Site icon IMLebanon

دور المنطق والعاطفة في قرار الإنتخاب

كتبت ساسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”:  

في لبنان يتكلّم الجميع في السياسة، لكلّ إنسان رأيه وتحليلاته وانطباعاته الخاصة التي يجادل بها الآخر لساعات وساعات، بينما يتنافس المرشّحون ويتسابقون على استقطاب أكبر عددٍ ممكن من الناخبين، يتجاذبونهم دون أن يعدموا وسيلة لتحقيق هدفهم.

في كلّ قرارٍ نتّخذه لا بدّ مِن دور للتفكير المنطقي ودورٍ للانفعال العاطفي، إلّا أنّه انطلاقاً من كونِ شعوب المتوسط معروفةً بأنّها شعوب عاطفية، تتقدّم العاطفة على التحليل المنطقي والعقلاني بما يخصّ انتخاب المرشّحين للنيابة. ينطلق قرارُنا في انتخاب مرشّح لمقعد نيابي من انفعالاتنا وميولنا الشخصية، وليس من العقل والمنطق، إذ لا يمكننا تخطّي المشاعر والعواطف التي نشأنا عليها في بيئتنا الخاصة، كما ليس من السهل تخطّي جرحٍ تسبَّبَ فيه طرفٌ أو حزبٌ معيّن، أو شخصٌ ينتمي لهذا الحزب، فالتجارب السابقة حاضرة دائماً لتؤثّر بشكلٍ أساسي على قراراتنا وقناعاتنا عند الحاجة.

كذلك لا يغيب عن بالنا دورُ المصالح المشتركة بين الناخب والمنتخَب، من هنا أهمّية المشاريع والحملات التي يقوم بها الطامحون للمقعد النيابي، حيث يدغدغون مشاعرَ وحاجات وطموحات الشعب وآماله. كما يلعب المرشّح على وتر مشاعِر الناخب مرَكّزاً على نيلِ إعجابه واستحسانه، فتَكثر الوعود والتوقّعات.

وللتعلّقِ بالأرض والوطن والدفاع عنه دورٌ في انتخاب هذا المرشّح أو ذاك، ما يدفع إلى الانجرار غيرِ المنطقي وراء الشعارات الرنّانة بما يخصّ الحرّية والوجود والروح الوطنية، خصوصاً في حال استعمال منطِق تخوين الفريق المنافس، ما يُعرف بتجييش الناخبين. ونلاحظ هنا سيطرةَ العواطف والانفعالات، إذ قليلون من يقارنون الحملات والتجييش بالواقع الراهن.

ما الدوافع النفسية التي ينتخب من أجلها الشعب؟

ينتخب اللبناني في الدرجة الأولى بحسب انتمائه لحزب أو مجموعة معيّنة، في مجتمعٍ يرضَع فيه الطفل انتماءَه لحزبٍ معيّن مع الحليب، حيث يُسلّم زمام أمورِه لقائد الحزب أو المجموعة، وينفّذ توجيهاته، إيماناً منه بأنّ هذا المرجع ينطق باسمِه، ويسعى لتأمين مصالحه، سواء كانت وطنية أو شخصية، ويثِق فيه ثقةً عمياء، فنرى قرار انتخابه معروفاً مسبقاً، معلَّباً وجاهزاً.

لا ينتخب الناسُ بتبعيةٍ للقائد الحزبي وحسب، بل أيضاً لكبير العائلة وصاحبِ الوجاهة، أو ينتخب الأهلُ المسنّون بحسب توجيه أبنائهم، وأحياناً تنصاع الزوجة والأبناء لقرار الزوج والأب.

ينتخب اللبناني ممثّليه سعياً وراء التغيير، فقد ضاقَ الجميع ذرعاً بالصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، كما أتعبَهم القلق والخوف والتفلّت الأمني، من هنا أهمّية الأصوات والشعارات الرنّانة التي تعِدُ بالتغيير نحو الأفضل.

وتلعب وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي دورَها في التركيز على نقاط ضعفِ المواطن، فتبرز الصعوبات الحياتية التي يعاني منها وتُشعِره بأنّه قادر على التغيير. وليس بالضرورة أن تكون الحملات الانتخابية حقيقية بل هي جسرُ عبور يصل المرشّح من خلاله إلى الكرسيّ النيابي، وكلّما عانى الشعب من الحاجات والحِرمان والقلق، اعتقَد بالوعود من دون مراجعةٍ منطقية فِعلية لِما يسمعه.

أمّا تمثيلُ المرأة في السلطة فموضوع شائك وعاطفيّ بامتياز، مِن ناحية رغبةٌ في تغيير قوانين وأحكام المجتمعات الذكورية والسيطرة على المرأة واعتبارها بمرتبةٍ دونية بالنسبة للرَجل، ومن ناحيةٍ أخرى نلاحظ الانفعالَ الشبابي والحماسَ لانتخاب شابّات جميلات ممثّلات لهنّ في المجلس النيابي.

إذاً نحن لا نسيطر بوعيِنا على أصواتنا، بل بلا وعيِنا، لأسبابٍ كامنة في نفوسنا، مرتبطةٍ بحاجاتنا غيرِ المشبعة للحبّ والأمان والاستقرار والانتماء للوطن.
أمّا في هذه الفترة فتشهد الأحزاب والمجموعات انشقاقَ العديد ممّن انتموا سابقاً، بسبب إشراكِ عددٍ أكبر في القرار داخل الأحزاب، واعتماد عدمِ التفرّد بالقرار. تُتّخذ القرارات بشكل ديمقراطي في المجموعات، وبحسب بروز هذا الشخص أو ذاك وحجم إنجازاته، هناك طموح جامح للسلطة لدى الأكثرية، وروح منافسة فيما خصَّ المراكز القيادية، فينقلبُ الغاضب وينشقّ علّه يجد لنفسِه مركزاً أرفعَ في مجموعةٍ أخرى.