كتبت ليا القزي في صحيفة “الأخبار”:
لم يكتفِ رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، أمس، بإعلان أسماء لائحة «تيار العزم» في دائرة الشمال الثانية (طرابلس والمنية والضنية). فقد كانت أيضاً مناسبة لتحديد الخصم في الانتخابات النيابية، وهو تيار المستقبل. إنها معركة «وجود» وإثبات حضور بالنسبة إلى ميقاتي، على الساحات «السنّية» والشمالية واللبنانية. هدف الرجل أن يكون «الأول» في منطقته، ويُشكّل كتلة نيابية وازنة، قاعدتها طرابلس.
بالهجوم على رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري (من دون أن يُسمّيه)، افتتح ميقاتي كلمته خلال احتفال أمس المزخرف، «يُسانده» تصفيقاً، صديق آل الحريري، «الاشتراكي» توفيق سلطان (أبو راشد). اعتذر ميقاتي من الطرابلسيين على ضيق المكان، بعدما «أُبلغنا أنّ من غير المسموح بالقانون أن نستخدم الأماكن العامة خلال الانتخابات لأغراض انتخابية، ونحن نخضع للقانون». من هذا الباب، أطلق ميقاتي رصاصته الأولى تجاه الحريري: «أذكر أنّه في سنة 2005 عزفتُ عن الترشح للانتخابات النيابية بسبب تولّيّ رئاسة الحكومة، ومن هنا يبدأ تنفيذ القانون».
المسرح يُشبه منصّات عرض الأزياء. ممرّ وسطي وعلى جانبيه وُضعت كراسٍ للحضور. على المنصة الأساسية 10 مقاعد للمرشحين: توفيق سلطان، الدكتور محمد نديم الجسر، الطبيب رشيد المقدّم، الدكتورة ميرفت الهوز (المقاعد السنية في المدينة)، الوزير السابق جان عبيد (المقعد الماروني)، الوزير السابق نقولا نحاس (المقعد الأرثوذكسي)، الدكتور علي درويش (المقعد العلوي)، الدكتور محمد الفاضل والطبيب جهاد اليوسف (مقعدَي الضنية)، والنائب كاظم الخير (مقعد المنية). هي لائحة «الدكاترة»، الذين نودِي عليهم الواحد تلو الآخر لاعتلاء المسرح واتخاذ أماكنهم، بانتظار صعود «مُصمّم» اللائحة، «الحاج نجيب».
أولى ميقاتي خلال تشكيل لائحته أهمية «للنضال التاريخي والخبرة السياسية، لذلك مُعدّل الأعمار كبير نسبياً»، تقول مصادر تيار العزم. «صورة» المُرشح، أدّت دوراً أساسياً، «حتى لو لم يكن يملك كتلة ناخبة وازنة. الاتكال في ما خصّ الأصوات، سيكون على ماكينتنا الانتخابية».
تُحاول المصادر «تشريح» وضع كلّ مُرشح:
ابن «الحركة الوطنية» سابقاً وحامي حمى طرابلس والمرفأ، توفيق سلطان «ترك ترشيحه تأثيراً إيجابياً في صفوف المناخ الوطني والقومي في المنطقة. هو الصورة السياسية للائحة العزم».
«رجل السياسة» الثاني على اللائحة، هو الوزير السابق جان عبيد. عاصر ملوكاً ورؤساء وأنظمة وحكومات عدّة، وعلى علاقات جيدة مع كلّ الطبقة السياسية. الإعلامي أولاً، ارتبط اسمه بكرسي بعبدا الرئاسي، لكنّ ميقاتي يُعوّل عليه للفوز بالمقعد الماروني.
محمد نديم الجسر «هو حفيد مُفتي الشمال». ابن عمّ النائب سمير الجسر، «والخصم الفعلي له بالنسبة إلى الأصوات». ترّشح مرات عديدة، «وكان ينال نسبة مُرتفعة من الأصوات».
رشيد المقدّم، سليل «طرابلس العروبية المقاومة». يُمثل حقبة تاريخية «تعود إلى أيام زعيم حركة 24 تشرين بزعامة فاروق المقدّم».
ميرفت الهوز، هي «العُنصر النسائي الفعّال في المجتمع». ليست الدكتورة «حديثة» على العمل السياسي والاجتماعي، فقد مثّلت طرابلس في المجلس البلدي.
نقولا نحاس من الـ«ثوابت» مع ميقاتي، والخيار الأساسي له، لكنّ رئيس الحكومة السابق كان يُريد أن يتحالف مع مُرشح تيار المردة رفلي دياب عن المقعد الأرثوذكسي. التزام «المردة» مع النائب السابق جهاد الصمد والوزير السابق فيصل كرامي حال دون الاتفاق مع ميقاتي، فكان لا بد للنحاس ابن البيت الميقاتي من أن يكون في صلب اللائحة، وهو الذي يحظى بدعم وازن من العائلات الأرثوذكسية في طرابلس والميناء.
عن المقعد العلوي، رشّح ميقاتي المصرفي علي درويش «ابن إحدى أهمّ العائلات في جبل محسن». لكنّ درويش سيواجه «نقمة» من أبناء الطائفة العلوية، بعدما سحب «مجهولون» منشوراً لزوجته على «الفايسبوك»، تُساوي فيه بين الرئيس بشار الأسد و«داعش».
في الضنية، منذ سنوات طويلة والدكتور محمد الفاضل «يستثمر مع تيار العزم». اختير لقربه من رئيس الحكومة السابق.
أما الطبيب جهاد اليوسف، «فرجل محبوب في الضنية، ولديه خدمات. ينتمي إلى منطقة كانت توالي تيار المستقبل، الذي لم يُقدّم لها شيئاً على الصعيد الإنمائي». لذلك، يُريد تيار العزم من اليوسف أن يسحب أصواتاً من درب «المستقبل»، مع علم مسؤولي «العزم»، أنّه في الضنية «يوجد جهاد الصمد».
في المنية، يُعَوّل تيار العزم على النقمة ضدّ تيار المستقبل، وصورة «المخدوع» التي لبسها كاظم الخير، لتحقيق خرقٍ ما. صحيح أنّه كان هناك «اعتراض على إعادة ترشيح الخير، لكن الطريقة التي تصرّف بها الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري مع نائب المنية، شدّت العصب تجاهه».
حدّد ميقاتي أمس عنوان معركته: «نخوض معركة إثبات الذات». مع اعتقاده بأنّ لائحته لا تخضع للقرار السياسي المركزي، وهي طرابلسية «أصيلة». أعاد تكرار هذه الفكرة أكثر من مرّة، في ردّ على إعلان لائحة تيار المستقبل من بيروت. لم تخل كلمة نائب الفيحاء، كما كلّ السياسيين، من «وعودٍ انتخابية». قال «إن الذي يحق لغيرنا يجب أن يحقّ لنا، والمشاريع التي تُنفذ في مناطق أخرى يجب أن تُنفذ عندنا». الـ«نحن» السحرية، لشدّ عصب الناخبين. يُريد ميقاتي أن يجعل من طرابلس عاصمة اقتصادية، بعدما هُمّشت، مُتناسياً أنّه تسلم رئاسة مجلس الوزراء مرتين. «أقرّت الحكومة 150 مليار ليرة لتنفيذ مشاريع في طرابلس، لكنّ وزير المال في حينه محمد الصفدي عرقلها»، تقول مصادر «العزم» الذي عملت ماكينته الإعلامية أمس على توزيع لائحة بـ«إنجازات» ميقاتي «لِطرابلس» ردّاً على اتهامه بأنّه لم يُقدّم شيئاً لمدينته.