كشفت صحيفة “الجمهورية” انّ طموح الناس بالتغيير الذي يبدأ من صندوق الاقتراع، إصطدم بممارسات شاذّة عن كل القواعد الوطنية، أبطالها جهات سياسية تعتمد سياسة إقصائية واستئثارية بالتمثيل، بالتكافل والتضامن والشراكة مع احد الاجهزة الامنية.
وقد ازدادت الشكاوى من ضغوطات تمارسها جهات سلطوية في بعض مناطق الساحل والجبل، تتضمّن في بعض الاحيان تهديدات شخصية وحتى بِلقمة العيش، فيما لو سلك المواطنون غير الوجهة الانتخابية لتلك الجهات.
الغريب في هذا الأمر هو الشراكة العلنية لأحد الاجهزة الامنية في هذه «الجريمة»، حيث بَدا انّ قيادة هذا الجهاز سخّرت طاقتها للتدخل في الانتخابات لترهيب الناخبين في المناطق المذكورة، وخصوصاً الذين يسيرون وفق نهج بعض المرجعيات والتيارات السياسية.
وأغرب ما في هذا الامر، انّ هذا التدخّل الذي لا يجيزه أيّ قانون، والذي كان معهوداً في زمن المكتب الثاني، يأتي في وقت ما زال وجه أحد الاجهزة يعاني ندوباً أصابته جرّاء الفضيحة التي كشفتها قضية المسرحي زياد عيتاني والمقدّم سوزان الحاج، وما شابَها من افتراءات وتلفيقات وفَبركات أسقطت الجهاز المذكور في ما هو أبعد من إحراج ولم يقم من ذلك بعد.
لعلّ هذه الصورة، التي تعكس محاولات واضحة للاستيلاء على حرية الناخبين ومصادرة آرائهم وسرقة تمثيلهم بالقوة، والتي تشوّه العنوان الديموقراطي السليم والنزيه الذي يفترض ان تسير وفقه انتخابات 6 أيار، والتي تعكس أداء ميليشياويّاً لبعض الاجهزة بما يشَوّه سمعتها ويحطّ من قدرها وهيبتها، كل هذه الصورة، هي كرة في ملعب المراجع الكبرى لإثبات مصداقيتها وصدق شعاراتها والضغط لوَقف هذه الحالة الشاذّة، ومحاسبة المسؤولين عنها.
وفي هذا الاطار، قال مرجع سياسي لـ«الجمهورية»: «لقد استبشَرنا خيراً في الوصول الى قانون انتخابي جديد، وقد تَوخّينا منه العدالة وأردناه قانوناً يعزّز فرَص التمثيل الصحيح لكلّ المكونات اللبنانية، ويعزّز حرية الناخب في ان يختار من يراه أهلاً لتمثيله بِلا إكراه او ضغوطات. لا نستطيع ان نقول انه القانون المثالي ولكنه افضل الممكن والموجود على أمل تطويره».
اضاف المرجع: «ما نسمعه من مداخلات يقوم بها احد الاجهزة الامنية، او بعض الجهات فيه، من عمليات ترهيب للمواطنين هو أمر مرفوض ومُدان وتَترتّب عليه مسؤوليات وعقوبات».
وإذ أكّد المرجع «وجوب وقف هذا الأسلوب الذي لا مثيل له سوى الانظمة الامنية والاستخباراتية»، حذّر «من انّ الامعان فيه سيدفعنا الى رفع الصوت وتسمية الامور بأسمائها، حيال جريمة ترتكب بحق الناس وحريتهم، وتترتّب عليها حكماً مسؤوليات جزائية ومسلكية وقانونية».
وقال: «ما نسمعه من شكاوى عن ممارسات إكراهية تقوم بها بعض القوى السياسية للضغط على الناخبين في بعض المناطق وتهديدهم، لا يمكن القبول به او السكوت عنه، وهنا المسؤولية تقع على الناس في المجاهرة علناً بكل ما يتعرضون له».
الجدير ذكره هنا انّ شكاوى الناس تترافق مع سرد أمثلة وشواهد عديدة عن هذه الضغوط، كمثل إقالات لبعض الموظفين، وتعيين بدلاء عنهم محسوبين على تلك الجهات، بالاضافة الى تهديد وترهيب بعض رؤساء البلديات، لِحملهم على خيانة بعض المرجعيات السياسية وعدم المشاركة معها في حملاتها الانتخابية، وصولاً الى حدّ التصويت ضدّها في يوم الانتخاب.
وكذلك أمثلة كثيرة حول تسخير بعض المؤسسات الوزارات في خدمة الاهداف الانتخابية، وجعلها حلبات اشتباك دائمة بين القَيّمين على هذه المؤسسات والوزارات، وبين مجموعة من الموظفين تَمّ نَعتهم مؤخراً بالميليشيات، بسبب عدم مُماشاتهم لبعض الصفقات.
الحديث عن ميليشيات الادارة استَفزّ «التفتيش المركزي»، وردّ عليه عبر مصدر بارز فيه بمرافعة هجومية قال فيها: «ميليشيات الإدارة» هم المستشارون والإستشاريون الذين يجتاحون الوزارات، ويقيمون إدارة رديفة، تحلّ محل الإدارة الأصيلة، وتقوم بعملها، وتتقاضى مخصّصاتها من أموال الشعب اللبناني. وهم أولئك الذين يختزلون إدارتهم بشخصهم، ويحذفون مواقع المدراء العامّين، ويلغون تأشيرتهم بتشريعاتهم الخاصة بهم».
اضاف المصدر: «ميليشيات الإدارة هم أولئك الذين يحلّون محلّ مجلس إدارة المؤسسة العامة، وينفّذون مهمة إسقاط القطاع العام، لحساب قطاعاتهم الخاصة. وهم أولئك الذين يتجاوزون حدود سلطتهم المحددة في الدستور، بالسهر على حسن تطبيق القانون في نطاق إدارتهم، فيمدّون هَيمنتهم الى الإدارات الأخرى، لفرض عدم تطبيق القوانين، غير خَجلين من صيغة الإصرار، والتأكيد على مخالفة القوانين».
وختم: «ميليشيات الادارة، هم أولئك الذين ينتحلون صفة ليست لهم، ويصدرون بيانات بإسم إدارات لا علاقة لهم بعملها. وهم أولئك الذين يلتفّون على التكاليف الصادرة عن التفتيش المركزي للتحقيق في إدارات وبلديات، ويهددون لاسترداد هذه التكاليف، بحجة أنّ هذه الإدارات والبلديات هي ملك خاص لأسماء معروفة، وهم أولئك الذين فَرملوا عمل وزارة الدولة لشؤون مكافحة الفساد، وضغطوا على الوزير، ومن تعاون معهم، لتحويلها من وزارة مكافحة الفساد الى وزارة الشاهد على الفساد».