يتعرّض اللواء أشرف ريفي لحرب تكاد تكون “كونية” بالفعل. ثمة اقتناع راسخ بأن تأجيل الانتخابات النيابية 11 شهراً لم يكن أبداً بدافع تنفيذ إصلاحات في قانون الانتخابات لم يسعَ أحد لتنفيذها بالفعل، إنما التأجيل حصل لإفساح المجال لأركان السلطة للإمساك بكل مفاصل هذه السلطة، أمنياً وقضائياً وخدماتياً ووظيفياً من أجل استخدام هذا النفوذ في مواجهة خصومهم في الانتخابات النيابية، وهذا ما يحصل بوقاحة غير مسبوقة في مواجهة أشرف ريفي وغيره، وثمة شكاوى باتت علنية.
من يراقب كل ما تعرّض ويتعرّض له ريفي وجماعته يدرك حقيقة هذا الواقع، ومن تابع عملية محاولات التطويق التي يتعرّض لها وزير العدل السابق يتيقّن أن هذا الرجل إنما يواجه بـ”اللحم الحي” السلطة وأجهزتها القضائية والأمنية والإدارية وكل إمكاناتها المتاحة.
منذ استقالته من الحكومة على خلفية ملف ميشال سماحة، وريفي يتعرّض لأشرس حملة تحريض وتخوين. تمّ حرمان مدير مكتبه النقيب محمد الرفاعي من الترقية ظلماً وبهتاناً. تم التضييق على جميع مناصريه بطريقة تذكر بمرحلة الوصاية المشؤومة، في عمليات ترغيب وترهيب ليبتعدوا عنه. ويتم استخدام كل مقدرات الدولة في محاولة لكسر أشرف ريفي. حتى المملكة العربية السعودية تجنّبت دعمه لكي لا تثير حساسية الرئيس سعد الحريري.
في الانتخابات النيابية ضغط المعنيون بكل الوسائل على كل من فكّر للحظة بالانضمام إلى لوائح ريفي، والذين صمدوا إنما كانوا أشبه بـ”الانتحارييين” في مواجهة هجمة حاقدة غير مسبوقة، ويا ليت الحاقدون شعروا بمثل ذلك تجاه “حزب الله”!
ولكن يكفي “لواء العدل” أنه لم يستسلم ولم يتراجع ولم يرضخ. يكفيه أنه يواجه بجبين مرفوع لا يعرف الانحناء مهما اشتدت الضغوط. ورغم كل التحديات، لا يزال يحمل في قلبه وعقله روح 14 آذار ومبادئها وعنفوان ذاك الشعب الذي انتفض يوماً في ربيع الـ2005.
لم يقبل في “همروجة” الانتخابات وتحالفاتها الهجينة بأن يعقد ولو تحالفاً يتيماً بعكس قناعاته. بقي ثابتاً في وجه العواصف، مؤمناً بجوهر اللبنانيين ومراهناً عليهم وحدهم رغم كل الإغراءات والتحديات. لم تنفعهم في مواجهته كل حملات الإشاعات الممنهجة. يسمعها ويبتسم ويردّد جملته الشهير: “يا جبل ما يهزك ريح”.
جميع السياسيين والقادة في لبنان لجأوا إلى التنازلات بشكل أو بآخر. ساوموا في محطات عدة سواء رضوخاً أو تحت شعار البراغماتية السياسية. عانوا من قمة التناقضات الفاضحة بين شعاراتهم وممارساتهم. يكفي أشرف ريفي أنه لم يفعل مثلهم. لم يناقض نفسه. لم يسر بعكس قناعاته. لم يأبه يوماً للثمن الذي قد يدفعه نتيجة ثباته وانسجامه مع نفسه.
يعيّب البعض على ريفي أن بعض المحيطين به يرتكبون أخطاءً تفصيلية، أو أنه لا يتقن ممارسة فن المناورات والتلوّن، وتحت شعار “الواقعية السياسية” يتخذ البعض من هؤلاء ذلك ذريعة للتعاطف مع الجلاّد وينسون أنهم الضحية.
لا يهمّ كم مقعد سيحصد أشرف ريفي. لا يهمّ حتى إن أصبح نائباً أم لم يصبح. يكفيه شرف المحاولة وأنه بقي شريفاً في زمن “العهر” السياسي والانتخابي.
أشرف ريفي يشبهنا، نحن الشعب الذي سئم من طبقة سياسية متلونة ترفع الشعار وتمارس نقيضه. سيبقى يشبهنا ويستحق احترامنا وتقديرنا، وإن كان بنظر البعض لا يتقن “السياسة” بمفهومها اللبناني البغيض. نحن أيضاً نكره هذه السياسة والذين يمارسونها…