كتبت كارولين عاكوم في صحيفة “الشرق الأوسط”:
لم يكن خطاب أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، يوم أول من أمس، الذي خصّصه للإعلان عن برنامج حزبه الانتخابي، وما حمله من رسائل موجهة مباشرة إلى جمهوره قبل خصومه، مستغرَباً بالنسبة إلى المتابعين في لبنان، وبخاصة أنه أتى في سياق سلسلة أحداث وأجواء عكستها المعركة الانتخابية، وأهمها في دائرة بعلبك الهرمل، (دائرة البقاع الثالثة).
ملاحظات عدة رافقت كلمة نصر الله وعكست هذا الواقع، أهمها إعلانه البرنامج بنفسه بعدما كان يقوم بالمهمة رئيس كتلته النائب محمد رعد، إضافة إلى استحواذ عنوان «الإنماء ومحاربة الفساد»، بشكل أساسي على الخطاب، متعهداً بأنه سيتابعه شخصياً بعدما كان قد نقل عنه استعداده لمتابعة الحملة الانتخابية في المنطقة البقاعية في مواجهة كل التحديات التي تواجهه من الخارج عبر معارضيه ومن داخل الطائفة الشيعية؛ في ضوء رفض الأهالي أسماء المرشحين التي كانت في معظمها من خارج العائلات الكبرى، أضف إليها التململ والنقمة الناتجة من إهمال المنطقة إنمائياً على امتداد سنوات طويلة، وهي التي توصف بـ«خزان المقاومة والشهداء» بينما يسود الاعتقاد لدى أهلها أن أبناءها يقاتلون وأبناء الجنوب يقبضون.
من هنا، تكاد تتحول «بعلبك الهرمل» إلى معركة الحزب الأولى، وهو الذي يتولى قيادة حملتها، في مقابل قيام «حركة أمل» ورئيسها رئيس مجلس النواب نبيه بري بالاهتمام بالحملة الجنوبية التي توصف بـ«المطمئنة» بالنسبة إليهم.
ومن هذه المنطقة البقاعية التي يعوّل المعارضون أن تشهد بداية التغيير، يسجّل «تحول» في مسيرة الحزب الذي لطالما كان شعاره المقاومة ومحاربة إسرائيل والتطرف، وهو ما عكسه كلام نصر الله والحملة الانتخابية التي ربطت هذه المرة «المقاومة بالإنماء» تحت شعار «نحمي ونبني». لكن هل هذه الوعود قابلة للتطبيق أو للتنفيذ بعد سنوات من المشاركة في السلطة التي لا يختلف اللبنانيون على فساد إداراتها؟ يقول المحلّل السياسي، مصطفى فحص: «بعد 26 سنة من تغطية الفاسدين وبعدما ضاق محازبوه ذرعاً بفساد كوادره، يحاول (حزب الله) اليوم أن يقدم خطاباً جديداً لمكافحة الفساد الذي أصبح يفوق قدرة الأفراد والجماعات؛ وذلك في محاولة منه لاستعجال خطواته والقول إنه هو سيحارب هذه الآفة قبل أن يحاربه الناس في صناديق الاقتراع، فيما يمكن تسميته «المعركة الالتفافية» لامتصاص النقمة الشعبية».
وهذه النقمة التي كانت قد بدأت تظهر إلى العلن بشكل أكبر منذ إعلان الثنائي الشيعي عن مرشيحه في البقاع، يؤكدها مصدر في «تيار المستقبل» في المنطقة، لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى جهود انتخابية كبيرة يبذلها «حزب الله» بالمنطقة، وتعكس خوفاً واضحاً من خرق لائحته بعدما كان في السنوات الماضية مرتاحاً لوضعه بناءً على القانون الأكثري السابق.
ويضع فحص مشكلة «حزب الله» الانتخابية اليوم في البقاع، في خانة الخدماتية والعشائرية، موضحاً «الأولى يعكسها الحرمان الذي تعيشه هذه المنطقة التي تقدم أكبر عدد من الشهداء في المقاومة مقابل تحويل الأموال إلى الجنوب، حيث أيضاً الغالبية الشيعية، والثانية هي تقديم مرشحين لا يمثلون روحية المنطقة التي تعتمد بشكل أساسي على العشائر والعائلات الكبيرة؛ إذ إنه إضافة إلى تجاهله أي مرشح من مدينة بعلبك اختار مرشحين من خارج العائلات الكبرى؛ الأمر الذي رأى فيه أهل البقاع محاولة منه لفرض نواب عليهم». ويلفت إلى مستجد آخر نتج من الحرب السورية، وانعكس سلباً أيضاً على أبناء البقاع الواقعة على الحدود، وذلك نتيجة إقفال الطريق بين البلدين، وطرق التهريب التي كانوا يعتمدون عليها في أعمالهم وتجارتهم التي بات (حزب الله) ينافسهم عليها».
ويضيف: «وبالتالي، وفي هذه المنطقة حيث تلعب العشيرة الدور الأهم، سيطفو موقف العشائر على الموقف الحزبي وسيقول كلمته في صناديق الاقتراع ما سيؤسس للتغيير». وسيساعد ذلك، بحسب فحص، توحّد معارضي الحزب في لائحة واحدة في تكريس هذا الواقع كما سيستفيد الحزب من تشرذمهم، وبخاصة أن بعض الأطراف التي تبدو مؤيدة للمعارضة الشيعية في العلن تخافها في السرّ خشية انتقال هذا الربيع إذا ما تحقّق، إلى صفوف مناصريها».
ويبلغ عدد الناخبين في دائرة البقاع الثالثة 308 آلاف و997 شخصاً، يشكّل الشيعة نحو 74 في المائة منهم، والسنة نحو 13 في المائة، والموارنة 7.3 في المائة، والكاثوليك 5.3 في المائة، أما عدد المقاعد فهو 10 وتتوزع على 6 شيعة، 2 سنة، 1 موارنة، 1 روم كاثوليك».
ورغم صعوبة المقارنة بين انتخابات عام 2009 والعام الحالي انطلاقاً من اختلاف القانون، تشير التقديرات إلى أنه في حال بلغت نسبة الاقتراع 50 في المائة في البقاع الثالثة، كما حصل في الانتخابات الأخيرة، فإن الحاصل الانتخابي يكون 15500 صوت، علما بأن هناك توقعات بزيادة نسبة المشاركة انطلاقاً من واقع المعركة، وبالتالي زيادة الحاصل الانتخابي، وهو الذي يشكل كذلك معركة بالنسبة إلى «حزب الله»؛ إذ إنه وبحسب مصدر «المستقبل»، ليس الخرق فقط هو هاجس الحزب، إنما أيضا حصول أي لائحة على هذا الحاصل الذي ستعكس أرقامه هذه النقمة الشعبية.
وفي حين تستبعد «الدولية للمعلومات» الخرق بأكثر من مقعدين في لائحة الثنائي الشيعي، فإن تقديرات المعارضين تذهب إلى إمكانية الخرق بثلاثة، شيعي وسني ومسيحي. ومع عدم وضوح الصورة النهائية للتحالفات على جبهة المعارضة باستثناء تأكيد تحالف «المستقبل» و«حزب القوات»، تعتبر مصادر المعارضين أنه في حال اجتماع المعارضة المتمثلة بـ«أمين عام الحزب السابق صبحي الطفيلي» ورئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني ورئيس بلدية بعلبك السابق غالب ياغي، إلى جانب «المستقبل والقوات»، فإن الخرق لن يكون بأقل من ثلاثة مقاعد، وبما لا يقل عن مقعدين إذا اتفق الجميع باستثناء الحسيني.