كتبت ميسم رزق في صحيفة “الأخبار”:
تظلُم لائِحة «المُستقبل لبيروت» ركابها. تبدو منذ ولادتها غير متوازنة. كيف لا، والتّفاوت في الأحجام السياسية للمُرشّحين واضحٌ وضوح الشمس. هو، بالمناسبة، تفاوت مدروس. أراد الرئيس سعد الحريري تقليص حجم المُنافسة تحديداً بين المقاعد السنية
إذا ما كانَت الأصوات لِلائحة «المُستقبل لبيروت» ستُوزّع على شاكِلة مشهدية أعضاء اللائحة، أمس، ومواقيت حُضورهم للاحتفال، فيُمكن لائحةَ المواجِهة (8 آذار) أن تسجل فيها خروقات متعددة منذ الآن. استنتاج التفاوت في الأحجام، أوضَحته الصورة، لا بل كرّسته، خلال إعلان لائحة سعد الحريري في وادي أبو جميل.
القصة بالشكل، قبل أي شيء آخر. نزل الحريري إلى مُرشحيه في حديقة منزله وكأنهم، مثل غيرهم على موعد مع مهرجان سياسيّ. لم يكُن إلى جانبهم كزملاء في لائحة واحدة. الفرق هنا للموقِع والدور وربما المقامات. هذه القاعدة لم تَسرِ على الحريري وحدَه. في اللائحة أوزان سياسية واجتماعية وقطاعية وعائلية ومهنية متفاوتة. رئيسا حكومة (الحريري وتمام سلام) تزاملا في الخروج على المُحتشدين في الباحة الخارجية. سبقهما بدقائق قليلة وزيرُ دَاخلية (نهاد المشنوق). المُرشحون الآخرون أشبه بطلاب روضات الأطفال. انتظروا لأكثر من ساعة، كمن ينتظر لعبة جميلة وصورة بهية. هذا ليس مسرحهم. مسرح الثلاثي (الحريري والمشنوق وسلام) القادر على اختطاف الأضواء والمصافحات والقبلات والتقاط «السلفيات». أقله على مستوى التماس مع الناس. يُجيد هذا الثلاثي، بحكم تجربته السياسية، جذب الآخرين إليه، فلا يحتاج إلى من يقدّمه للحاضرين، وبينهم بطبيعة الحال أحبة كثر وبعض عشّاق التملّق.
التفاوت ليس بالشكل فقط. حتى في توزيع الأصوات، وتجميع الحواصل الانتخابية. الأكيد أن ثمّة معركة سيخوضها الزملاء في ما بينهم، وخصوصاً عن المقاعد السنيّة. سيكون رئيس اللائحة (الحريري) صاحب القُدرة التجييرية الأكبر. يليه الرئيس سلام أو الوزير المشنوق. الجواب تبعاً للمنصب أو للنفوذ. تبعاً للتاريخ أو للحاضر. الباقون، لا توحي ترشيحاتهم بأنهم قادرون على التجيير، إلا بنسب بسيطة جداً. وحده زاهر عيدو (ابن النائب الراحل وليد عيدو) يمكنه أن يجيّر إرث الدم. شهادة والده وأخيه. الآخرون ليس لديهم ما يشفع لهم. البورسلان والبلاط يشيّد أرصفة وبنايات ويموّل لائحة. معظمهم حديثو الولادة سياسياً. يفتقدون أدنى مقومات الكاريزما. معركتهم ستكون في مواجهة بعضهم لبعض. قبلَ أيام، فتحَ وزير الداخلية باباً جديداً من أبواب المعركة. توجّه الى الحريري مُمازحاً بأن يرأف بهم على اللائحة بالأصوات التفضيلية. تِلك إشارة، تُظهر حجم المُنافسة التي سيعاني منها المرشحون الجُدد.
علاماتُ استفهام جمّة تدور حول خلفية اختيار الحريري لأسماء مغمورة. في الكواليس المُستقبلية مقاربتان مختلفتان. أولى، لمصلحة رئيس الحكومة، وثانية عليه. واحدة تميل إلى تصديق الكلام عن تغيير وجوه، تركُن إلى استبدال 50 في المئة من وجوه لائحة بيروت الثانية. الأهم هو اعتماد عناصر شبابية ونسائية، كما وعد الحريري. الثانية، تذهب بعيداً في التحليل، وأصحابها هم من المعترضين الصامتين على كل الظروف التي أحاطت بتشكيل اللائحة وتوقيت إعلانها. برأيهم، إن تأليف لائحة من هكذا عناصر، إنما ناتج من الضعف الذي لازم تيار المستقبل في المرحلة الأخيرة. فالحريري إما «راهن على تأجيل الانتخابات»، أو إنه «حاذر المجيء بشخصيات لها أوزان في بيروت، يُمكن أن تكرّر تجربة مستقبليين سمحت لهم الظروف السابقة في تشكيل جبهات خاصة داخل التيار، وصلت إلى حدّ العصيان والاعتراض في عدد من المحطات»…
يُدرك الحريري أن لائحته في بيروت ستتعرّض للخرق، وأن المضمون بيدها ستّة مقاعد. بالتالي يعتبر رئيس الحكومة أن الخروق في المقاعد غير السنية ليس هو القضية، بقدر ما يهمّه الاحتفاظ بثلاثة أو أربعة مقاعد سنية. لذا حين قرر تسمية المرشحين، حرص على ألّا تشكّل الأسماء السنية الجديدة على اللائحة منافسة حقيقية للآخرين، وبذلك يضمن وصول الأساسيين الذين يريدهم ضمن كتلته في البرلمان المقبل، أي المشنوق وسلام. وفيما يتكّئ الأخير على ميراث عائلته السياسي وصيتها بين عائلات بيروت، يتخذ المشنوق منحىً آخر. قال قبل أيام إنه قد يكون غير محبوب، لذلك يُبدي حرصاً على تعزيز أصواته التفضيلية. يكثّف صولاته وجولاته. السياسي النخبوي ينجح في التقرب من الناس. معركته اليوم تختلف عن معركة 2009. وفيما على كل مرشّح هذه المرّة تحصيل أصوات تفضيلية لكسب موقعه، يُسجّل للمشنوق تقدمه على باقي المرشحين على اللائحة في هذا الميدان. هو ميدان جديد يخترقه، ليس من بوابة وزارة الداخلية، بل من باب الزيارات الشخصية واللقاءات الشعبية. تبدو المفارقة هنا. ففيما تضجّ بيوت بيروت هذه الأيام بهذه اللقاءات، تبقى سيرة المرشحين الآخرين على اللائحة (باستثناء باسم الشاب وغازي يوسف وفيصل الصايغ) غير معروفة حتى في أوساط المُستقبل!
نبش 7 أيار
لم يأت سعد الحريري أمس في خطابه السياسي أثناء إعلان لائحة «المُستقبل لبيروت» بجديد. هو الخطاب نفسه جاء مكرراً عن ذلك الذي تلاه في البيال خلال إعلانه أسماء مرشّحي تيار المُستقبل في كل لبنان. اعتمد على اللغة العاطفية والتعبئة ضد حزب الله، فقال إن «المواجهة في هذه الانتخابات بين خطين: خط يريد أن يحمي هوية بيروت السياسية والوطنية والعربية، وخط آخر يريد وضع يده على قرارها وهويتها. المواجهة هي بين لائحتكم «المستقبل لبيروت»، وبين لائحة حزب الله. أي صوت يبقى في منزله في 6 أيار هو صوت لحزب الله. وأي صوت اقترع للائحة غير لائحتكم، المستقبل لبيروت، اللائحة الزرقاء، هو صوت في النهاية يصب لمصلحة حزب الله». وأضاف: «إذا أردتم مشروع رفيق الحريري أن يستمر للبنان ولبيروت، صوتوا له يوم الانتخابات»، مشيراً إلى أن «7 أيار الذي ننتظره هذا العام هو الرد على 7 أيار الذي فشل منذ 10 سنوات».
وتضم لائحة المستقبل في دائرة بيروت الثانية: سعد الحريري، تمام سلام، نهاد المشنوق، نزيه نجم، علي الشاعر، رولا طبش الجارودي، فيصل الصايغ، ربيع حسونة، زاهر عيدو، باسم الشاب وغازي يوسف.