كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:
“موارنة جزين” و”سُنَّة صيدا” تعرّضوا لخرقٍ مزدوج على أيدي “شيعة جبل الريحان”: خرقٌ لمقعد ماروني في جزين ومقعد سنّي في صيدا. فكانت “فَشَّة الخِلْق” في المقعد الكاثوليكي الذي لا “ظَهْرَ له”، والضائع في أيدي الأقوياء.
فعلاً، هناك خلطة عجيبة تشهدها دائرة صيدا- جزين. فقد تكرَّس الطلاق سريعاً بين “الأزرق” و”البرتقالي”، بعدما ظنّ كثيرون أنّ زواجهما سَيَدوم ويدوم.
فذاتَ يومٍ من تشرين الثاني، وفي ذروة شعور الرئيس سعد الحريري وعمَّته النائب بهيّة الحريري بالعرفان لدور الرئيس ميشال عون خلال أزمة “الاستقالة” الشهيرة، زار الوزير جبران باسيل دارة صديقه نادر الحريري و”الستّ بهية” في مجدليون وفاجأت هذه الزيارة كثيرين بدرجة الحرارة التي تميَّزت بها.
يومذاك، وصفَ باسيل “أُمّ نادر” بأنها “أُمّ الكلّ”. وهذا اللقب، في التراتبية، لا يَعْلوه أيُّ لقب آخر في “الجمهورية القويّة”، ويوازيه فقط لقبُ عون: “بيّ الكل”! وفي اللقاء، تعاهد الجميع على التعاضد الانتخابي في كل المناطق، إنطلاقاً من صيدا- جزين.
لم تكن لدى الحريريّين أيّ مشكلة في أن يزعل مسيحيّو 14 آذار، من “قوات لبنانية” و”كتائب” في جزين، ما دام “الكبير راح” في صيدا، كبير الـ14 آذاريّين السنّة، الرئيس فؤاد السنيورة. والمهم هو أنّ الصفقة مع “التيار” هي “الربّيحة”، ليس فقط في ضمان أكبر حصة داخل المجلس النيابي، بل أيضاً في ضمان رئاسة الحكومات على مدى 5 سنوات… وإمرار التفاهمات والمشاريع في مجلس الوزراء.
بالتأكيد، لم يكن “الثنائي الشيعي” قلقاً من لقاء “الأزرق” و”البرتقالي”. فهو يعرف أنّ “التيارَين” سيبقيان تحت السيطرة، كل من زاوية. فـ”البرتقالي” أثبت أنه مربوط بـ”تفاهم مار مخايل” لا تفاهم معراب ولا سواه. وأما “الأزرق” فقد أثبت في امتحان “الاستقالة” أنه باقٍ داخل الدائرة المرسومة ولن يغادرها.
بالفعل، لم يحسب المحتفلون في دارة مجدليون حساب “الشيطان الكامن في التفاصيل”. وأبرز تفصيل هو أنّ تحالف الحريري- باسيل كان سيجتاح دائرة صيدا- جزين، بلا أيّ خرق، لو بقي النظامُ الأكثري على قيد الحياة. والواضح أنّ الطرفين كانت تنقصهما الخبرة ليتصوَّرا نتيجة التحالف في ظلّ “النظام النسبي- التفضيلي”.
على الأرجح، لم يدخل “لقاءُ مجدليون” في التفاصيل والأرقام، وطغى عليه الطابع العاطفي والبروتوكولي و”تكفير” قوى 14 آذار لدورها في الأزمة الحريرية. ولو دخل الطرفان في التفاصيل والأرقام، لكان الخلافُ وقع بينهما في اللحظة الأولى، وقبل أن يغادر الضيف دارة مجدليون.
كانت الحساباتُ واضحة: “الثنائي الشيعي” قادرٌ على توفير حاصلين انتخابيَّين وأصوات تفضيلية تتكفّل بتحصيل مقعدٍ سنّي في صيدا وآخر ماروني في جزين، يفوز بهما أسامة سعد وابراهيم عازار. وهذه الحسابات دفعت السنيورة إلى “انسحابٍ مشرِّف”، باكراً، فأراح نفسَه والآخرين جميعاً.
إذاً، معركة “التيارَين” تصبح محصورةً بـ3 مقاعد: سنّي في صيدا، وماروني وكاثوليكي في جزين. وبديهي أن يكون الأول للنائب الحريري. فهذا أمرٌ يُسلِّم به باسيل. وبديهي أن يكون الثاني لواحدٍ من النائبَين أمل أبو زيد أو زياد أسوَد. فهذا أمرٌ تُسلّم به الحريري. ولكنّ المقعد الكاثوليكي لمَن؟
ويبدو هذا المقعد وكأنه “مشاعٌ” يتقاسمه الأقوياء، إذ لا زعامة كاثوليكية لها وزنها في جزين. ويقال في جزين إنّ “التيار الوطني الحرّ” الذي رفع شعار تقوية مسيحيّيها يتحمّل جزءاً أساسياً من المسؤولية عن هذا الاستضعاف.
فـ”التيار”، بدل اختيار شخصية كاثوليكية دينامية تقوم بدورها في رفع مستوى تمثيل الطائفة في المجلس والحياة السياسية، عَثَر على نموذج المتموِّل الكاثوليكي عصام صوايا، الذي بقي غائباً عن البلد والندوة البرلمانية وأهل المنطقة تماماً، حتى إنّ معظم اللبنانيين لا يعرفون ملامح وجهه.
في المفاوضات التي جرت أخيراً بين “التيارَين” حول اللائحة، ارتأى “المستقبل” أنَّ من حقّه تعويض خسارته المقعد السنّي بالكاثوليكي، وارتأى “الوطنيّ الحرّ” أنَّ مِن حقّه تعويض المقعد الماروني بالكاثوليكي أيضاً. فاصطدمت المصالح وسقط التحالف، وبدأ كلٌّ من الطرفين يبحث عن تحالفات أخرى.
على رغم كل شيء، بقيت الحريري ترفض التحالف مع “القوات” التي اختارت- أساساً- أن يكون مرشّحُها هو الكاثوليكي عجاج حداد. ورسى الأمر على لائحة تضمّ الحريري وحسن شمس الدين (عن صيدا) وأمين إدمون رزق (ماروني) وروبير خوري (كاثوليكي) من جزين. وانسحب العميد صلاح جبران من المعركة ضمن المهلة القانونية، بعدما تردّد أنه سيكون في اللائحة.
أما “التيار الوطني الحرّ” فاختار التحالف مع “الجماعة الإسلامية” بشخص الدكتور بسام حمود، ومع الدكتور عبد الرحمن البزري (عن صيدا)، علماً أنّ لائحته الجزّينية مكتملة بالنائبين أبو زيد وأسوَد (مارونيان) وسليم خوري (كاثوليكي).
تحالُفُ “التيار” و”الجماعة” يمكن أن يستفيد منه لرفع الحاصل الانتخابي، ما يتيح للائحة العونية احتمال توفير مقعدَين، أي إمكان الفوز بالمقعد الكاثوليكي، في موازاة مقعد ماروني مكفول. ولكن ماذا تستفيد “الجماعة” من هذا التحالف ما دام متعذّراً أن تحقّق خرقاً في أحد المقعدَين السنّيَين؟
المتابعون يتحدثون عن مقايضة جرت بين “التيار” و”الجماعة” تشمل دوائر عدة. ففي جزين، يستفيد “التيار” من قوة “الجماعة” التجييرية، ويمكن أن يستفيد منها أيضاً في دائرة حاصبيا- مرجعيون مثلاً، فيما تستفيد “الجماعة” من قوة “التيار” التجييرية في الشوف – عاليه ودوائر أخرى لا يتحالف فيها “التيار” مع “المستقبل”.
بعض خصوم “التيار” يشيعون أنّ تحالفه في جزين مع “الجماعة” قد تكون له انعكاسات سلبية على لائحة “التيار”. فالقواعد العونية لا تتحمّس عادة لـ”الجماعة”. والبعض يقول إنّ قواعد “الجماعة” لا تتحمّس عادة لـ”التيار”. ولكنّ الانتخابات “قِسمة ونصيب”، و”التيار” يريد المقعد الكاثوليكي في جزين بأيِّ ثمن، وليس في الإمكان أفضل ممّا كان.
في الموازاة، اضطرت “القوات” و”الكتائب” إلى التحالف في جزين: الكاثوليكي حداد (“القوات”) والماروني جوزف نهرا (الكتائب). وثالثهما سمير البزري عن المقعد السنّي في صيدا.
وهكذا، باتت صورة المعركة واضحة في صيدا- جزين. ويمكن اختصارها بأنها معركة المقعد الكاثوليكي. هل يكون لباسيل (عون) أم للحريري؟
إذا فاز “التيار” بالمقعد سيكون قد أبعد أصابع الحريري عن جزين وعوَّض شيئاً من خسارته لأحد المارونيَّين أمام “الثنائي الشيعي”. ولكن، إذا خسر “التيار” المقعد أمام الحريري فسيكون عملياً قد خسر جزين وتساوى فيها مع الآخرين.
فنوّاب جزين سيتوزّعون -عندئذٍ- ثلاثياً على “ثلاثي” السلطة: ماروني لعون، ماروني آخر لبري، وكاثوليكي للحريري. وهذه تركيبة مثيرة فعلاً ولا مثيل لها في أيّ دائرة أخرى!