كتب منير الربيع في “المدن”:
طوال المرحلة الماضية، احتكم لبنان لمعادلة متفاهم عليها محلياً وخارجياً، إدارة الشأن الداخلي والمالي للترويكا تحت إشراف الوصاية السورية، فيما العمل العسكري والمقاوم والسياسية الخارجية، تحددها سوريا وإيران ويديرها حزب الله. استمرت المعادلة بعد خروج الجيش السوري من لبنان، بحيث استبدلت الوصاية السورية بوصاية حزب الله، فلم يعد أحد يتخطى هذا السقف، بمعزل عن صولات النزاع وجولاته التي حصلت بين فريقي الإنقسام اللبناني 8 و14. نتائج انتخابات 2009، وما تلاها من تسوية سياسية، تظهر مدى الالتزام بالسقف الذي حدده الحزب، ولم يتخطاه أحد.
لكن الفترة المقبلة، قد تشهد تغيراً في موازين القوى. في خطابه الأخير، أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن لدى الحزب ملاحظات بشأن مؤتمرات الدعم الدولية التي يسعى لبنان لإنجاحها والحصول على مساعدات منها. كانت تلك إشارة أساسية، بأن الحزب سيكون شريكاً في القرار الإقتصادي، وبالمباحثات المتعلّقة بمالية الدولة ودورتها الإقتصادية. لا يأتي استعداد حزب الله للدخول في هذه الملفات من فراغ. العقوبات الأميركية على الحزب، والوضع السياسي الداخلي، يفرضان تعاطٍ مختلف من جانب الحزب في ملفات متعددة، أهمها على الصعيد المالي والإقتصادي. ولا ينفصل ذلك عن بعض الهوامش والمناوشات السياسية. من الواضح أنه بعد الانتخابات النيابية، ستشهد عملية تشكيل الحكومة، تجاذباً واسعاً على الحقائب الوزارية، لا سيما وزارة المال، التي كانت محطّ خلاف وتجاذب بين حليفي الحزب، حركة أمل والتيار الوطني الحر. هذا الخلاف سيتجدد فيما قد يكون الحلّ بالنسبة إلى حزب الله، بحصوله على تلك الوزارة لفض الاشتباك بين حليفيه، ولتعزيز وضعه وزارياً.
لطالما كان الحزب زاهداً في المواقع الوزارية، لكن ما بعد الانتخابات، السياق سيكون مختلفاً. لا شيء سيمنع الحزب من المطالبة بحقيبة سيادية، وقد تكون وزارة المال. صحيح أن هذا سيتسبب باعتراضات كثيرة محلياً وخارجياً، وهناك فوبيا ستتعاظم بأن تسلّم الحزب هذه الوزارة سيؤدي إلى أزمات متعددة بين لبنان والمجتمع الدولي، لكن بمجرد النقاش في هذا الموضوع وإثارته، يوضح أن الحزب ينتقل إلى مرحلة جديدة من مراحل تطوره السياسي في لبنان، من المشاركة في الانتخابات النيابية، إلى المشاركة في الحكومة، وعمله كضابط الإيقاع السياسي، وصولاً إلى مشاركته بالتقرير المالي والاقتصادي.
الاهتمام الآن للمعركة الانتخابية، وبعدها لكل حادث حديث. لذلك، يعمل حزب الله على تكثيف لقاءاته الشعبية وحملاته الانتخابية بهدف تحسين وضعه الانتخابي. فلديه مخاوف حقيقية في بعلبك- الهرمل وفي جبيل. لذلك، يسعى إلى تحسين شعبيته، لأن المرحلة المقبلة حساسة، ويعرف أنه سيكون أمام تحديات داخلية وخارجية. ولهذا الهدف يتولى نصرالله شخصياً القيام بلقاءات داخلية لكوادر الحزب ومسؤوليه، ووجهاء العشائر والمناطق، لاستيعاب كل الآراء. وتوحيد الموقف، لأن هناك مساعي لاظهار تراجع شعبية الحزب ودعم القوى المعارضة، خصوصاً في البقاع.
ينظر حزب الله إلى معركة بعلبك الهرمل، بأنها قاسية، وتتضمن كثيراً من التدخل الدولي والإقليمي لتوفير رأي عام واسع مناهض للحزب. ويعتبر أن المعركة أخرجت من سياقها الإنمائي واتخذت طابعاً سياسياً. لا يفصلها عن كل التطورات على الساحة المحلية والإقليمية، بل يتوقع الأسوأ ويعمل على هذا الأساس. لذلك، يريد تعزيز وضعيته داخل بيئته ومع حلفائه، خصوصاً أن هناك مخاوف لدى الحزب من اهتزاز العلاقة مع التيار الوطني الحر في المرحلة المقبلة. ويريد تعزيز قوته مع حركة أمل وحلفائه الآخرين وأن يكون لديه كتلة قوية بغض النظر عن التيار الوطني الحر.
بعض المؤشرات الدولية تبعث على القلق. كل المؤشرات تفيد بأن الضغوط الاميركية- السعودية ستزداد ضد الحزب وإيران في المرحلة المقبلة. الأجواء الدولية والاقليمية، تشير إلى أن الضغط سيرتفع، في ظل المتغيرات على صعيد الإدارة الأميركية، وتشدد الخطاب الأميركي. وهذا كله يدفع إلى ترقّب احتمال حصول تطورات عسكرية. ما دفع الحزب إلى استنفار عناصره في الايام الماضية.