IMLebanon

المشروع الوطني للحريري هل تحقّقه الإنتخابات؟

كتب الشيخ خلدون عريمط في صحيفة “الجمهورية”:

ها هي لوائح المرشّحين للانتخابات النيابة بدأت تتوالى في عددٍ من المناطق اللبنانية، بعضُها يَرفع شعارات وطنية، والبعض الآخر يشدّ العصَب مذهبياً وطائفياً بشعارات المحرومين هنا أو المستضعَفين هناك، تمهيداً لدخول المنافسة الانتخابية لاختيار 128 نائباً، يتكوّن منهم المجلس التشريعي الجديد، لينبثقَ منه بعد ذلك تأليف حكومة من خلال الاستشارات المُلزِمة لنتائجها التي يُجريها رئيس الجمهورية فور انتخابِ المجلس النيابي الجديد، ليبدأ الحكم والحكومة بمسيرةِ بناء الدولة والنهوض بها اقتصادياً واجتماعياً وإنمائياً.

وعلى الرغم من التشوّهات المتعددة للقانون الانتخابي العتيد والذي يؤكّد كثير من المتابعين والمراقبين والمحلّلين أنه الصورة المنقّحة لمشروع القانون الأرثوذكسي الذي رُفِض منذ سنوات عدة، فإنّ رئيس الحكومة سعد الحريري تجاوز بمرشّحيه من كلّ المناطق اللبنانية كلَّ الأفخاخ المذهبية والطائفية، وتقدَّم بلوائح لمرشّحي تيار «المستقبل» من شخصيات وكوادر سياسية من كلّ الطوائف الإسلامية والمسيحية بمذاهبهم المتعددة، ليقولَ للرأي العام إنّ لبنان لا يُبنى على قياس مصالح مذهبية أو طائفية أو مناطقية أو حزبية لهذه الطائفة أو تلك.

وحده المشروع الوطني هو الضامن لمصالح جميع اللبنانيين بمسلِميهم ومسيحيّيهم، ولذلك فهل يمكن لهذا المشروع الوطني الذي قدَّمه الرئيس الحريري من مجمع «بيال» أن يتحقّق من خلال نتائج الانتخابات التي ستكون ظاهرةً نتائجُها للعيان في السابع أو الثامن من أيار المقبل؟

خصوصاً وأنّ مرشّحي «المستقبل» هم من المسلمين والمسيحيين وبينهم كوادر شابّة، وطاقات نسائية متعدّدة، منبثقة بتوجّهاتها العامة من العناوين العريضة لثوابت وأولويات بناء الوطن والمواطن، ومن المؤكد أنّ الالتزامات الوطنية للحريري وفريقه السياسي هي أساس الوفاق بين اللبنايين لتأكيد وحدةِ العيش المشترك وسلامةِ النظام السياسي المعروف بوثيقة «الطائف»، والفصل بين السلطات وتعاونها للعبور إلى قيام الدولة الوطنية الحديثة بتحريرها من الطائفية السياسية وأدرانها القاتلة، والعبور نحو قيام دولةِ القانون والحرّيات والعدالة وتكافؤ الفرص بين اللبنانيين جميعاً، لا فارقَ ولا تفريقَ بينهم أياً كانوا ولأيّ طائفة انتموا.

فهل يتمكّن النواب القادمون بثقةِ الناس الطيّبين من أن يبرهنوا ويؤكّدوا من خلال نتائج الانتخابات أنّ الشرعية اللبنانية هي وحدها الضامنة لوحدة الشعب وقيامِ الدولة والمؤسسات لتعلو إرادتها فوق إرادات الميليشيات والمجموعات المسلّحة بحججٍ واهية هنا وهناك، وليبقى القرار وحده بيدِ السلطة في كلّ شأنٍ داخلي وخصوصاً في مسألتَي الحرب والسلام، وليكن الحوار بعدها بين اللبنانيين هو وحده السبيل إلى مقاربة الخلافات السياسية بين القوى اللبنانية التي مِن المؤسف أنّ بعضَها يَستقوي بالفوضى وفائض قوّة السلاح غير الشرعي، والبعض الآخر يتغذّى بالاصطفافات الطائفية لتقوية الدويلةِ وإفشال الدولة.

ومِن أجل ذلك فإنّ الاستحقاق الانتخابي المقبل هو وحده الذي يؤكّد نجاح المشروع الوطني الذي يسعى إليه الحريري ليبقى لبنان سيّداً حرّاً عربياً متضامناً مع أشقّائه العرب في السرّاء والضرّاء، وملتزماً في الوقت نفسه «النأيَ بالنفس» عن المحاور والنزاعات، والالتزام بالقرارات الدولية الخاصة به ولا سيّما منها القرار 1701 لمواجهة الأطماع الإسرائيلية برّاً وبحراً وجوّاً، أو أيّ تدخّلات خارجية أمنية أو سياسية في شأنه الداخلي الدقيق، ومواكبة أعمال المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بغية حماية كلّ القوى والقيادات من الاغتيالات السياسية وإبعاده عن ارتدادات الحروب والنزاعات في المنطقة، والتشديد على حصرية السلاح بيدِ الدولة ومؤسساتها الشرعية.

مِن حقّ كلّ القوى السياسية أن تتفاعل وتتحاور لإنجاح أكبر عددٍ ممكن من مرشحيها، وهذا حكماً يتناقض مع كلّ المشاريع الآتية إلينا من وراء البحار أو الهابطة علينا من نظريات وتبريرات المشروع الصفوي الإيراني الذي له ارتداداتٌ في عددٍ من البلدان العربية.

فالقضية إذن ليست زيادة نائبٍ هنا أو خسارة نائب هناك، وإنّما القضية تعني أن يبقى لبنان عربيَّ الهوى والهوية بعيداً من المحاور الإقليمية والدولية. فالمواطن اللبناني يريد الماءَ والكهرباء والإنماء وتحريكَ عجَلة الاقتصاد لوضع حدٍّ للبطالة والهجرة التي أضحت أمراضاً مزمنة تعمل على تآكلِ المجتمع اللبناني.

والمواطن بدوره مُطالَبٌ بأن يشارك بقوّة وكثافة في الاستحقاق الانتخابي، ويختار الأصدقَ والأقدر على حماية لبنان من خلال صداقاته الإقليمية والدولية لينعمَ المجتمع بالاستقرار والنموّ بعيداً عن مشكلات المنطقة وارتدادات الحروب الأهلية المحيطة بنا. فهل يمكن للبنانيين أن يعوا خطورة المرحلة وأن ينهضوا جميعاً للمشاركة بالاستحقاق الانتخابي وينحازوا إلى المشروع الوطني الذي يُنقذ لبنان واللبنانيين؟