 26 منه، ولربما يكون بحجم ما هو منتظر من مؤتمر روما. علماً أنّ الأمر يتوقف على سؤال وجيه ومفاده: هل وفى لبنان بكل متطلبات مؤتمرَي «باريس» و«بروكسل2 « كما وفى بمتطلبات مؤتمر «روما 2»؟