شارك اللواء أشرف ريفي في ندوة أُقيمت في مجلس الشيوخ الفرنسي حول “مكافحة الإرهاب”، حضرتها شخصيات سياسية من أعضاء في المجلس وسفراء وباحثين وصحافيين مخضرمين، وألقى محاضرة شدد فيها على أن “حصر تهمة الإرهاب في دين محدّد هو تزوير للحقائق التاريخية، فكما كانت المسيحية بريئة من الإرهاب النازي، كذلك الإسلام بريء من إرهاب الاصوليين الذين اختطفوا الإسلام وهدفوا لتحويل مضمونه فيما هو دين أرسله الله للعالم أجمع”.
واستهل اللواء ريفي كلامه بتقديم التعازي للدولة الفرنسية وأهالي الجندي الذي سقط في الإعتداء الأخير قائلاً: “أقدم عزائي للدركي الفرنسي والسلطات الفرنسية وأهل الشهيد الذي إفتدى بروحه ككل ضابط، إمرأة كانت معرّضة للإغتيال والقتل”.
بعد ذلك توجه إلى الحاضرين قائلاً: “حضرة السيدة ناتالي غوليه، الرئيس السابق للتحقيق حول الشبكات الجهادية في فرنسا وأوروبا، سعادة سفير المملكة العربية السعودية، سعادة سفير دولة الامارات العربية المتحدة، سعادة سفير اليمن، أيها الحضور الكريم والجمع الغفير.. شرفتموني بالدعوة لإلقاء محاضرة في مجلسكم الكريم عن الإرهاب، فشكراً لهذه الدعوة التي سعدت بتلبيتها إذ أشعر دائماً كما كل لبناني، أن فرنسا هي البلد الذي تربطه بلبنان أعمق روابط الصداقة والمصالح المبنية على الاحترام المتبادل، لا بل أشعر أن فرنسا من أبرز الدول التي وقفت وتقف إلى جانب لبنان وتدافع عنه. وهنا لا يسعني هنا إلّا أن أتذكّر المحطة الهامة في تاريخنا وهي اغتيال رئيس حكومة لبنان الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وعلى وجه التحديد زيارة الرئيس السابق جاك شيراك الى بيروت التي أعطت للّبنانيين أملاً لمحاسبة القتلة وإنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان”.
وأضاف ريفي: “من لبنان الذي عاش تجربة العنف والحرب والإرهاب، يمكن إستخلاص السلام كمنهج حياة للأفراد والجماعات، وكمانع لما يُسمّى صراع الحضارات. لقد عانت الإنسانية من مرارة الحروب التي ارتُكبت باسم الوطنية حيناً، وباسم الدين حيناً أخر، ونتج عن ذلك ولا يزال، مسلسل لا ينتهي من الدماء والدمار وضياع الآمال، واليوم نجد أنفسنا مسؤولين عن إعادة صناعة الأمل خصوصاً في منطقتنا التي تمرّ بمرحلة إنتقالية صعبة في سعيها إلى مواجهة سبل الإستبداد والتطرف الديني”.
ولفت إلى أنّ “الأكثرية الساحقة في هذه المنطقة تنشد الإستقرار والسلام، وتريد أن تكون جزءاً من هذا العالم، أن تبني لا أن تهدم، تريد الحرية والعيش بكرامة كما أراد الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، تريد لأبنائها أن يدخلوا المدارس والجامعات لا أن يكونوا وقوداً للعنف والإرهاب والتطرف، أو ان يزجّوا في السجن الكبير بتهمة المطالبة بالحرية”.
وقال ريفي: “أنا آت إلى هنا لأصارحكم ولأعبّر عن رؤيتي إنطلاقاً من خبرتي الأمنية وقناعاتي التي استخلصتها من تجربة طويلة كبيرة في لبنان والمنطقة. إنّ حصر تهمة الإرهاب في دين محدّد هو تزوير للحقائق التاريخية، فكما كانت المسيحية بريئة من الارهاب النازي، كذلك الاسلام بريء من إرهاب الأصوليين الذين اختطفوا الاسلام لتحوير مضمونه، فيما هو دين أرسله الله للعالم أجمع، لذلك المطلوب رسم خط واضح بين المفهومين”.
وتحدث ريفي عن تجربة لبنان مع الإرهاب قائلاً: “نحن عشنا في لبنان تجربة العنف وهي تجربة لم تقتصر على المواجهة بين الجماعات الدينية فقط، بل امتدت إلى داخل الطوائف ولا تزال المنطقة اليوم تعاني من هذا الإقتتال المستمر الذي يلبس في كثير من الأحيان لباس الصراع الديني، فيما الأديان كلها تدعو إلى الرحمة والمحبة”.
وأشار إلى أن “إلصاق تهمة الإرهاب بمجتمع أو دين أو جماعة يفاقم المشكلة ويعطي للإرهابيين الفرصة لإمساك المبادرة واستخدام الدين كسلاح. إنّنا ندعو لحوار جدّي وعميق حول أساس المشكلة، هذا الحوار الذي يفترض أن يؤدي الى تعزيز القيم المشتركة التي نؤمن بها، وهي قيم السلام وحقوق الإنسان وإحترام كرامة الفرد وحريته وصيانتها بالقانون والممارسة، وكنا نعرف أن على العالم الاسلامي والعربي إتخاذ موقف شجاع في محاربة الفكر الارهابي من جذوره، كذلك نأمل وندعو الغرب الى أن يكون شريكا حقيقيا في هذه المسؤولية الحضارية”.
وتابع ريفي: “لقد شاهد العالم الفاجعة والجرائم الكبرى التي تتعرض لها فرنسا جرّاء العمليات الإرهابية التي ينفذها مجرمون يدّعون ارتكاب الجرائم باسم الإسلام، هذه الجرائم الوحشية يجب أن تدفعنا جميعاً للتعاون كي نقضي على آفة الإرهاب الذي فتك بالمسلمين بنسب أكبر بكثير ممّا فتك بأبناء الطوائف الأخرى، وإذا كان الإرهاب قد أصبح جريمة معولمة، فإنّ طرفاً واحداً لا يكفي لمكافحته، نعم نحتاج الى جهد موحّد، نحتاج للقضاء على الارهاب وآثاره، وعلينا أن نكون في مواجهة واحدة مع الإرهاب والموجات العنصرية التي تغلغلت بين المسلمين في أوروبا، والذين لا ذنب لهم بما يرتكبه الأشرار، نحتاج إلى مواجهة الإسلاموفوبيا”.
وذكّر بحادثة الباحث الفرنسي الذي اختطف واغتيل على يد مجرمين، لافتاً إلى أن “استعادة جثمان ميشال سورا جاءت بعد محاولات مضنية قام بها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حيث أعاد الخاطفون سورا في نعش مبرّد بعدمت حفظوا جثته لفترة طويلة”. ولفت الى أنّ “ذاك الاختطاف كان بداية لمسلسل خطف الأجانب في لبنان لكنه في الحقيقة كان اختطافاً للبنان بأكمله”.
وتابع ريفي قائلاً إن “تنظيم داعش لم يكن حركة الإرهاب الاولى في العالم والوحيدة في الشرق الأوسط، وأخشى كخبير أمني أن لا تكون الحركة الإرهابية الأخيرة التي نشهدها في عالمنا الحاضر، في العصر الحديث والذي بدأ مع منتصف القرن الماضي، شهدت المنطقة أوّل بداية عنف اثر سقوط دولة فلسطين، لقد كان العنف يومها عقائدياً ولم يكن دينياً، وطال هذا العنف أغلب دول المنطقة ومعظم دول العالم، وبعد عشرات السنين تحول العنف العقائدي الى عنف ديني، ولا يخفى على الخبراء ان العنف الثاني كان أشد ضراوة ووحشية من العنف الأول، وفي هذه الحقبة شهدنا القاعدة. ولمعلوماتكم فإن القاعدة هي ثكنة العسكرأو المعسكر الذي يتجمع فيه المقاتلون”.
وأضاف: “لا أدخل في خلفية تطور القاعدة في أفغانستان والمهام التي اتت بها، إنما أرى أنه من الضروري الإشارة كمسؤول أمني إلى ما سمي بظاهرة الأفغان العرب، وهم المقاتلون الذين أنهوا مهمتهم في أفغانستان وعادوا الى بلادهم وتسببوا بكثير من الصراعات والعنف. هذه الإشارة تدعونا الى ان نعي مخاطر ما يمكن أن نشهده في أيامنا القادمة من مزيد لهذه الظاهرة، ولنسمها الدواعش السابقون ونحذّر الدول الغربية من هذه الظاهرة التي ستكون أشد خطورة على الأمن والسلم العالمي، نحن أمام مسؤولية مشتركة كبيرة، لقد سقط تنظيم داعش في العراق كما حدد العنوان لكن لم تسقط أخوات داعش، أي المقاتلون الإيرانيون ما زالوا على أراضينا”.
وختم ريفي بالقول: “منذ عشرات السنين دخلت إيران إلى بعض الدول العربية فأضافت للعنف عنفاً أشد شراسة، إذ أثارت صراعات مذهبية كانت موؤدة لعشرات السنين كما حرّكت مشاعر قومية كانت مَوؤودة أيضاً لعشرات السنين. إنّ مسؤولية العالم أن تعرف هذه الآفة الكبيرة، ولا شك أنّ عدداً من الدول قد بذلت جهوداً جبارة في هذا المجال، سواء على مستوى النتائج او الأسباب.