كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
وحده المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد، تعامل معه حزب الله «إستثناء»، وسمّاه خلال مفاوضاته الانتخابية مع حركة «أمل»، بصفته مرشّحاً غير معلن عنه في دائرة بعلبك ـ الهرمل. والواقع أنّ مصطلح «استثناء» يتمّ إدراجه هنا، نظراً لأنّ الحزب قرّر أن يخوض انتخابات 2018 بمرشّحين حزبيّين. وهو أصرّ على تنفيذ قراره هذا، على رغم معارضة قاعدته الاجتماعية ولا سيما في البقاع التي طالبته بتطعيم لائحته بشخصيات مستقلة لها حضورها الاجتماعي والعشائري، خصوصاً أنّ هذه الشخصيات تؤيّد استراتيجية المقاومة التي يعتبرها الحزب جوهر مشروعه السياسي.
في لقاءاته مع فعاليات دائرة الهرمل – بعلبك، شرح الحزب وجهة نظره في شأن اصراره على ترشيح حزبيّين، معتبراً أنّ هذا القرار يجيب على طبيعة التحديات الدولية والإقليمية الشرسة التي يتوقع أن تواجهه في مرحلة ما بعد الانتخابات، وبالتالي فإنّ «على جمهور الحزب أن يقترع لمشروع المواجهة، وليس لأشخاص».
لقد اضطر الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله، لأن يشارك شخصياً في ادارة انتخابات هذه الدائرة، ما يدلّ على أنّ حجم إعتراض إجتماعها على أداء الحزب بتشكيل لائحته فيها، بلغ حدّاً غير قليل. ولا شك في أنّ ترشيح اللواء السيد على لائحة الحزب في دائرة بعلبك ـ الهرمل، اضاف للمعترضين سبباً إضافياً طرحوه في جدالهم مع قيادة «حزب الله»، ومفاده أنه طالما هناك قرار بحصر ترشيحات الحزب بحزبيّين لأسبابٍ تتّصل بتحدّيات المرحلة المقبلة، فلماذا يتمّ خرقه حصراً بجميل السيد، ولا يتم إضافة استثناءات اخرى عليه، كترشيح شخصيات ملتزمة بمشروع الحزب، ولها وزنها داخل البيئة الإجتماعية لتلك المنطقة؟.
واستتباعاً يثير حصر الإستثناء باللواء السيد فقط، ملاحظات اخرى ضمن الاطار نفسه، ومنها أنّ اللواء السيد هو من منطقة زحلة، أي من خارج منطقة بعلبك ـ الهرمل، ما يدعو المعترضين الى طرح اسئلة من نوع: لماذا لم يتمّ ترشيحه عن الدائرة التي ينتمي اليها، في حين يرشّح بدلاً عنه في دائرته (زحلة) شخصية حزبية (انور جمعة). وواضح أنّ هذه الإنتقادات تطرح إعتبارات مناطقية ومحلّية، توصّلاً الى تظهير شكواهم من أنّ الترشيحات التي اعلنها الحزب عن دائرتهم يسودها غير خلل.
وثمّة ميل واسع داخل الكواليس الشيعية المتابعة لملف ازمة الاعتراض داخل القاعدة الاجتماعية على ترشيحات «حزب الله»، لإعتبار أنّ منشأ فكرة ترشيح اللواء السيد، تكمن في رغبة الحزب بالحفاظ على تمثيل «الحصة السورية» داخل المعادلة النيابية الشيعية في لبنان.
ويُقال في هذا الصدد انه خلال المفاوضات بين حركة «أمل» والحزب للتفاهم على تشكيل لوائحهما المشتركة في كل الدوائر المشاركين فيها، برز انتقاد من جانب «أمل» على تسمية اللواء السيد، وطالبت بأن تتمّ تسمية النائب عاصم قانصوه، او أيّ شخصية بعثية أخرى كمرشح عن الحصة السورية على لوائحهما المشتركة. ولكنّ الحزب ابلغ الى حركة «أمل» أنّ قرار تسمية اللواء السيد ليس من «عندياته» بل من دمشق.
كان المطروح بداية ترشيح اللواء السيد في دائرة زحلة التي ينتمي اليها (من بلدة النبي أيلا)، ولكنّ «جوجلة» الحسابات الإنتخابية التي أجرتها ماكينة حزب الله، فضلت ترشيحه عن دائرة بعلبك ـ الهرمل.
وتمّ طرح اكثر من تعليل لهذا القرار، منها أنّ اللواء السيد بما يملكه من ميزات شخصية، يمكن له أن يقوم بدور نشط في لعبة تسهيل عملية اقناع المعترضين في البقاع على تشكيلة لائحة الحزب، خصوصاً أنه من خلال عمله الطويل على رأس الأمن العام، نسج علاقات تفاعل في تلك المنطقة التي طالما كانت تقصده للتظلّم من كثرة الوثائق الصادرة في حق أبنائها عن الأجهزة الأمنية.
أضف الى أنّ الحزب توقّع أنّ ترشيح اللواء السيد عن هذه الدائرة سيلبّي حاجة معنوية لديها، وسيطرحه بصفته شخصية «سياسية زعامية» قادرة لدى وصولها الى مجلس النواب على متابعة قضاياها داخل الدولة بقوة.
ولكن كل هذه التكهنات الإيجابية واجهت إعتراض فاعليات المنطقة التي نظرت الى معنى ترشيح السيد – وليس بالضرورة الى شخصه – من منظار أنّ هذا الترشيح هو دليل اضافي على أنّ الحزب لم يراع في ترشيحاته في منطقة بعلبك ـ الهرمل خصوصياتها الاجتماعية، وأنه ليس فقط رفض تسمية غير حزبيين لتمثيلها على لائحته، بل إنه حينما كسر قراره، وسمّى غيرَ حزبيّين، فإنه فرض عليها شخصية من خارج منطقتها.
وبحسب مصادر فاعليات بقاعية، فإنّ نقل ترشيح السيد من زحلة الى بعلبك ـ الهرمل، تقف وارءه حساباتٌ ذات صلة «بترشيد ادارة الصوت الشيعي التفضيلي في الدوائر الانتخابية كافة»، ففي زحلة يملك الحزب حاصلاً تفضيليّاً شيعيّاً مضمون لمرشحه (نحو 17 الف مقترع)، أما في دائرة بعلبك ـ الهرمل التي فيها خمس نواب شيعة، فليس مضموناً ضمن اجواء الاعتراض الحالية، أن لا يتم خرق واحد من المرشحين الخمسة على لائحة الثنائي الشيعي.
وبما انّ معركة هذه الدائرة تحتّم إستخدام كل طاقة الماكينة الانتخابية والسياسية للحزب فيها، لمنع حصول اختراق المرشح الشيعي الخامس، فإنه تم اعتبار انّ ترشيح اللواء السيد في هذه الدائرة سيخفف عن ماكينة الحزب فيها عبء تأمين الاصوات التفضيلية له، اذ ستضطلع دمشق بهذه المهمة وذلك من خلال تأمين نحو سبعة آلاف صوت تفضيلي له من الشيعة اللبنانيين القاطنين في قرى منطقة القصير السورية الذين ينتخبون في دائرة بعلبك ـ الهرمل. وبهذا المعنى فإنّ الحزب ومعه حركة «امل»، سيركّزان جهدهما لحشد الاصوات لمصلحة اربعة مرشّحين شيعة بدلاً من خمسة.
عام 2009 تمّ الإستنجاد باصوات شيعة منطقة القصير، لتأمين فارق نجاح مرتفع للائحة «الثنائي الشيعي» في دائرة بعلبك ـ الهرمل. ولكنّ ظروف المعركة آنذاك لم تكن تحتاج لحشدهم على نحو استثنائي. ولكن في ظروف المعركة الحالية التي يواجه فيها الثنائي إحتمال خرق لائحته بمرشّح شيعي، يبدو انّ الحزب قرّر ترك مصير فوز المرشح الخامس على لائحته، أي اللواء السيد، على عاتق جهد مضمون تقوم به «ماكينة دمشق» في 6 أيار عبر نقل نحو 7 آلاف صوت تفضيلي من شيعة القصير الى صناديق إقتراع دائرة بعلبك ـ الهرمل ليضعوا علامة «صح» الى جانب صورة السيد.