كتبت صحيفة “الأخبار”:
في أول حوار لقائد «أنصار الله» السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي مع صحيفة غير يمنية منذ اندلاع الحرب السعودية على بلاده، لا أثر للسياسة ــ بمعناها المتعارف عليه عربياً ــ التي يمكن أن تغيّر قائداً فتسجنه خلف أقفال مواقف تكثر فيها المواربات والحسابات. لدى الرجل، الذي «لا يسكن الكهوف»، شجاعة نادرة تجاه المواقف المحلية والخارجية، تحاكي «نقاء ثورياً» لا يزال يظلل «قائد المسيرة القرآنية» وفق ما يصفه مريدوه. يخالف القائد الشاب التوقعات ولا يتردد في انتقاد موسكو بوضوح، ولا يتثاقل في أجوبته بالمواقف المدروسة المحسوبة تبعاتها بمثقال المصالح الضيقة. يهدر بالإجابة على أكثر الأسئلة إحراجاً بلغة تشبه صرخات مقاتليه الحفاة في جبال اليمن. ويؤكد قائد المعركة بوجه العدوان الأعنف على بلاده اليوم أن وعده لقائد المقاومة في لبنان ليس كلام مجاملة، وأن «آلاف المقاتلين من أبناء القبائل متشوقون للقتال ضد إسرائيل» إن أقدمت على أي حماقة، كاشفاً عن دور مباشر لتل أبيب في الحرب على بلاده، واهتمام إسرائيلي بالجبهات المطلة على البحر الأحمر. وبرغم ثلاث سنوات من القتال والحصار والتضحيات الجسام، لا تزال الثقة لدى زعيم الحركة اليمنية عارمة بالنصر وإن تأخر، وبأن مساعي السعودية لن يكون لها مصير غير الفشل، كالحال التي آلت إليها سياسات المملكة في سوريا والعراق. في مواقف الرجل حرص بيِّن على وضع المعركة التي يخوضها في سياق مواجهة الهجمة الأميركية الغربية على المنطقة. يصرّ على «توحّد الأمّة» ومقاومتها، مكثّفاً مصطلحاته «الثورية» التي لا تفارق خطاباته، وكأنه يؤكد أن «الخذلان» عربياً ودولياً لليمنيين لم يغيّر هويتهم المقاوِمة، التي كانت سبباً من أسباب الحرب عليهم، كما يقول في الحوار مع «الأخبار»، ولا يأبه في الوقت نفسه باتهامات الأنظمة العربية الجاهزة حول التبعية للخارج. يسخر القائد الشاب من «أوهام» ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حول عزل حركة «أنصار الله» في خريطة اليمن السياسية والشعبية، في الوقت الذي يخاطب فيه باقي المكونات اليمنية بلغة متواضعة لا تدّعي الاستئثار بالبلاد ومصيرها، وتدعو إلى الشراكة في بناء الدولة
بعد مرور 3 سنوات على اندلاع العدوان، كيف تصفون وضع السعودية، من جهة، ووضع «أنصار الله» واليمن عموماً من جهة أخرى؟ ألم تصبح الحركة معزولة يمنياً، كما صرح ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قبل أيام؟
بمرور ثلاثة أعوام منذ بداية العدوان الأميركي السعودي على دولة عربية مسلمة مستقلة اسمها اليمن، فإن الحديث ذو شجون وله جوانب كثيرة، في مقدّمتها مظلومية الشعب اليمني التي لا نظير لها في المرحلة الراهنة، والتي وصلت إلى درجة أن المؤسسات الدولية – الأميركية الهوى والولاء – ومنها الأمم المتحدة ومنظمات أخرى، عُرِفَ عنها أنها صمّاء بكماء عمياء تجاه مظالم أمتنا. وهي باتت اليوم تعترف بعظم مظلومية الشعب اليمني، وبأنها تمثل اليوم أكبر كارثة ونكبة على وجه المعمورة. فالاستباحة كانت السِّمة التي اتّسم بها العدوان الأميركي السعودي، لاطمئنانه تجاه المواقف الدولية والإقليمية أنها ستداهن لاعتباراتها المعروفة، وأيضاً لتجرّده من القيم الإنسانية، وأيضاً لفشله وإخفاقه في تحقيق أهدافه العسكرية بطريقة نظيفة، فعمد إلى الممارسات الوحشية ليجعل منها أسلوباً في عدوانه، آملاً أن يساعده ذلك في كسب المعركة وتحقيق هدفه في احتلال اليمن كل اليمن، فلم يتحرّج عن قتل الآلاف من الأطفال والنساء والمدنيين في المدن والقرى بطريقة وحشية تتّصف بالإبادة الجماعية، حيث استهدف الأسواق المزدحمة بالمتسوقين، واستهدف تجمعات المدنيين في المناسبات الاجتماعية كالأعراس والعزاء وغيرها، واستهدف الأحياء المكتظة بالسكان، واستهدف المدارس والمساجد وغير ذلك. وقد نشرت وسائل الإعلام عندنا في اليمن، والحرّة منها في المنطقة، مشاهد موثقة تعبّر بنفسها عن حجم المأساة وفظاعة الجريمة، ومع ذلك لم يتحرك ضمير البعض حتى ليقول كلمة الحق تجاه مظلومية شعب من شعوب المنطقة، تربطه ببقية شعوب المنطقة كل الروابط الإنسانية والدينية والقومية والجغرافية.
وإلى جانب العدوان العسكري، لم يَقِلّ عنه العدوان الاقتصادي بالحصار الجائر الرامي إلى خنق أبناء شعبنا وتقييد حركتهم، بمن فيهم المرضى الهادفون إلى السفر حتى إلى بلدان أنظمتها متحالفة مع العدوان كمصر والأردن للعلاج، وفرض القيود على وصول الإمدادات والاحتياجات الضرورية الإنسانية كالغذاء والدواء والوقود، والمؤامرة على البنك المركزي، وضرب قيمة العملة، والسعي لتجفيف موارد المرتبات التي يعتاش عليها موظفو الدولة، وكل أشكال الاستهداف الرامية إلى تجويع الشعب اليمني، مع تدمير المصانع والكثير من المحلات التجارية والمنشآت الخدمية. ومع كل ذلك، بقي شعبنا اليمني بكل أحراره من مختلف المكونات الحرة، وبجماهيره، صامداً وثابتاً بعون الله تعالى وتوفيقه ونصره، وساعياً إلى التصدّي للعدوان في كل أشكاله وجوانبه، بما أدهش قوى العدوان التي كانت واثقة من أن حجم العدوان وما ألحقه بالشعب اليمني كفيل بانهيار الشعب واستسلامه في غضون أسابيع. ونجح شعبنا بالتماسك الداخلي سياسياً، فلم تنهر مؤسسات الدولة ولا البنية السياسية ولا المكوّنات الاجتماعية، وبالصمود عسكرياً في وجه شذّاذ الآفاق الذين أتت بهم قوى العدوان لغزو البلد من عشرات الدول من المرتزقة، جيوشاً وجماعات ومنظمات، وبوجه الآلة العسكرية والتقنيات الحربية الحديثة والإمكانات المتطورة التي أتى بها الأميركيون إلى المنطقة، ويديرون بها المعركة التي تستخدم فيها قوى العدوان الأسلحة المحرّمة دولياً، وبشكل مكشوف، وبشهادة الكثير من المنظمات، بما فيها منظمات غربية.
واليوم، بعد ثلاث سنوات، فإن شعبنا العزيز يقاوم بعنفوان وفاعلية كبيرة، ويتصدّى باستبسال وصمود عظيم لهذا العدوان الغاشم، ويطور قدراته العسكرية لدرجة أذهلت الأعداء الذين كانوا قد أعلنوا في بداية العدوان تدميرهم الكلّي للقدرات العسكرية لبلدنا، وإعلانهم ذاك موثق إعلامياً، فإذا بالنتيجة أنهم كلما استمروا في عدوانهم، ابتنت وتطورت قدرة بلدنا العسكرية، وكلما تآمروا عليه في الداخل، أسهموا بذلك في تصحيح وضعه الداخلي بشكل أفضل، وتنظيفه من بقيّة الخونة والمتربّصين، وإن شاء الله يتوفّق شعبنا لتحويل التهديد إلى فرص، والتحدي إلى إنجاز. أما وضع السعودي، فهو بحماقته بهذا العدوان ورّط نفسه في متاهة أودت به نحو السقوط الأخلاقي والإنساني أولاً، ونحو الأزمات والمشاكل السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية التي تتفاقم يوماً إثر يوم ثانياً، ومآلاتها بلا شك وخيمة عليه. وكما فشل في سوريا والعراق، كذلك النتيجة في اليمن والبحرين بإذن الله، فإرادة الله هي لمصلحة عباده المظلومين، والعاقبة للمتقين. أما السعودي، فهو في مرحلة الاستنزاف غير المسبوق من قِبَل من يعمل لأجلهم، وفي سبيل التقرب إليهم بكل شيء، وهو بنظرهم ليس أكثر من بقرة حلوب كما عبّر ترامب، يحلبونها حتى يجفّ ضرعها ثم يذبحونها، وهل هناك أسوأ من وضعٍ كهذا ومن مصير رُسمت معالمه ونهايته على هذا النحو؟! أما أنصار الله، فليست مشكلة العدوان تخصهم، بل هي مع الشعب اليمني بكله، وهم ليسوا منظمة منعزلة، بل هم تيار شعبي كبير مترابط مع بقية أبناء الشعب ضمن توجه واحد وموقف واحد، ومتى كان الشعب اليمني معزولاً يمنياً كما قال ابن سلمان؟! هذه مقولة فارغة.
معظم المؤشرات تفيد بتحضيرات يقوم بها تحالف العدوان لإطلاق عمليات عسكرية جديدة على الساحل الغربي، هل لديكم كـ«أنصار الله» التقديرات نفسها؟ وما هي استعداداتكم لمواجهة احتمالات من هذا النوع؟
المعركة في الساحل أتت برغبة أميركية، فمعروف عن الأميركيين تركيزهم الكبير على البحار والمناطق الساحلية، ومن المعلوم تركيزهم في المنطقة على البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، وهم يدركون الأهمية الجغرافية والاستراتيجية لها، وقد رأوا في العدوان الحالي على بلدنا فرصة ذهبية للسعي إلى السيطرة عليها بقناع سعودي وإماراتي، وقفّازات يمنية من خونة البلد ومرتزقتها. وفي الأيام الماضية، صدرت تصريحات عن عسكريين أميركيين تكشف طبيعة الدور الأميركي في معركة الساحل. ويهمّني أيضاً أن أوضح أيضاً التركيز الإسرائيلي على باب المندب والبحر الأحمر، وهذا معروف لدى الكثير من الباحثين والمراقبين للشأن الإسرائيلي، ونحن رصدنا أنشطة ومشاركة للإسرائيليين، منها في القصف الجوي في الساحل، ولهم أيضاً دور أساسي مع الضباط الإماراتيين في التخطيط وغيره من الأنشطة التي يشاركون فيها ضمن دورهم ومساهماتهم في هذا العدوان.
أما من جانب شعبنا اليمني، فلم تَزِدْه هذه العمليات من الغزاة إلا وعياً بحقيقة أطماعهم، وسوء أهدافها، وقناعةً بموقفه وحتمية مقاومته وجهاده ضد المعتدين الغزاة المحتلين، وهو ماضٍ في معركة التحرر والتحرير والاستقلال والدفاع عن حريته وكرامته واستقلاله وأرضه في كل ربوع الوطن، في الساحل وفي مختلف الجهات من شرق البلاد إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، ويسعى أيضاً إلى تحرير البلاد من المحتل بدعم أبناء المناطق المحتلة ومساندتهم إلى حين طرد المحتل الأجنبي إن شاء الله، ويوماً إثر يوم تتكشّف الحقائق لبعض المغفّلين الذين تورّطوا في الخيانة، أو كانوا حالمين وتائهين وراء السراب، يظنون أن الغزاة الأجانب أتوا فقط لخدمتهم والعناية بهم، واليوم ما هو الواقع لديهم؟ وصل الأمر لدرجة اعتقال بعض الذين يسمّونهم «وزراء»، وكذلك إخضاع عبد ربه للاحتجاز والإذلال، والاحتلال المكشوف والتحكم التام بالمطارات والموانئ والقواعد العسكرية والمنشآت النفطية والاقتصادية وغيرها في المحافظات الجنوبية من قبل الأجانب، وتحوّل أولئك العملاء إلى غرباء في بلدهم خاضعين للأجنبي المحتل بشكل كامل.
بالنسبة إلى الجبهة الحدودية مع السعودية، هل يمكن الحديث عن سيطرة دائمة وثابتة على مساحات من نجران وجيزان وعسير؟ وكيف تخططون لاستثمار إنجازاتكم على تلك الجبهة؟
هناك سيطرة مستمرة في الجبهات الحدودية للضغط على السعودي لوقف العدوان، وهناك أيضاً عمليات عسكرية للرد على جرائمه بحق شعبنا، وقد أسهمت العمليات العسكرية في جبهات جازان وعسير ونجران وظهران الجنوب في التصدي للعدوان بشكل كبير وفعّال، ووصلت إلى درجة انهيار تام للجيش السعودي في بعض المحاور، وتكبيده خسائر هائلة في قوته البشرية التي خسر منها الكثير من قادته وضباطه وأفراده قتلى وجرحى وأسرى، ووصل إلى درجة العجز عن المواجهة في أغلب محاور الحدود، وقد وثّق الإعلام الحربي مشاهد ممتازة لبطولات الجيش واللجان الشعبية في اقتحام المواقع العسكرية للجيش السعودي، ومطاردة ضباطه وجنوده، وتدمير معداته العسكرية. ونشير هنا إلى أن كثيراً من منتسبي الجيش السعودي غير مقتنعين بالعدوان على بلدنا، وهذا واحد من أهم أسباب عدم تحمّسهم الكبير للقتال، وأما الأغبياء منهم المتحمّسون للعدوان فكانوا فاشلين في الصمود في المواجهة برغم أحقادهم وتكبّرهم، وقد سخر حتى مسؤولون أميركيون من ضعف القوة البرية السعودية. وتقييمنا نحن للوضع وحقيقة الأسباب هو هذا التصنيف الذي شرحناه. وأخيراً، عمد النظام السعودي إلى جلب مرتزقة من عدة بلدان، بينهم مرتزقة يمنيون وسودانيون وباكستانيون ومن دول متعددة، للتمترس بهم في الجبهات الحدودية بعد وصوله إلى الفشل الحقيقي والعجز التام في الاعتماد على جيشه في المعركة هناك، وهذا يدل على الفاعلية الكبيرة والنجاح المؤكّد لعملياتنا هناك، والله خير الناصرين.
على مستوى قدراتكم الصاروخية، هل نتوقع مفاجآت جديدة إذا طالت الحرب أكثر؟ وما هو المعيار الذي تُوقِّتون على أساسه ضرباتكم الباليستية؟
تطوير القدرات الصاروخية مستمر، باعتبارها قوة استراتيجية، ويداً طولى تطاول الأهداف البعيدة في عمق مناطق العدو، ولها الصدى والتأثير الكبير، وقد وصلت إلى الرياض وإلى منطقة أبو ظبي، والأهم في ذلك أنها نجحت في اختراق منظومة الحماية الأميركية التي كانت محطّ ثقة لديهم، ووصول «بركان 2» إلى قصر اليمامة في الرياض، وينبع بمسافة أبعد، وهو ما اعترف به الأميركيون أنفسهم. وأخيراً، أقاموا ــ غير مشكورين ــ معرضاً لصاروخ «بركان 2» في الولايات المتحدة، ومن الجيد لنا هذا القلق والتأثير ــ عندهم وعند أدواتهم في المنطقة ــ من قدراتنا الدفاعية التي نأمل بعون الله أن تصل يوماً ما في فاعليتها ودقتها وزخمها إلى مستوى الردع. فمن المهم لنا العمل بكل ما نستطيع للدفاع عن بلدنا وحماية شعبنا من قتلة الأطفال والنساء، ومن المهم بالنسبة إلينا امتلاك القدرة اللازمة لمواجهة كل معتد وطامع بأرضنا ومتكبر على شعبنا، وهذا حق طبيعي لنا، ولا سيما أنه اتضح أن هناك من يسعى وسعى فعلاً إلى تدمير بلدنا واحتلال أرضنا. أما توقيت الضربات فتتنوع أسباب التوقيت بين سياسية وعسكرية، وكذلك للانتقام للمدنيين إثر جرائم العدوان الكبيرة، والهدف واحد وهو السعي للضغط على المعتدين لوقف عدوانهم على بلدنا.
هل أنتم متفائلون بإعادة تنشيط المسار السياسي؟ وهل ثمة مبادرة جدية معروضة عليكم اليوم؟
لا توجد لدينا مؤشرات حالياً على توجه جادّ من جانب الخارج نحو الحل السياسي، مع وجود احتمال لقيام بعض التحركات كعملية تجميلية للوجه القبيح للأمم المتحدة، التي ظهر دورها على أنه منحصر في تأمين غطاء للعدوان، ومحاولة شرعنته وتبريره. فأحياناً تنطلق بعض التحركات والمساعي الخجولة والضعيفة والتصريحات (الإعلامية) للتغطية على التواطؤ السلبي والانحياز المفضوح إلى العدوان. والحقيقة أن أميركا وبريطانيا هما طرفان مستفيدان في العدوان، ويجنيان من خلاله مئات المليارات من الدولارات، إضافةً إلى مكاسب سياسية وجيوسياسية وغير ذلك، ولا رغبة لهما في وقف العدوان بعدما أصبح مصدراً مغرياً جداً للحصول على تلك المصالح.
ما سقف التنازلات الذي يمكنكم القبول به، خصوصاً في ما يتصل بالسلاح؟ بمعنى آخر: هل أنتم مستعدون لتسليم أسلحكتم، الثقيلة على الأقل، إلى طرف ثالث يمكن أن يُتّفق عليه عبر المفاوضات؟
من العجيب أن يُطلَب من الجيش والشعب اليمني المعتدى عليه، والمحتلّة أجزاء واسعة من أراضيه، تسليم أسلحته، هذا مطلب غير منطقي بتاتاً. لقد عرضنا في ما يخص الوضع الداخلي للبلد رؤية منصفة، تقضي بأن تُسلِّم كل الأطراف المحلية سلاحها إلى الدولة، على أن تكون الدولة فعلاً بمؤسسات تمثّل أبناء الشعب اليمني كافة، في ظل سلام واستقرار وتسوية سياسية عادلة ومنصفة.
كثير من منتسبي الجيش السعودي غير مقتنعين بالعدوان
فالمشكلة اليوم في السلاح أن قوى العدوان قامت بتسليح «داعش» و«القاعدة» وجماعات تكفيرية وميليشيات أيضاً أطلقوا عليها اسم «المقاومة»، وهي ميليشيات تقاتل مع العدوان وتساعده لاحتلال البلاد، ومكونات أخرى تحت عناوين متعددة وفّرت لها قوى العدوان مختلف أنواع السلاح الحديث مما لا يمتلكه الجيش والقوى الحرّة والمقاتلون الأحرار من القبائل ضد العدوان للتصدي للغزو والاحتلال. وهذا ما ينبغي اعتباره مشكلة كبيرة على أمن البلد واستقراره، وعلى البلدان المجاورة كسلطنة عمان وغيرها. ولذلك، فالتركيز على تجريد الجيش اليمني المدافع عن بلده من سلاحه، وفي نفس الوقت تسليح «داعش» و«القاعدة» وسائر الجماعات التكفيرية والميليشيات الموالية للعدوان مطلب عدواني لا غير.
كيف تقرأون أداء الإدارة الأميركية الجديدة في الملف اليمني؟ وهل صحيح أن الرئيس باراك أوباما، ووزير خارجيته جون كيري، كانا يملكان رؤية مغايرة لرؤية دونالد ترامب، وهي رؤية أقل انخراطاً في هذا الصراع؟
الفارق برأينا أن إدارة ترامب أكثر وضوحاً وأكثر استغلالاً من إدارة أوباما، التي كانت تحرص على أن تغطّي إلى حدٍّ ما على طبيعة الدور الأميركي بغطاء من الدبلوماسية، فأتى ترامب ليكون أكثر صراحةً ووضوحاً، وباعتبار طبيعة الأجندة الأميركية ومراحلها يكون سلوك الإدارة لديهم بما يتناسب مع ذلك. تَميَّز ترامب في نجاحه في عملية حلب البقرة الحلوب أكثر من إدارة أوباما، وإلا فإدارة أميركا للعدوان كانت منذ بدايته، ولم تكن السلطة السعودية ولا الإماراتية لتدخل في حرب وعدوان بهذا المستوى دون رغبة أميركية وإشراف أميركي وحماية أميركية سياسية وعسكرية، على أن يكون مُحقِّقاً لمصالح أميركية.
على خلاف الملف السوري، لا تظهر موسكو خصومة للمشروع الأميركي في اليمن، كذلك إن علاقة «أنصار الله» بروسيا تبدو ملتبسة. أين يقف الروس برأيكم من هذه الحرب؟ وهل ثمة تواصل معهم؟ وهل أُبلغتم بعودة السفارة إلى صنعاء؟
للروسي حساباته واهتماماته وسياساته، ولسنا مراهنين عليه ولا معوّلين عليه. ولعلّه يدرك في يوم من الأيام أن تجاهله للعدوان على اليمن، ومساندتَه لقوى العدوان، وتسليمَه أموال الشعب اليمني إلى المرتزقة، لم يكن موقفاً لصالحه. ولعلّ نيران الأميركي توقظ الدب الروسي من سباته الشتوي الذي امتد إلى الصيف، وكنا نتمنى من الروسي في الحد الأدنى التزام الحياد.
كيف توصّفون التقارب المتسارع بين الدول الخليجية وإسرائيل؟ وما المطلوب اليوم من وجهة نظركم إزاء مشروع «صفقة القرن» الذي يريد ترامب فرضه على الفلسطينيين والعرب؟
العلاقات والروابط بين بعض الدول الخليجية وإسرائيل لم تكن جديدة ولا مفاجئة، لكن ظهر الخفي، وما كان تحت الطاولة بات فوق الطاولة، وباتت مقتضيات المرحلة حسب الأدوار المرسومة أميركياً تقتضي الظهور إلى العلن، لتنفيذ الخطوات الخطيرة التي وصل بهم مسار العمالة إليها بعد مقدمات وخطوات تمهيدية. واليوم، فإن علينا جميعاً كشعوب عربية وإسلامية أن ندرك أن أولئك لن يتحرّجوا عن فعل أي شيء، وتقديم أي شيء لمصلحة العدو الإسرائيلي، وهم يسعون لتطويع شعوب المنطقة لتقبّل ذلك، والقوم ــ كما يبدو ــ مستعجلون لتقديم هذه الخدمة لأميركا وإسرائيل في تصفية القضية الفلسطينية والتضحية بالقدس والشعب الفلسطيني. أما المطلوب من أحرار الأمة وشعوب المنطقة، فهو التحرك الفعال المشترك المنسَّق في موقف موحّد، والاستفادة من تجلّي الحقائق وافتضاح قوى الخيانة، فقد حصحص الحق وباتت الخيارات واضحة، وفي هذا إيجابية كبيرة، فالخداع في المرحلة الماضية كان يؤثر ببعض الكيانات والأشخاص، وحتى الشعب الفلسطيني كان يرى في البعض ظهراً دافئاً، فظهروا على حقيقتهم ــ في طعنه في الظهر ــ وارتباط موقفهم بالأميركي. وهناك نقطة مهمة جداً، هي الموقف من أميركا، فالخطوات الخطرة المُسمَّاة «صفقة القرن» تعتمد أساساً على أميركا مع دور مساند لبعض الدول العربية، والدور الأميركي ضد الأمة الإسلامية وضد الشعب الفلسطيني ولمصلحة إسرائيل واضح العداء وبَيِّن في التآمر، فيما لا يزال البعض يرى في أميركا الصديق، وفي مرحلة بات فيها الخطر واضحاً في الموقف الأميركي نفسه في نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وما سيلحق بذلك من خطوات أميركية وإسرائيلية. وعلى الجميع أن يعملوا لتوجيه بوصلة العداء والموقف المسؤول نحو إسرائيل ونحو أميركا باعتبارهما وجهين لعملة واحدة. ولقد استفادت أميركا كثيراً من فصل البعض بين موقفه منها ومن إسرائيل، فهي تفعل كل ما يفعله العدو وتُحسَب صديقاً!
تحدثتم سابقاً عن استعدادكم لإرسال مقاتلين من أجل فلسطين؟ هل فعلاً ستلبون دعوة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى إرسال مقاتلين إن احتاجت الحرب مع إسرائيل؟ أم أن ذلك من باب التأييد العاطفي فقط؟ وكيف يمكن أن يحدث شيء مماثل؟
موقفنا في إعلان استعدادنا لإرسال مقاتلين في أي حرب إسرائيلية ضد لبنان أو فلسطين هو موقف مسؤول وجادّ وصادق ونابع من مبادئنا، وهو أيضاً الموقف الطبيعي جداً، والمفترض من كل شعوب أمتنا لو بقي الوضع فيها طبيعياً وسليماً. فنحن بحسب الانتماء الإسلامي، ثم بحسب كل الاعتبارات والروابط أمّة واحدة، والعدو الإسرائيلي يشكل خطورة فعلية على كل الأمة، وهو عدو حقيقي لكل البلدان العربية والإسلامية، ولو كان بلدنا في موقعه الجغرافي على حدود مباشرة مع لبنان أو فلسطين، لكنّا قد شاركنا في القتال مع المقاومة اللبنانية أو الفلسطينية من دون تردد، فشعبنا اليمني متفاعل جداً مع قضايا أمّته، وعلى وعي عالٍ بالخطر الإسرائيلي على الأمّة كلها، وإن شاء الله ستساعده الظروف للقيام بدور كبير في دعم ومساندة الإخوة من أبناء الأمة.
وفيما إذا تورّطت إسرائيل بحرب جديدة، فلن نتردد في إرسال المقاتلين، وهناك أعداد كبيرة من رجال قبائل اليمن يطمحون للقتال ضد إسرائيل، ويتمنّون اليوم الذي يشاركون فيه جنباً إلى جنب مع إخوتهم من أحرار الأمّة الإسلامية في مواجهة العدو الإسرائيلي، وقد سبق إبلاغ سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله – حفظه الله – بذلك. ونودّ الإشارة الى أن موقفنا المبدئي في العداء لإسرائيل ومناهضة الهيمنة الأميركية أبرز أسباب العدوان علينا، ولذلك يطلقون على موقفنا التوصيفات التي يردّدونها ضد كل الأحرار المعادين لإسرائيل والمناهضين للهيمنة الأميركية، فيقولون عنهم إنهم إيرانيون.
ما طبيعة العلاقة التي تربطكم بإيران وحزب الله؟ هل هي مجرد توافق في الرؤى الاستراتيجية؟ أم تحالف سياسي؟ أم تعاون عملياتي؟ أم ماذا؟
نحن نعتبر الموقف المسؤول والصحيح والطبيعي بحسب انتمائنا الإسلامي وبحسب المصلحة العليا لأمّتنا وبحسب التحدّيات والمخاطر والتهديدات الحقيقية على أمّتنا وبلداننا، هو في وحدة الجميع وتعاونهم. ونرى في الوحدة الإسلامية والأخوّة الإسلامية فريضةً إسلامية، وأن الحالة السليمة هي في تآخي كل شعوب أمّتنا وتعاونهم، والمصلحة الحقيقية هي في ذلك. الموقف الشاذّ لأي جهة أو فئة – سواء أكان نظاماً أم سلطةً أم جماعةً – هو الذي يرى في أميركا وإسرائيل صديقاً، ويرى في أبناء أمّته عدوّاً، وبالتالي علاقتنا بالجمهورية الإسلامية وحزب الله هي في السياق الذي ذكرناه. ونحن بالمناسبة نتوجّه بالدعوة لكلّ أبناء الأمّة في السّعي لتعزيز الروابط الأخويّة وإحيائها بين الأمّة وعدم الإصغاء إلى دعاة الفُرقة والكراهية والبغضاء والفتن، فدعاة العداء والتناحر بين أبناء الأمة مجرمون حقيقيون وجناة على الأمة، وموقفهم هو الخاطئ وغير السليم، ويا عجباً كيف تصبح الأخوّة الإسلامية والروابط المطلوبة شرعاً وواقعاً بين أبناء الأمة جريمة والحساب عليها كبير! بينما الارتباط المفضوح والعمالة المكشوفة لإسرائيل وأميركا شيء طبيعي وحذق سياسي وعروبة أصيلة!
إنّنا نمدّ أيدي الإخاء والتعاون لكلّ من يقبل بذلك من أبناء أمّتنا الإسلامية ونرى في إخوتنا في الجمهورية الإسلامية وحزب الله إخوةً نالوا شرف التحرّر وحملوا راية الأمّة في وجه الهيمنة الأميركية ووقفوا وقفةً صادقةً مع الشعب الفلسطيني في مرحلة من أهمّ المراحل وأخطرها. ويعود السبب في عِداء البعض لهم بشدّة إلى ذلك، فالسلطة السعودية والإماراتية مثلها، لم تكن تعادي إيران أيام الشاه بالرغم من سعيه لأن يكون شرطي أميركا في المنطقة. وعندما أتت الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني رضوان الله عليه ومدّت يد الأخوة الإسلامية بحميميّة صادقة ومودّة كبيرة وكان في أولوياتها نصرة الشعب الفلسطيني ودعم أهم قضية عربية وإسلامية توجّهوا بكلّ عدائهم لها وتحت كلّ العناوين للأسف لم يتحرّجوا من السعي لإثارة الفتن المذهبية وتجاوزوا في ذلك كل الضوابط الشرعية والأخلاقية والإنسانية.
والذي يريدونه اليوم هو تكتّل وتحالف القوى الموالية لأميركا وإسرائيل، وفي المقابل أن يتفرّق بقيّة أبناء الأمّة الإسلامية ويُجَرَّم أيّ تعاون بينهم حتى بالكلمة الحق، وهذا ما نعتبره غير منطقي حتى في ظلّ المعاناة التي يعاني منها شعبنا من العدوان الظالم، فإن المسؤولية على بقيّة أبناء الأمّة في التعاون مع بلدنا وليس بالتعاون عليه.
بعد قرابة 3 أشهر على مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، هل يمكن القول إنكم تجاوزتم تداعيات الأزمة التي ولّدها خلافكم معه؟ وكيف تصفون اليوم علاقتكم بحزب «المؤتمر الشعبي العام»، وكذلك بالقبائل التي أحدث مقتل صالح انقسامات داخلها؟
نجحت الدولة في تطبيع الأوضاع إلى حدٍّ كبير، وهناك أنشطة جيّدة للتصالح الاجتماعي وعلاقتنا بـ(حزب) المؤتمر طبيعية، فموقفهم كان مشرِّفاً، والشاذّون منهم فقد افتضحوا أكثر بعد ذهابهم بشكلٍ واضح إلى جبهة العدوان وارتمائهم في أحضانه. وبالنسبة إلى القبائل، فلم يحدث أيّ انقسامات في داخلها، وهي وقفت إلى جانب الدولة بكلّ قوّة لحسم المعركة سريعاً بعد خيانة الثاني من ديسمبر، والأعداء فشلوا فشلاً واضحاً وذريعاً في ضرب الجبهة الداخلية وإسقاطها.
طفت على السطح، أخيراً، الخلافات بين حزب «الإصلاح» و«التحالف»، هل ترون أن «الإصلاح» يتجه إلى تغيير تموضعه السياسي؟ وهل من اتصالات بينكم وبينه؟ وكذلك بينكم وبين الحليف العربي الرئيس لهذا الحزب، أي قطر؟
ما يحدث اليوم من استهداف لحزب الإصلاح وصل إلى حالة طرد بكلّ ما تعنيه الكلمة من أغلب المحافظات الجنوبية، إضافةً إلى ذلك إنشاء كيانات بديلة يجري العمل من الإمارات على بنائها وتقويتها في تعز والمناطق الشرقية. كل ذلك يشهد على صحّة تحذيراتنا على أن الهدف الحقيقي لقوى العدوان ليس سوى الاستغلال لأيّ طرف يختار الوقوف مع الغزاة الأجانب ضد بلده.
لم يحدث أيّ انقسام في القبائل بعد مقتل علي عبدالله صالح
ومشكلة البعض في حزب الإصلاح هي عُقدتهم التكفيرية ضدّ الشعب اليمني، ولا سيما من ليس على مذهبهم. فأمّا سياسياً، فلم يكونوا بحاجة إلى الارتماء في أحضان قوى العدوان، فالشراكة متاحة في البلد كما هو حاصل حالياً مع القوى المناهضة للعدوان، وكان الأفضل لهم أن يكونوا أحراراً شركاء مع بقيّة المكوّنات في البلد بدلاً من أن يكونوا خانعين مُستَغَلّين للأجانب في ما لا يوصلهم إلى نتيجة. وأنا أتعجّب من خذلان الله لهم وسلبهم التوفيق، وحالة الاستغلال لهم في الميدان عجيبة جداً تصل أحياناً لدرجة أن يقتل الطيران أعداداً كبيرة منهم إذا تردّدوا في الزحف، والقصف لمواقعهم في مناطق متعدّدة، ومع ذلك فلم يخسر بقيّة العملاء بقدر خسارتهم في الوقت الذي لا مستقبل لهم في ظلّ العدوان يقدّمون معه وله أكبر التضحيات. اللهم وفّقنا ولا تسلبنا الرشد، ونصيحتي لهم أو قل للسليمين منهم من عقدة التكفير أن يراجعوا حساباتهم، فلن يعوّضهم عن بلدهم وشعبهم أي شيء آخر، ومصلحتهم الحقيقية هي في العودة إلى حضن الوطن لينعموا بالحريّة وليكونوا شركاء في الدفاع عن وطنهم وبنائه. هذا هو المستقبل الحقيقي، وإذا أصرّوا على الاستمرار في تقديم القرابين غير المقبولة إلى قوى العدوان، فذلك عين الخذلان.
يرى البعض أن حكومة الإنقاذ التي شُكِّلَت في صنعاء فشلت في ما كان مأمولاً منها. هل توافقون على هذا الرأي؟ وما هو تقييمكم للأداء الحكومي، ولا سيما في ما يتعلق بأزمة الرواتب؟
هناك قصور واضح في أداء الحكومة يستدعي المراجعة والمعالجة، وهناك الكثير من العوائق والصعوبات، ولا سيما في الوضع الاقتصادي، ونأمل إن شاء الله السّعي الجادّ لتحسين عمل الحكومة على قاعدة التقييم للأداء من جانب الرئيس، وفي ضوء ذلك تُتَّخَذ الإجراءات اللازمة، حتى لو كان بتغيير وزير مقصّر، ومن أيّ مكوّن كان من أنصار الله أو من المؤتمر أو المكوّنات الأخرى، ونأمل إن شاء الله بذلك تحسين الأداء الحكومي.
ثمة اتهامات تُوجّه إليكم بمنع الرواتب عن الموظفين وتجييرها للمجهود الحربي، فضلاً عن اتهامات لحكومة الإنقاذ، التي أنتم جزء منها، بالفساد ونهب أموال الدولة. كيف تردون على ذلك؟
الاتهامات من قبل قوى العدوان ومرتزقتها هي في سياق عدوانها على الشعب اليمني. وحربها على اليمن ليست فقط عسكرية، بل اقتصادية وسياسية وإعلامية، حرب شاملة بكلّ ما تعنيه الكلمة، وقد ثبت بكلّ وضوح أن الذي سعى إلى الاستهداف للموظفين في الرواتب هم قوى العدوان ومرتزقتهم. فقد كان البنك المركزي يدفع المرتبات بانتظام من صنعاء إلى كلّ المحافظات، حتّى المحتلة، وكانت المرتبات تصل إلى كل موظفي الدولة والمسجلين في كشف الراتب حتّى في تلك المحافظات إلى عدن وتعز ومأرب وغيرها إلى حين التآمر على البنك ومنع الإيرادات عنه وتجميد أرصدته في الخارج. وتحوّلت كلّ عائدات الغاز والنفط والمنافذ البرّية والبحرية إلى قوى العدوان ومرتزقتها، وإضافةً الى ذلك سلّمت روسيا لهم أموال الشعب اليمني التي جرى التعاقد معها مسبقاً بطباعتها، وفي ظلّ وضع كهذا، المناطق الحرّة التي لم تتمكن قوى العدوان من احتلالها مُحَاصَرَة ويدمّر العدوّ كل المنشآت الخدمية والاقتصادية فيها بشكلٍ ممنهج ومتواصل، فيا تُرى على من يقع اللوم!؟
أمّا المجهود الحربي، فالبلد اليوم أكمل 3 سنوات من التصدّي لأكبر عدوان في أكبر حرب بالمنطقة والمواجهة مع تحالف دولي وإقليمي فيه أغنى دول المنطقة بأقلّ بكثير من عُشر تكاليف حرب عام 1994 التي كانت في الداخل واستمرّت لشهرين فقط… فَمَن اللصوص يا ترى؟ هل أولئك الصامدون الأبطال في جبهات القتال الذين تصل بهم الظروف لدرجة أن يكونوا حفاة في كثير من الأحيان!؟ أم الأسر المضحّية بالشهداء والمعانية من ظروف معيشية صعبة!؟ أم الذين سرقوا أموال الشعب لعقود من الزمن ثم ارتموا في أحضان العدوان يذرفون دموع التماسيح على الشعب الذي ظلموه مرتين! يوم سرقوا أمواله وخيراته، ويوم كانوا في صفّ أعدائه الغزاة الأجانب والله المستعان.
تتزايد الأصوات الجنوبية الرافضة لوجود السعودية والإمارات، هل تعدّون ذلك مؤشراً على تمرد شعبي على «التحالف»؟ وهل من تواصل بينكم وبين تلك القوى والشخصيات؟ وما الذي تستطيعون تقديمه لهم؟
نحن على ثقة بأن القناعة التي سيصل إليها أبناء المحافظات الجنوبية هي حتمية التحرّر ومقاومة الاحتلال بعد افتضاحه من خلال ممارساته الإجرامية. وللأسف، البعض كانوا مخدوعين وصدّقوا نتيجةً لحملةٍ كبيرة وهائلة من التضليل الإعلامي والثقافي أن قوى العدوان أتت لفعل خير وتقديم خدمات. واليوم رأى الجميع هناك بأمّ أعينهم المطارات والموانئ ومنشآت النفط والقواعد العسكرية والسيطرة الفعلية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً من قبل الامارات مع ممارسات إجرامية، والنموذج القائم هناك هو احتلال بكلّ ما تعنيه الكلمة، وهناك الكثير من الأحرار والشرفاء من أبناء المحافظات الجنوبية وسنسعى إن شاء الله إلى مساندتهم والتعاون معهم للتصدّي للاحتلال وتحرير البلاد كما تحرّرت من الاحتلال البريطاني، لكن إن شاء الله بأسرع بكثير بكثير.
ما موقفكم من التشكيلات الجديدة التي برزت في الجنوب عقب الحرب، وفي مقدمها «المجلس الانتقالي الجنوبي»؟ هل أنتم مستعدون لقبوله شريكاً سياسياً؟
أنشأت الإمارات هناك تشكيلات متعدّدة ومتباينة ودعمتها لتستفيد من تناقضاتها ولتعمل على إثارة التنافس بينها في من يقدّم خدمة أكبر لدعم سيطرة الاحتلال. وأمّا في ما يتعلّق بقبولنا بالشراكة مع الأطراف اليمنية الأخرى، فلا مانع لدينا بتاتاً، بل نحن ندعو إلى ذلك والمشكلة لدى البعض أنهم حالمون وواهمون في تحقيق خياراتهم السياسية من خلال الأجانب، بينما هدف الأجانب هو الاستغلال والاستثمار حتى في مشاكل البلد والاستفادة من الخلافات والتباينات لتوظيفها في الصراع. وأمّا البعض الآخر فليس لهم أصلاً أي قضية أو مشروع سياسي، وهم مجرّد تشكيلات من المرتزقة الذين كل هدفهم هو الحصول على أموال بأي ثمن حتى لو كان الخيانة لوطنهم.
كيف تقرأون مستقبل الجنوب بعد أن تضع هذه الحرب أوزارها؟ وما هو الشكل الذي يمكن أن تقبلوا به في هذا الإطار؟ دولة فدرالية من إقليمين أم انفصال أم ماذا؟
الوضع في المحافظات الجنوبية يحتاج إلى تفاهم ومعالجة وحلول في ظل تعاون وحرص من الجميع، فنحن إلى اليوم نرى انقساماً كبيراً بين القوى السياسية في المحافظات الجنوبية وخيارات متباينة وكيانات مختلفة. وبرأينا أن الأمر يتطلّب جوّاً ملائماً وبعيداً عن التدخّلات الخارجية للوصول إلى حلول عادلة ومنصفة ومرضية لأبناء المحافظات الجنوبية.
هل كان دخولكم الجنوب، وعدن تحديداً، خطأً حرّضكم عليه الرئيس السابق كما يعتقد البعض؟
كان ضرورة بعد أن طلبنا من الإخوة في المحافظات الجنوبية منع عبد ربه (منصور هادي) والقاعدة وداعش من استخدام المحافظات الجنوبية في الاعتداء على المعسكرات والأمن والتحرّك العسكري منها إلى بقية المحافظات. فقد سبق عبد ربه والقاعدة وداعش بالتحرّك في المحافظات الجنوبية وقاموا باحتلال المعسكرات وكذلك مقرّات الأمن وذبحوا الجنود بالسكاكين، وبدأوا التحرك عسكرياً صوب تعز وكانت كل ترتيباتهم بإشراف سعودي للتقدّم عسكرياً نحو بقيّة المحافظات. فطلبنا حتى في خطابات متلفزة منعهم من ذلك ومنعهم من استخدام المحافظات الجنوبية في تنفيذ اعتداءات إجرامية كتلك التي استهدفت جامع بدر وجامع الحشحوش والتي استهدفت الجماهير في المسيرات الشعبية، فلم يمنعوهم، ما اضطرّ الجيش إلى التحرّك لمنعهم. وعلى كلٍّ، فنحن على يقين أن الخطوة كانت ضرورية وكان لها هدف واضح، وكنّا نسعى إلى الاتفاق مع أبناء المحافظات الجنوبية للحفاظ على مناطقهم بأنفسهم في ظل الدولة، ولكن نظراً لمشاكل الماضي تمكّنت قوى العدوان من استغلال بعضهم وخداع الكثير منهم، فقرّرنا الانسحاب مع حصول التباس كبير وتأثيرات مشاكل الماضي، وقد أفادت خطوة التقدّم لطرد عبد ربه وداعش والقاعدة إلى فضح قوى العدوان التي كانت ترغب بدايةً في أن يكون طابع العدوان على بلدنا بصورة حرب أهلية ففشلت في ذلك، واضطرّت إلى الدخول رسميّاً في عدوان خارجي واضح ومفضوح وهذه مسألة مهمّة جدّاً بالنسبة إلينا.
تُتّهمون بأنكم تريدون العودة إلى الحكم الإمامي السلالي، هل هذا صحيح؟ أم أن قبولكم النظام الجمهوري والعملية الديمقراطية هو موقف ثابت؟ وهل لدى «أنصار الله» رؤية أو نموذج تستطيع تقديمه في ما يتصل ببناء الدولة؟
مجرّد ادعاءات كاذبة لا أساس لها، ونحن نسعى مستقبلاً للوصول إلى رؤية مشتركة في ما يتعلّق ببناء الدولة مع بقيّة شركائنا.
تُتهمون أيضاً من قبل خصومكم بتعطيل الحريات في المناطق الخاضعة لنفوذكم، وبتحكيم مشرفيكم و«لجنتكم الثورية» في عمل الوزارات بدلاً من ترك الأمر لأصحابه. كيف تردون على ذلك؟
مجرّد ادعاءات لا أساس لها، وعادةً يكون الإشكال مع من يؤيدون العدوان ولا نعلم بأيّ أحدٍ في العالم تسامح مع خصومه بقدر ما فعلنا، والواقع يشهد. فأولئك الذين شاركوا القتال في فتنة وخيانة الثاني من ديسمبر قد أُفرج عنهم في وقت قياسي، ما عدا قِلّة قليلة جداً معدودين بالأصابع، فهل أحد كان سيفعل كذلك؟ أمّا اللجنة الثورية فكلّ تحرّكها ونشاطها الحالي شعبي في إطار النشاط ضد العدوان، وهي لا تتدخّل في عمل مؤسسات الدولة ولا نحتاج إلى ذلك أصلاً فمنّا مسؤولون موجودون في المؤسسات الرسميّة.
أين تسكن؟ هل أنت في «كهوف صعدة» كما يقولون؟ وهل تقوم بزيارات لصنعاء؟ وكيف تقضي يومياتك في ظل الحرب والتخفي الدائم؟
أسكن في أرض اليمن بطريقة عادية كأيّ يمنيّ ولا أحتاج إلى كهوف، ووضع حياتي طبيعي واعتيادي لم يختلف عمّا قبل العدوان إلا في طريقة المقابلات الجماعية التي نراعي فيها الإجراءات المتناسبة مع ظروف الحرب والحمد لله رب العالمين.