كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
أبرَمت شركة الغاز في إسرائيل في 19 شباط الماضي صفقة تصدير 64 مليون متر مكعّب من الغاز الإسرائيلي الطبيعي إلى مصر لمدة عشر سنوات وبقيمة 15 مليار دولار. وبالتوازي مع ذلك ، تنفّذ إسرائيل اتفاقاً مع الأردن وُقِّع عام 2016 لتزويده 45 مليون متر مكعّب من الغاز لمدة عشر سنوات.
الاتفاق مع مصر ظلّ ناقصاً لجهة تحديد طريقة إيصال الغاز الإسرائيلي إلى منشأةِ التسييل المصري في دمياط. وهناك خيارات عدة مطروحة للنقاش، وهي أمّا مدُّ أنابيب برّية ذات كلفة قليلة ولكنّها تنطوي على مخاطر أمنية مصدرُها كما تقول اسرائيل «حماس» في قطاع غزّة والمجموعات الإسلامية المتشدّدة في سيناء، و«حزب الله» في لبنان. وإمّا الاستعاضة عنها بأنبوب في البحر، مكلِف مالياً، ولكنّه مضمون إلى حدٍّ ما أمنياً.
قبل أيام ، صاغ مركز الأمن القومي الاسرائيلي تقديرَ موقف حول مصالح اسرائيل في قطاع الغاز المتوسطي تحت عنوان «نظرة عليا»، واشترَك في صوغ هذا التقدير عوديد عيران وأوفير فاينتر وعبيلي رتيغ، واهتمّ بإبراز نقطتين أساسيتين:
ـ النقطة الأولى، أنّ استخدام اسرائيل «مصر» بديلاً من تركيا لنقل الغاز الاسرائيلي عبرها الى اوروبا، يبدو اكثرَ ربحيةً وواقعية، خصوصاً مع تعاظمِ احتمال ان تستقبل منشآت التسييل المصرية مستقبلاً أيضاً غاز قبرص ولبنان. وهذا الامر في حال حصوله سيخدم هدفاً اساسياً لاسرائيل وهو بناء نظام مصالح اقتصادي مشترَك بينها وبين الدول المجاورة لها، ما يفتح الباب امام تطبيع عربي ـ اسرائيلي على اساس اقتصادي. والأهم من ذلك إنّ هذه المنظومة ستجعل ايَّ إضرارٍ بالغاز الاسرائيلي مصدرُه «حماس» او «حزب الله»، سيتسبّب أيضاً بالإضرار بمصالح الغاز المصرية والأردنية والقبرصية.
وهذا ما يحفّز على إنشاء منظومة تبادلِ معلومات اقليمية ضد جهود «الحزب» و«حماس» لضرب نظامِ مصالح الغاز الاقليمي المشترك في حوض البحر المتوسط.
ـ النقطة الثانية، تقول إنه صحيح أنّ مشكلة الغاز الاسرائيلية مع لبنان لا تؤثّر مباشرةً على سعي مصر والأردن الى تطوير تعاونِهما الغازي مع إسرائيل، فإنّ استمرار هذا الخلاف سيهدّد مشاريع تطوير الغاز لدى اسرائيل في حقلَي لفيتان وتمار، وهما الحقلان اللذان منهما سيتمّ إرسال الغاز الإسرائيلي الى مصر.
كما أنّ خيار إدخال لبنان في منظومة إرسال غازه الى مصر سيَجلعه شريكاً في حماية الانابيب التي ستُعتمد لهذه الغاية في الأقليم. وعليه فإنّ هذا يحتاج الى تطوير مبدأ «النأي بالنفس»، ليشملَ طريقة تعاطي الدولة اللبنانية مع «حزب الله» لجهة تعهّدِه بأن لا يتصرف مستقبلاً على نحوٍ يهدّد منظومة نقلِ الغاز الاسرائيلي التشاركي بين دولِ المنطقة.
ولعلّ هذه النقطة الاخيرة هي التي تفسّر، بحسب تقدير الموقف الاسرائيلي، لماذا اسرائيل منزعجة من استمرار ملفّ خلافِها الغازي مع لبنان بلا حلّ، وتفسّر أيضاً بحسب مصادر ديبلوماسية لماذا شهدت بيروت وتل ابيب الشهر الماضي زيارات مكّوكية لمساعِد وزير الخارجية الاميركي ديفيد ساترفيلد تحت عنوان حلّ أزمة خلافهما الغازي.
ويسجّل «تقدير الموقف «الاسرائيلي في هذا المجال ملاحظات عدة تتصل بلبنان، اهمّها أنّ المطلوب من الدول التي تشارك شركاتها في الاستثمار في غاز لبنان، التدخّل لدى بيروت لخفضِ سقفِ مطالبها في مفاوضات ترسيمِ الحدود البحرية مع اسرائيل.
والمطلوب أيضاً من وجهةِ نظر «تقدير الموقف» الاسرائيلي ضرورةُ ضمان عدم تحقيق «حزب الله» فوزاً سياسياً في الانتخابات النيابية، لأنّ ذلك سيرسِل إشارةً متشائمة في خصوص أنّ تنفيذ مشاريع الغاز الإقليمي المشتركة في المنطقة، سيواجه عقبةً في لبنان. ونقطة الترابط هنا، حسب التقدير الاسرائيلي، تتعلق بأنّ عدم حلِّ الخلاف بين لبنان واسرائيل حول تحديد حقولِهما الغازية، سيَحرم لبنان من الاستثمار في مياهه الاقليمية، ولكنّه في المقابل سيؤثر سلباً على مشاريع تطوير تخزين الغاز الاسرائيلي في حقلَي لفيتان وتمار المجاورين للحدود اللبنانية واللذين هما في الوقت نفسِه مصدر اساسيّ لتوريد الغاز الطبيعي منهما الى مصر والأردن.
وتواجه اسرائيل على مستوى دعوتها الى الإسراع في تنفيذ مطلبيها السالفين، بعض المشكلات، أبرزُها توقّع عدمِ عودة ساترفيلد الى بيروت ليتابعَ من حيث انتهى الشهر الماضي مهمته في التوسط بين لبنان واسرائيل. فإقالة ترامب وزيرَ خارجيته ريكس تيلرسون ترسم علامة استفهام حول بقاء ساترفيلد في منصبه مساعداً لوزير الخارجية الاميركي الجديد، خصوصاً أنّ تيلرسون كان يَعتبر ساترفيلد ركناً أساسياً في تنفيذ سياساته الشرق اوسطية.
غير أنّ مصادر مطّلعة كشَفت لـ«الجمهورية» وجود إمكانية عالية لإبقاء ساترفيلد إستثنائياً في منصبه حتى نهاية السنة، وذلك لمتابعة ملفات حيوية كان قد بدأها في المنطقة، ومن بينها ملفّ تسوية الغاز اللبناني ـ الإسرائيلي.
المشكلة الثانية، تتعلق بأنّ روسيا غير مستعجلة للمباشرة ببدء التنقيب عن الغاز في الحقول اللبنانية، فهي أساساً انضمّت الى نادي المستثمرين في الغاز اللبناني لأسباب غير ربحية صرفة، كونها تعتبر أنّ كمّيات غاز لبنان مقارنةً بالغاز السوري الذي تحتكره، تُعدُّ ضئيلةً، ولكنّ موسكو أرادت مِن مشاركتها مع شركة «توتال» بالتنقيب عن الغاز اللبناني، تجسيدَ معنى أوسع لثنائيتها مع الأخيرة التي تشترك معها في مشاريع التنقيب عن الغاز في القطب الشمالي.
ثمّة احتمالان ترتقبهما محافلُ سياسية لبنانية في غمرة إنشاء اسرائيل وأميركا صلةً بين مستقبل لبنان في غاز حوض المتوسط وما ستؤول اليه نتائج الانتخابات النيابية الجارية حالياً:
ـ الأوّل، أن تفجّر واشنطن قنبلة عقوبات أو اتّهام جديد لـ«حزب الله» في هذه الفترة الفاصلة عن الانتخابات المقررة في 6 أيار، وذلك بغية إحراجِ تحالفاته الانتخابية والسياسية. وهناك معلومات تفيد أنّ إرهاصات هذا «الاتّهام الجديد» بدأ تتبلوَر داخل الكونغرس الاميركي الذي شهد أخيراً، بحسب مصادر مطلعة، طرحَ اقتراحِ توجيهِ تهمةٍ جديدة «صادمة» لـ«حزب الله»، تستمكل التهَم السابقة.
ـ الثاني، أن يعود ساترفيلد الى لبنان مجدّداً للبحث في تسوية أزمة الغاز، ولكن هذه المرة مع وضعِ تحذيرٍ أميركي على منضدةِ الدولة والقوى السياسية اللبنانية، ومفادُه أنّ واشنطن ستتأثّر علاقاتُها بلبنان في حال لم يمنع «حزب الله» من استخدام «قوته السياسية او العسكرية بنحو عدائي» ضدّ مصالح الإقليم التي بينها منظومة مصالح الغاز المشتركة الجاري بناؤها بين قبرص ومصر والاردن واسرائيل، ولاحقاً لبنان والسلطة الفلسطينية.