كتب صلاح تقي الدين في صحيفة “العرب” اللندنية:
رغم أن قانون الانتخابات الجديد الذي ستخوض من خلاله القوى السياسية اللبنانية الاستحقاق المقرر في السادس من ايار المقبل يريح ما اصطلح على تسميته بـ”الثنائي الشيعي” المكوّن من حزب الله وحركة أمل، حتى أن البعض ذهب في استنتاجاته بعد المخاض الطويل الذي مرّ به إقرار القانون، إلى أنه من صنيعة حزب الله تحديدا، إلا أن هذا القانون الذي يعتمد النسبية للمرة الأولى في تاريخ لبنان، نسبية مشوّهة بفعل إضافة الصوت التفضيلي كأساس لاحتساب نتائج الربح والخسارة، يسبب قلقا حقيقيا لحزب الله من النتائج المتوقعة لهذه الانتخابات وخاصة في دائرة بعلبك – الهرمل، المعقل الرئيسي للحزب والخزان البشري له.
أسباب ذلك عديدة، على رأسها وجود نقمة عارمة على أداء الحزب في المرحلة الأخيرة، والامتعاض الذي لا يتوانى أهالي المنطقة عن المجاهرة به نتيجة تقاعس نواب الحزب وممثلي المنطقة عن القيام بأدنى “واجبهم” في تأمين الخدمات لهم.
ماذا عن غضب الشيعة على حزب الله
لأنّ هذه النقمة بدأت بالتصاعد والخروج إلى العلن، ولأن النسبية المعتمدة في القانون الانتخابي تتيح تمثيل جميع شرائح المكون الاجتماعي والسياسي اللبناني، فقد أقدمت بعض الشخصيات الشيعية اللبنانية المستقلة والمعارضة للثنائية على تقديم ترشيحاتها إلى الانتخابات في المناطق التي كانت تعتبر حكرا على الثنائي الشيعي.
وخرجت إلى العلن أسماء عديدة، لعلّ أبرزها اليوم الشيخ عباس الجوهري، رجل الدين الشيعي وابن منطقة بعلبك الهرمل والذي يشكّل أحد أسباب قلق الثنائي الشيعي في المعركة المنتظرة في دائرة بعلبك – الهرمل، ولربّما هي المرة الوحيدة التي يكون فيها حزب الله على هذا القدر من الإرباك نظرا للأصوات المعارضة لسياسة الثنائي حتى في داخل بيئة الحزب والتي تعبر عن وجع الشارع في هذه المنطقة المهملة.
اندفع حزب الله إلى استعمال كل أسلحته الدفاعية لمهاجمة كل هذه الأصوات التي تنادي بالإصلاحات إلى درجة أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لجأ وكالعادة إلى اتهام من يعارضون الحزب بأنهم من أتباع “النصرة وداعش”. وأضاف القول “لن نسمح لهم بأن يمثلوا المنطقة في المجلس النيابي”.
حرب أخرى في لبنان
نقمة عارمة تجتاح بعلبك الهرمل معقل حزب الله وخزانه البشري، على أداء الحزب في المرحلة الأخيرة، يواكبها امتعاض لا يتوانى أهالي المنطقة عن المجاهرة به نتيجة تقاعس نواب الحزب وممثلي المنطقة عن القيام بأدنى واجباتهم.
يولي نصرالله أهمية قصوى للمعركة في دائرة بعلبك -الهرمل، حيث يتابع الأمين العام لحزب الله شخصيا إدارتها، حتى أن بعض المعلومات تتحدث عن توجهه إلى البقاع للإشراف عن كثب على هذه المعركة.
وبعكس الدوائر الأخرى، التي لا يضغط فيها الحزب على أي من حلفائه، فإن دائرة بعلبك – الهرمل لها خصوصية، سيما وأن “القوات اللبنانية” و”تيار المستقبل” لم يجتمعا إلا فيها لتحقيق خروقات في لائحة الحزب ويمكن أن يكون الشيخ الجوهري أحد الأسماء على اللائحة المشتركة التي يتم البحث في تشكيلها.
من هو الشيخ الجوهري، الصوت الشيعي المسموع في المنطقة والذي شكّل كل هذا الإرباك للثنائي الشيعي وتحديدا لحزب الله؟
يشغل الجوهري منصب رئيس اللقاء العلمائي ورئيس المركز العربي للدراسات والحوار. وبسبب معارضته لسياسة حزب الله ودعوته إلى الانفتاح على العالم العربي، ولأنه على الأخص عارض علنا مبدأ “ولاية الفقيه”، فقد أطلق عليه من قبل “محور المقاومة” تصنيف “شيعة السفارات”، وهو اللقب الذي أطلق على مجموعة من الوجوه الشيعية البارزة التي تتعاطى الشأن العام، وتعارض سياسة الثنائي الشيعي المهيمن على قرار الطائفة بوهج السلاح الذي تملكه لـ”مقاومة إسرائيل”، وتتضمن أسماء مثل الصحافي علي الأمين والصحافي مصطفى فحص والمحامي أحمد الأسعد والباحث لقمان سليم وآخرين.
كان رد الشيخ الجوهري على اتهامات نصرالله جريئا ولافتا، كمن يصب الزيت على النار، فقد قال إن “كل الخطابات الإقناعية في بعلبك الهرمل فاشلة بامتياز، لأن أهل البقاع لم يعترضوا يوما على نصرالله والمقاومة، إنما على أداء نوابه ووزرائه الذين تعالَوا واستكبروا على شعبهم، فأخذتهم العزة بالإثم ليتهموا الناس بخيارات داعش والنصرة”.
إطلاق تهم العمالة والتخوين ليس جديدا على حزب الله، فهي سياسة لطالما اتبعها، وتشبه لا بل تكاد تتطابق مع سياسة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن “أنت معنا أو ضدنا”.
لكن هذا الأمر لا يقلق الشيخ الجوهري، فهو مصمّم على المضي في ترشيحه، غير أنه في الوقت نفسه يشدّد على أنه “لا يترشح ضد المقاومة” فلديه شقيق “شهيد” في المقاومة ضد إسرائيل، لكنه يعتبر أن “مشاركة حزب الله، في الحرب في سوريا إلى جانب بشار الأسد، خطيئة تاريخية واستراتيجية، كما أنها مستنكرة ومدانة”، مؤكّدا أن “الحزب خرج عن السياق الطبيعي للمذهب الشيعي، والقائم على الخروج على الظالم ونصرة المظلوم”.
مرشح عن السنة والمسيحيين أيضا
يؤكّد الشيخ الجوهري على أنه “لا أحد يريد أن ينصاع لسفارات، بل على العكس سوف نخرج في القريب أدلّة من فم الحزب، تؤكدّ أنه ينسّق مع المخابرات الأوروبية ويتبادل المعلومات، وليس نحن من نعمل مع السفارات، وعليه الكف عن إطلاق اتهامات التخوين والعمالة بحق كل من لا يؤيد وجهة نظره”.
يحاول اليوم تشكيل لائحة اعتراضية على أداء حزب الله في الدائرة، وحتى ضمن البيئة الحاضنة للحزب، مؤكدا أن نقطة الضعف في لائحة الثنائي الشيعي، أنها لم تراع متطلبات ورأي قاعدتهم الشعبية، وبالتالي يشير الشيخ الجوهري إلى أنه من الواضح أن “حزب الله يواجه مشكلة بروز أصوات اعتراضية في بيئته، والمشكلة الأكبر لديه تتمثل بكيفية معالجة هذه المشكلة التي ليست وليدة اللحظة إذ بدأت ملامحها تبرز منذ الانتخابات البلدية، حيث أنها من أكثر الدوائر التي شهدت تزويرا في العملية الانتخابية وفي النتائج”.
الأكيد أن ترشيح حزب الله للواء المتقاعد جميل السيد على لائحته أضاف المزيد المشكلات التي يعاني منها أصلاً في مسألة التمثيل، فالسيد ليس من أبناء المنطقة، كما أن ترشيحه جاء، وهذا هو الانطباع العام السائد، تلبية لطلب النظام السوري في دمشق، وهذا أدّى إلى امتعاض كبير لدى أبناء الطائفة الشيعية أولاً، ولدى الناخبين السنة والمسيحيين في الدائرة الذين يحتفظون بأسوأ الذكريات عن السيد والذين بالتأكيد لن يمنحوا اللائحة أصواتهم بسبب وجوده عليها.
لكن المشهد الانتخابي لدى المعارضة الشيعية في هذه الدائرة تحديدا يبدو غير واضح حتى الساعة، رغم أن الشيخ الجوهري أكّد أن “80 إلى 90 بالمئة من التواصل لإنجاز التحالف الذي ينبع من نظرة واقعية لواقع الحال في بعلبك – الهرمل من حيث التوزيع السكاني والمذهبي قد تمّ”، لافتا إلى أن “40 ألف صوت سنّي و40 ألف صوت مسيحي مزاجهم ليس مع تسلّط حزب الله على القرار السياسي في المنطقة”.
ويعتبر الشيخ الجوهري أنه يمثّل المصلحة العامة لأبناء المنطقة المحرومين من كل التقديمات التي ينبغي على الدولة تقديمها وليس على حزب الله أن يحلّ مكانها، ويعد بأن الإنجاز سوف يخرج بمفاجأة وهم يتلمسون ذلك وما صراخهم سوى دليل كبير على الأزمة التي استطعنا أن نخرجها إلى الضوء.
غير أن الطامة الكبرى بالنسبة لحزب الله هي احتمال أن يلجأ الشيخ الجوهري ومجموعة من المعارضين معه إلى التحالف مع القوات اللبنانية، وهذا خط أحمر بالنسبة إليهم، لكن الجوهري يشرح ذلك، مؤكّدا أن “المرشح الماروني على لائحتنا هو نتاج بيئة البقاع وكل القرى المسيحية بغض النظر عن كونه منظّم إلى القوات اللبنانية”.
تعاني منطقة بعلبك – الهرمل من الحرمان الإنمائي الذي سعى حزب الله إلى الالتفاف عليه من خلال احتواء موجة الاعتراضات المتصاعدة، بالإعلان على لسان مسؤوليه عن حجم الخدمات وقيمتها التي قدمت للمنطقة، وكان آخرها من وزير الصناعة حسين الحاج حسن مؤخراً، حيث قال إن أداء نواب ووزراء كتلة الوفاء للمقاومة وتكتل بعلبك – الهرمل في المجلس النيابي واللجان النيابية والحكومة، يشيد به الخصوم قبل الحلفاء، وإن “قيمة ما تم تنفيذه في مشاريع البنى التحتية في بعلبك – الهرمل، بلغت خلال 8 سنوات 780 مليون دولار”.
الصورة العامة لدى متابعي حركة الشيخ الجوهري تعكس أن ترشيحه يأتي بمثابة عمل “انتحاري”. وكل تحركاته في السابق توحي بأنه يسلك هذا النهج، لكن الشيخ المنفتح والمصمم والعنيد يعتبر أن ترشّحه “نوعٌ من العمل الفدائي”. ويقول الشيخ عباس الجوهري “لست منتحرا، فإذ وجدت من هو أفضل منّي سأتراجع عن ترشيح نفسي. نحن تعاهدنا أن نكون بهذه الروحية، ونريد أن نقيم معركة ليس للشخصانية أي مكان فيها”.