كتب علي الأمين في “العرب”: ليست الانتخابات النيابية المقررة في 6 أيار المقبل قابلة لأن تشكل نتائجها فرصة للتغيير في موازين القوى القائمة في لبنان اليوم، فهذه الانتخابات تجري تحت سقف السياسة، أي انتخابات بلا عناوين سياسية تفرض تحالفات منسجمة بين قوى يجمعها مشروع سياسي أو قضية وطنية تحول دون الخروج على قواعد وشروط سياسية في التحالفات الانتخابية بين مختلف القوى السياسية المتنافسة.
التوافق السياسي الذي خلص قبل أكثر من عام إلى انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد عامين من الفراغ الرئاسي، أظهر بشكل واضح أرجحية في معادلة السلطة لصالح حزب الله، وجاء قانون الانتخاب ليعكس هذه الأرجحية من خلال قانون انتخاب وفّر القدرة لحزب الله على أن يكون الأقدر على التأثير في مجريات العملية الانتخابية مستفيدا من النظام النسبي كأداة تتيح له اختراق البيئات المعارضة له، بأكثر مما تتيح لخصمه هذه القدرة وذلك بسبب سطوة سلاحه داخل بيئته وعلى بقية القوى السياسية من الخصوم.
من هنا، يكشف قانون الانتخاب المعتمد النتائج مسبقا لقانون الانتخاب، إن لم يكن على مستوى ستين في المئة من أسماء الفائزين، فبالتأكيد يكشف عن ثمانين في المئة من حجم القوى التي ستمثل في البرلمان، وهي ممثلة اليوم، فيما قصارى ما يمكن أن يتحقق من تغيير من حيث النوع هو ضمن نسبة لا تتجاوز العشرة في المئة من ضمنها بعض المستقلين أو ممثلين في المجتمع المدني.
لذا تبدو الانتخابات رغم تطويق الناخبين بقانون انتخاب يمنع قيام ائتلافات سياسية انتخابية، بحيث يفرض التنافس إلى حدّ كبير بين متحالفين سياسيا، أكثر مما يفرض تنافسا بين متخاصمين، لذا فإن الانتخابات التي باتت نتائجها شبه محسومة من حيث النتائج المتوقعة، فإنّ الكثير من المراقبين ينتظرون قـراءة مؤشراتها أكثر من نتائج الفوز والخسارة، بمعنى هل أنّ اللبنانيين أظهروا ميلا نحو الخروج من الانقسام السياسي الذي يتحكم بالسلطة سواء بوسيلة الانقسام أو عبر التوافق، وإلى أيّ مدى ثمّة قدرة لممثلي المجتمع المدني على إثبات حضور انتخابي، ويبقى أنّ منطقة بعلبك الهرمل التي تشكل القاعدة الراسخة انتخابيا لحزب الله منذ 26 عاما، هي التي تتركز الأنظار عليها، لا سيما مع تصاعد وتيرة الاعتراضات داخل البيئة الشيعية في هذه المنطقة نتيجة الإهمال التنموي، وتزايد حالات الفقر وازدياد حال فوضى السلاح، والبطالة، وهي عوامل ستشكّل عنصرا مؤثرا على رغم قدرة حزب الله على السيطرة والتحكم بالناخبين الشيعة إلى حد كبير، يمنع خسارته لكن لا يضمن فوزه بكامل المقاعد الشيعية، علما أنّ ثمّة تحالفا قام بين ممثلي هذا الاعتراض في البيئة الشيعية من شخصيات سياسية واجتماعية معروفة ومؤثرة وبين القوات اللبنانية وتيار المستقبل من جهة ثانية، باعتبارهما تيارين مؤثرين داخل البيئتين السنية والمسيحية في هذه المنطقة ولهما أربعة مرشحين، مسيحيان وسنيان في مقابل ستة مقاعد شيعية.
باستثناء منطقة بعلبك الهرمل لا يبدو أنّ الدوائر ذات الغالبية الشيعية يمكن أن تشهد تغييرا، كما أنّ التغييرات المرتقبة في الدوائر الأخرى مهما بلغت فهي لن تغيّر من واقع المعادلة السياسية القائمة في لبنان، وكما أشرنا سابقا أنّ القانون انطوى على هدف أساسي يتجاوز كل الأهداف الأخرى ويتقدّم عليها، إذ أنّ معدّيه ولا سيما حزب الله أرادوا أن تجري الانتخابات بلا عناوين سياسية، أي بما يضمن استمرار المعادلة السياسية الحاكمة والتي تحظى بقبول دولي وإقليمي إلى حدّ بعيد.
ويجب التذكير أنّ الانتخابات النيابية التي هزم فيها تحالف حزب الله عام 2009 وفاز تحالف قوى 14 آذار، لم تكلف حزب الله لتعديل النتيجة السياسية لهذه الانتخابات أكثر من التلويح بسلاحه لفرض ما يريد من شروط على مستوى تشكيل الحكومة، وتطويع التفسيرات الدستورية لصالحه من خلال إشهار سلاحه ملوّحا بالثلث المعطل الذي عطل البلاد إلى فترة طويلة وهي المدة التي تجاوزت فترة حكم الرئيس ميشال سليمان وما تلاها من فراغ دستوري وصولا إلى نهاية العام 2016 تاريخ انتخاب ميشال عون.
بهـذا المعنى الانتخابات النيابية في لبنان ليست السبيل لتغيير في معادلة سيطرة حزب الله على الدولة، فثمة ما هو أقوى من أيّ نتيجة انتخابية من الناحية السياسية، هي سطوة السلاح وتأثيره الحاسم في المعادلة الداخلية، لذا يمكن ملاحظـة أنّ القوى الخارجية ليست مهتمة بهذه الانتخابات كما كان الحال في الانتخابات السابقة، فيما شكلـت الأزمـة السـورية مساحة الصراع الفعلية التي يدرك الجميـع أنّ ما سيرسو عليه الصـراع السوري من ميزان القوى سيقرر إلى حدّ بعيد المسار اللبناني، وسيحدد ميزان السلطة في لبنان، فإذا ما كان النظـام وحلفاءه هـم المنتصرون فإنّ لبنان سيكون هدية لحـزب الله وإيران أما إذا كان المنتصر فريقا آخر فهو سيقرر إلى حدّ بعيد وجهة السلطـة وموازينها في لبنان على المستوى الاستراتيجي.
وفيما تظهر الوقائع أنّ الأزمة السورية انتقلت من مواجهة بين النظام والمعارضة، إلى نوع من المواجهة الدولية والإقليمية، أو عملية تقاسم نفوذ تركي وإيراني وروسي وأميركي، تتضمن نوعا من الضمانات الروسية لإسرائيل في منطقة الجنوب السوري، يبقى أنّ المجتمع الدولي ولا سيما الاتحاد الأوروبي، يولي اهتماما للمحافظة على استقرار لبنان أمنيا، انطلاقا من وجود نحو مليون ونصف مليون لاجئ يحرص الأوروبيون على بقائهم في لبنان وعدم اضطرارهم إلى التدفق إلى أوروبا في حال حصلت تطـورات أمنية في لبنـان، وإلى جانب هؤلاء هناك أكثر من خمسة آلاف جندي أوروبي ضمن قوات اليونيفل الموجودة في الجنوب اللبناني لا تريد أوروبا أن يكونوا عرضة لأي استهداف إما بسبب حرب إسرائيلية مع حزب الله، وإما بسبب فوضى قد تنشـأ في الجنوب اللبناني لأسباب تتصل بأي عامل أمني أو سياسي آخر.
نتائج الانتخابات النيابية لن تحمل تغييرا جديدا في المعادلات الحاكمة من الخارج أو تلك المتصلة بمكوّنات السلطة، ولن تغير في سيطرة الدويلة وتحكمها ولا بحجم النفوذ الإيراني، هي انتخابات ربما تذكر بأنّ لبنان لم يزل فيه هامشا من الحياة الديمقراطية وإن وصفها البعض بأنّها اقرب إلى الفلكلور الانتخابي منها إلى انتخابات تضمن التنافس السياسي وتفتح أبوابا على حيـاة سياسية ضمن شروط الدولة لا الدويلة.