Site icon IMLebanon

وداعاً “فايسبوك” و”حياتك الرقمية” في الإعلام والسياسة!

كأنه ختام مسرحية مأسوية، ينسدل الستار فيها على البطل مقهوراً على رغم طيب نيّاته، لكن «الطريق إلى جهنم مرصوف بأصحاب النيّات الحسنة»، وفق عبارة مشهورة في «الكوميديا الإلهية» لدانتي آليغري. إذاً، وداعاً مجدداً «فايسبوك»، بعد فضيحة شركة «كامبريدج آناليتكا» البريطانية التي ثبت فيها انعدام المسؤولية لدى الموقع الأبرز في الـ «سوشال ميديا» تجاه جمهور من 50 مليوناً استُخدمت بياناتهم من وراء ظهورهم، بل جرى التلاعب بإراداتهم السياسيّة في ظل أقوى النظم الديموقراطية.

في مصادفة قدرية مؤلمة، يبرز أن اسم البرنامج الذي استخدمته «آناليتكا» في جمع بيانات جمهور مليوني في الـ «سوشال ميديا»، هو «ذيس إذ يور ديجيتال لايف» This is Your Digital، وترجمته «هذه هي حياتك الرقمية»، وطوَّرَه خبير المعلوماتية الروسي آلكسندر كوغان. هل كان الاسم إرهاصاً بنهاية الحياة الرقمية لذلك الموقع؟ أليس ذلك ما تلوح نذره بعد سريان نداء حمله «هاشتاغ» اسمه «#_حذف_فايسبوك»، انتشر بسرعة في صفوف الجمهور الأميركي الحساس لمسألة الخصوصية والحرية الفردية؟ ثمة تجربة سلبية مع الـ «سوشال ميديا» يعيها ذلك الجمهور، خصوصاً فضيحة التجسس الإلكتروني الشامل لـ «وكالة الأمن القومي» الأميركية، التي فجرها الخبير المعلوماتي إدوارد سنودن، والتدخل الروسي الإلكتروني في انتخابات الرئاسة الأميركية التي أوصلت دونالد ترامب إلى الرئاسة.

هناك خيط يربط وقائع فضيحة «آناليتكا» مع ذلك الماضي، يتمثّل في الناشط النمسوي في حماية الحقوق الإلكترونية ماكس شريمز. وفي سياق فضحية «آناليتكا»، اعترف ساندي باراكليس، وهو خبير كان مسؤولاً عن قسم التطوير التقني في «فايسبوك»، بأنه بمجرد خروج بيانات الجمهور من خوادم تلك الشركة الموجودة في مقراتها المختلفة، لا تعود الشركة قادرة على معرفة مصيرها. والأنكى أنه أقر بأن «فايسبوك» يعلم ذلك، لكنه لم يقر به علناً. كيف يمكن تصور ذلك بالمقارنة بالإدعاءات الزاهية للشركة، خصوصاً أن جمهورها ممتد عبر العالم، ما يعني أن بياناته تمر عبر ما لانهاية له من الخوادم التي يكون كل منها طرفاً ثالثاً في تناقل البيانات!

سقوط مدوٍّ للـ «سوشال ميديا»

التقط النمسوي شريمز اعتراف الخبير باراكليس ليذكر أنه أثبت منذ العام 2012 ذلك الأمر، بل اجتمع مع ممثلين لـ «فايسبوك» في شأنه، لكنهم أبدوا لامبالاة تامة. وفي 2015، أثبت شريمز استناداً إلى وثائق سنودن عن «وكالة الأمن القومي»، أن «فايسبوك» وغيره من مواقع الـ «سوشال ميديا» تُقدم بيانات الجمهور إلى مؤسسات الاستخبارات الأميركية. وآنذاك، أدى الأمر إلى إلغاء أوروبا «معاهدة الملاذ الآمن» مع أميركا. وحاضراً، تسير أوروبا في اتجاه مشابه. إذ استدعت مارك زوكربرغ، مؤسس «فايسبوك»، للمثول أمام برلمانها ارتباطاً بمسألة انكشاف بيانات الجمهور. والأرجح أن يأتي زوكربرغ إلى أوروبا، بعد مثوله أمام الكونغرس الأميركي في شأن فضيحة «آناليتكا». والأرجح ألا يُجدي اعترافه بالتقصير في حماية عشرات ملايين البيانات (فيها الحياة اليومية لملايين البشر)، في ظل الحساسية المتفاقمة لمسألة التدخل الروسي المفترض الذي كان «فايسبوك» جزءاً من أدواته.

الأرجح أن «تسونامي» الفضائح المتتالية يمثل سقوطاً مذهلاً لــ «سوشال ميديا». أليس طرياً في الآذان اعتذار زوكربرغ في سياق التحقيق في التدخل الروسي عن الاتجار ببيانات الجمهور، وهو ما مكّن متمرسون روس من استغلالها لنشر الأخبار الكاذبة؟ ألم يترافق ذلك الاعتذار آنذاك، مع إقرار زوكربرغ بانكفاء الموقع الأبرز للـ «سوشال ميديا»، إلى مهمة التواصل والاتصال وتبادل الأخبار بين الأهل والأصدقاء، وانسحابه من مضمار الإعلام العام؟