كتبت كلير شكر في صحيفة “الجمهورية”:
في منطق الأعداد، لن يغني المقعد الشيعي في دائرة كسروان – جبيل أو يُسمن في سلّة الثنائي الشيعي على امتداد الوطن. مقعد بالزائد أو مقعد بالناقص، ليست تلك المسألة ولا ينظر «حزب الله» إليها من زاوية ضيّقة، مع أنّه يعمل كل ما في وسعه لكي لا يخرج أيّ نائب شيعي من تحت «جلباب» الثنائي، ولكنه بالتأكيد يقارب الاستحقاق الكسرواني بمقعده الشيعي من منظار مختلف كلياً.
لن يكون تفصيلاً بسيطاً أن تولد اللائحة التي «استضافت» الشيخ حسين زعيتر، مرشّح «حزب الله» في جبيل، قبل ساعات قليلة من إقفال موعد تسجيل اللوائح الانتخابية في وزارة الداخلية. ولن يكون الأمر مجرد «بحثٍ وتحرٍ» في كومة الأسماء عن «إبرة» مرشحين موارنة غير مصابين بـ»عقدة» التحالف مع ممثل «حزب الله» في معقل أبناء مار مارون. المسألة أبعد من ذلك.
في الواقع، لن يكون سهلاً على «حزب الله، أو حتى حدثاً عابراً في مسيرته أن يواجه مرشّحه أزمة الانضمام الى لائحة في قلب جبل لبنان حيث يفترض أنّ حليف السنوات العشر وأكثر، أي «التيار الوطني الحر» هو الأكثر نفوذاً وتأثيراً في البيئة المسيحية.
ليس فقط لأنّ التيار العوني أقفل لائحته في وجه زعيتر، بل لأنّ ما سعى «حزب الله» إلى بنائه والمراكمة عليه منذ توقيع «تفاهم مار مخايل»، مُعتقداً أنه بالتحالف مع الحزب المسيحي الأقوى، سيَجد له موطئ قدم في البيئة المسيحية، بَدا في تلك اللحظة «سراباً».
قد يحاول كُثُر التخفيف من انفصال المسار الثنائي بين الحليفين، من خلال اعتبارها مناورة موضعية محصورة المفاعيل لا تتعدى في كونها تغليباً للمصلحة الانتخابية على ما عداها، ولا تضرّ في الحلف السياسي الذي سيستعيد عافيته فور إقفال صناديق الاقتراع.
لكن في نظر غيرهم للمسألة أهميتها وتداعياتها بسبب رمزية المقعد، والأهم من ذلك، بسبب الحسابات السياسية والخلفيات التي أملَت على قيادة «التيار الوطني الحر» الانتقال من ضفّة الحليف الى ضفّة الخصم في لحظة متغيّرات إقليمية اعتقدت أنها لمصلحتها!
وفق المعلومات، كانت المشاورات بين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله» تسير على ما يرام، الى حين أبدى «الحزب» رغبته بضمّ المقعد الجبَيليّ الى حصّته، وذلك بعدما جرى توزيع الحصص بينه وبين حركة «أمل»، وأدرج مقعد جبيل ضمن خانة «المقاعد الصفراء». هنا اعترضت القيادة العونية وطالبت بالإبقاء على الصيغة القائمة، أي بالاحتفاظ بالمقعد الشيعي ضمن تكتل «التغيير والإصلاح».
الاعتراض، كما تؤكد المعلومات، لم يكن على الاسم، ولا على مسقط رأس المرشح، وإنّما على المبدأ. إذ سجّل «التيار» انزعاجه من سحب المقعد من تكتله، وطالبَ في المقابل ببديل، وتحديداً المقعد الكاثوليكي في بعلبك ـ الهرمل.
ولهذا المقعد أيضاً «عقدته»، إذ انّ الوزير السابق ألبير منصور عقد تفاهماً مع رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان ليكون مرشّح الحزب عن هذا المقعد، وبالتالي لن يقف «حزب الله» ضدّ هذا التفاهم ولا ضدّ خيارات الحزب القومي كما لن «يحارب» الأخير نظراً للدور الذي يلعبه في سوريا وفي كونه حليف السرّاء والضرّاء. فرفض «حزب الله» الأجندة العونية، بعدما استحضرت قيادة «التيار» كل السيناريوهات الممكنة بما فيها تجيير مقعد شيعي أو سني لمصلحة الحزب القومي.
هكذا نقل «التيار الوطني الحر» حجرته إلى الجنوب ليطالب بالمقعد الأرثوذكسي الكامن في دائرة بنت جبيل ـ النبطية ـ مرجعيون ـ حاصبيا والذي يشغله حاليّاً حردان، في استراتيجية واضحة تحدّث عنها رئيس التيار الوزير جبران باسيل في أكثر من مناسبة وتقضي بضَمّ أكبر عدد من المقاعد المسيحية.
ومن زاوية الخلاف بين الحليفين تمّ رصد الحملة التي انطلقت في مواجهة زعيتر تحت عنوان أنه «ليس من بلاد جبيل»، مع أنّ أبناء المنطقة يعرفون دوره السياسي والاجتماعي والتنظيمي في جبيل وكسروان، لا بل الاعتقاد سائد أنّ مناخ الاعتراض لم يكن إلّا تعبيراً عن هذا الانفصال.
أكثر من ذلك، حُمِّل هذا الارتباك علامات استفهام حول خلفيات ما أقدم عليه «التيار الوطني الحر» تجاه حليفه في لحظة تمايز سياسي دقيقة عبّر عنها باسيل في أكثر من محطة، ولو أنه عاد وصَوّبها أو وضّحها، لكنها بالنتيجة زرعت بذور الشك في نيّاته وأبعاده.
إذ ليس من قبيل المصادفة أن يفتح «التيار» ذراعيه لتيار «المستقبل» في كل لبنان ويُغلقها في وجه «حزب الله» وجميع حلفائه، في وقت يُحكى عن تمايز، ولَو نسبي، يقوم به «التيار العوني» ويسوّقه رئيس الحكومة سعد الحريري لدى الرياض.
صحيح أنّ باسيل وفق المعلومات، يؤكد أمام حليفه الشيعي أنّ التزامه السياسي تجاه «تفاهم مار مخايل» لا غبار عليه حتى لو حصل الخلاف انتخابياً، وأنّ السابع من أيار يوم آخر… وصحيح أنّ قيادة «حزب الله» تتعامل معه على أساس أنه حليف، لكنّ نتائج حسين زعيتر في السادس من أيار قد لا تمرّ مرور الكرام على الجمهور الأصفر.
إذا ما أنقذَ الحاصل الانتخابي حسين زعيتر ورَفعه الى البرلمان، فستكون ثمّة حاجة ماسّة لإعادة ترتيب العلاقة بين الحليفين، ويُنقل عن رئيس الجمهورية ميشال عون في هذا السياق أنه سيتدخل بعد إقفال صناديق الاقتراع لإعادة «الصواب» الى المسار السياسي.
ولكن في حال خانَت الأصوات مرشح «حزب الله»، فلن يبلع جمهوره هذه الخسارة، على محدوديتها، وسيستعيد حكماً التراكمات وتوتّر الفترة الأخيرة ولن يحلل ببراءة أسباب خسارة مرشّحه في العمق المسيحي بعدما كان مؤمناً بأنّ التفاهم مع الحزب المسيحي الأقوى حَماه، ولسنوات مقبلة، من عواصف الاعتراض في الساحة المسيحية، وبأنه صار مقبولاً حتى ولو من دون «رفقة» حليفه.