كتب فاروق يوسف في صحيفة “العرب” اللندنية:
“ولاية الفقيه فوق الدستور اللبناني”. هذا ما قاله حسن نصرالله مؤخرا تعبيرا عن ولائه لإيران واستخفافا منه بالدولة اللبنانية. ويمكن أن نضيف على لسانه “وفوق لبنان كله” ولا نخطئ المعنى الذي لطالما ذهب إليه في أوقات سابقة. لم يقل زعيم ميليشيا حزب الله إلا ما يفكر فيه منذ انتمائه إلى حزب الله عضوا قادما من قم. فليس لديه إلا ولاية الفقيه، وما من سلطة سواها يعترف بها حتى المستوى الديني والمذهبي.
ببساطة الرجل مقتنع أن هناك إماما غائبا سيظهر يوما. وإلى حين ظهوره فإن الولي الفقيه يتولى أمر المسلمين نيابة عنه. وهي نظرية مذهبية يشاركه الإيمان بها كثيرون، داخل إيران وخارجها. في المقابل فإن هناك مَن لا يؤمن بها، حتى وإن كان ذلك الشخص مؤمنا بالمذهب عينه. ليس ضروريا أن يؤمن المرء بنظرية “ولاية الفقيه” حسب التوظيف الخميني لكي يكون شيعيا.
هل اللبنانيون إذا ملزمون بنظرية لا تلزم أحدا وهي ليست من العقيدة؟
ذلك سؤال لا يدخل في قاموس نصرالله الشخصي بعد أن استقوى بالسلاح الإيراني على مواطنين عُزّل لم يتعرفوا على بلادهم إلا باعتبارها مختبرا للحروب التي يمكن أن تُشن من غير سبب معلن. مشكلة نصرالله أنه يفرض على الآخرين سوء الفهم الذي وقع فيه. وهو ما يفعله زعماء الميليشيات الذين تصدر أفعالهم وأقوالهم عن ميزان مختل المعايير لا يقوم على أساس تفكير سليم.
فمن حق المرء أن يفكر بالطريقة التي يشاء. من حقه أن يعجب بتجربة سياسية أو نموذج حكم. من حقه أن يثني على حزب أو زعيم سياسي أجنبي، بشرط أن لا يتعارض ذلك التفكير والثناء مع الانتماء الوطني بكل ما يقره ذلك الانتماء من شروط قانونية.
في مقدمة تلك الشروط عدم الارتباط بسياسة دولة أجنبية أو أحد أجهزتها الأمنية والاستخبارية والدعائية، وعدم تلقي أموال من جهة أجنبية لأغراض سياسية وأمنية وعدم الترويج لأفكار سياسية تضر بوحدة البلد وتسيء إلى شريحة من شرائح المجتمع. في حال الإخلال بتلك الشروط فإن المرء يعرض نفسه للمساءلة القانونية والعقاب الذي تنص عليه القوانين في كل الدول.
كل ذلك وضعه نصرالله وراءه. فالرجل لم يخف ارتباطه بإيران عقيدة عدوانية وتمويلا وسلاحا ومشروعا تآمريا. وهو يعتبر نفسه جنديا في جيش خامنئي. وما حزب الله الذي يقوده إلا عصابة إيرانية يقوم وجودها أصلا، على تنفيذ ما تمليه عليها القيادة الإيرانية من أوامر خدمة لمشروعها العدواني التوسعي.
لقد وصف زعيم حزب الله بكل الصفات التي يمكن أن تدينه بتهمة الخيانة العظمى، ولا تحتاج الدولة اللبنانية من أجل تقديمه إلى المحاكمة لاعترافات جديدة. كل خطاباته يمكن اعتبارها اعترافات علنية بالخيانة.
فعل كل ذلك باطمئنان لا لأنه يتحدى من موقع قوة الدولة والقانون، بل لأنه أصلا لا يعترف بوجودهما. أما عن مشاركة حزب الله في إدارة دولة لا يعترف بوجودها فهي تعبر عن تصرف مرحلي مؤقت إلى أن يحين الوقت الذي يسيطر فيه الحزب على كل مفاصل الدولة ليعلن يومها لبنان كله تابعا لدولة الولي الفقيه. وللأسف فإن ضعف الدولة اللبنانية لا يعينها على مساءلة نصرالله في خيانته التي لا يشعر شخصيا بعارها.
لا يحتاج نصرالله إلى أن يعلن أنه وضع لبنان تحت حذائه، فلقد فعل ذلك حين وضع ولاية الفقيه فوق الدستور اللبناني. فهل صار على اللبنانيين أن ينتظروا صيحة الديك الإيراني التي ستعلن نهاية حلمهم اللبناني؟