كتبت ناتالي اقليموس في صحيفة “الجمهورية”:
للمرّة الأولى مَثُل، أمس، إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير أمام هيئة محكمة التمييز في المحكمة العسكرية في قضية أحداث عبرا، بعدما كان قد صَدر بحقّه حكم الإعدام عن المحكمة الدائمة في 28 أيلول العام الماضي. على وقعِ تناقلِ «فويسات» صباحاً بصوت الأسير، يُعلن فيها إضرابه عن «الطعام والدواء، نتيجة الظلم بحقّه، وسماعِه باستثنائه مِن العفو العام»، دخلت محاكمته و7 من المتّهمين معه فصلاً جديداً. فيما يستعدّ وكلاء الدفاع عن الأسير لـ»تقديم دفوع شكلية لإبطال التحقيقات الأوّلية»، وفق ما أكّده محمد صبلوح أحد وكلاء الدفاع لـ»الجمهورية». وفي سياق متصل، علمت «الجمهورية» أنّ تصعيد أهالي الموقوفين الإسلاميين المطالبين بالعفو العام سيتّسع، وقد يبلغ حدَّ قطع الطرقات في عددٍ من المناطق، ولن يتردّدوا في التلويح بمقاطعة الانتخابات لبلوغ هدفهم.
على عتبة باب قاعة محكمة التمييز في المحكمة العسكرية، فُكّت أصفاد الحديد عن يدَي الشيخ الأسير، ليدخل من الباب الرئيس لقاعة المحكمة، فيما المتّهمون الباقون أدخِلوا من بابٍ جانبي مباشرةً إلى قفص الاتّهام. وسط حراسةٍ أمنية مشدّدة، جلس الأسير على المقعد ما قبل الأخير من القاعة، مرّةً يَنزع نظاراته «عضم أسود» ليفركَ عينيه، ومراراً يمشّط لحيته الطويلة، وهو يتأمل جدران القاعة التي يَمثل فيها للمرّة الأولى.
في التفاصيل
قرابة الثانية عشرة إلّا ربعاً، افتُتِحت الجلسة، التي لم يكن على جدول أعمالها إلّا قضية أحداث عبرا، برئاسة القاضي طاني لطوف وفي حضور ممثّل النيابة العامة التمييزية المحامي غسان خوري.
نادى لطوف بدايةً «أحمد محمد هلال الأسير الحسيني»، فسُمع بنبضٍ خافت: «حاضِر»، فسأله القاضي: «مين حاضِر معك؟». فردّ الأسير وهو يتقدّم باتّجاه القوس: معي وكلائي الثلاثة، وهم أنطون نعمة، محمد صبلوح، وعبد البديع عاكوم».
ثمّ انتقل لطوف إلى تعداد المتّهمين السبعة الباقين ووكلائهم، عبد الباسط محمد بركات (عليا شلحة)، حسين محمد فؤاد ياسين (محمد صباغ)، يحيى طراف دقماق (عليا شلحة)، محمد علي الأسدي (محمود صباغ)، ربيع محمد النقوذي (أحمد سعد) وخالد عدنان عامر (زينة المصري).
سرعان ما ارتفعت التعليقات: «طارت الجلسة»، بعدما تبيّن تغيُّب وكيلة عامر، ولكن دقائق معدودة ودخلت المصري، فعادت الجلسة لتأخذَ مسارها الطبيعي.
بعدها، طلب لطوف تباعاً من المتهمين تقديمَ هوياتهم كاملةً، ثمّ توجّه بالسؤال إلى الأسير: «محكوم شِي سابقاً؟»، فأجابه: «لا». ثمّ سأله «هل أنت في حاجة إلى طبيب؟»، فأجاب الأسير: «لست في حاجة إلى طبيب يكشف عليّ». وطلب المحامي صبلوح، أحد وكلاء الدفاع عن الأسير، أخذ الكلامِ، قائلاً: «سَبق وقدّمنا إلى مفوّضية حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة طلباً، وقد جاءنا الردّ إلى الحكومة اللبنانية، ترجمناه إلى اللغة العربية». فقاطعَه لطوف مستغرباً: «عم تشكّك فينا قبل ما نبلّش المحاكمة؟».
وبعد نقاش، قرّرت المحكمة ضمّ المستندِ إلى الملف والطلبَ من صبلوح إبرازَ النسخة الأساسية في الإنكليزية. أمّا ممثل النيابة العامة فطلب أن يتمّ إرسال الردّ عبر مراجع حكومية مختصة.
فأوضح صبلوح «أنّ ردّ المفوّضية جاء عبر وزارة الخارجية اللبنانية وأبلِغ به رسمياً وأنّ وزير العدل وجَّه كتاباً جواباً عليه إلى مفوّضية حقوق الإنسان». فكرّرت المحكمة مطلبَها بأن يضعَ صبلوح في قلم المحكمة نسختين عن المستند الأساسي الإنكليزي الذي سيُبرزه في الجلسة المقبلة، ونسختين مترجَمتين إلى العربية.
تشنّج الأجواء
تشنَّجت الأجواء أكثر من مرّة خلال الجلسة، وبدا الغضب على ملامح لطوف حين حاوَل أحد وكلاء الأسير مقاطعة زميله وأخذ الكلامِ من دون موافقة مسبَقة، فبادرَه لطوف مراراً بالقول: «حين يَحين دورك نعطيك الكلام»، «ما فيك تِحكي ساعِة لبَدّك»، «نحن من يدير الجلسة، تفضّل خود محلّنا!». في المحصّلة، إستمهل وكلاء الأسير للتقدّم بالدفوع الشكلية قبل السير في المحكمة.
وتوجّه لطوف بالسؤال إلى وكلاء الدفاع الآخرين، قائلاً: «كي لا يتكرّر طلب الاستمهال، هل من يريد تقديمَ دفوع قبل أن نسيرَ في المحاكمة؟ أو هل من لديه طلبات؟». فجاء الجواب بالإجماع طلب الاستمهال لتقديم دفوع شكلية. وأرجأت المحكمة الجلسة إلى 31 أيار إمهالاً لوكلاء المتّهمين الثمانية تقديم دفوعهم الشكلية.
لماذا لم يُحقّق مع المسلحين؟
في سياق متصل، يَعتبر صبلوح في حديث لـ«الجمهورية» «أنّ العفو العام إذا تمّ لن يكون شاملاً، وقد يَستثني أحداث عبرا، لذا الرهانُ الأكبر على عدالة كاملة، أي التحقيق مع المسلّحين الذين قدّمنا كامل هوياتِهم وصورهم في الفيديو. لماذا حتى الآن لم يُستدعَ هؤلاء؟»، متأسّفاً لكون «المرتكب الحقيقي لا يزال يَسرح ويمرح خارج السجن».
وردّاً على سؤال حول «ماذا تنتظرون اليوم؟»، يجيب صبلوح: «ننتظر قرار إدانةٍ للمحكمة العسكرية من مفوّضية حقوق الإنسان، واعتبار المحاكمة التي خضَع الأسير لها غيرَ عادلة».
وتابع موضحاً: «كنّا قد لجأنا إلى الجهات القانونية كافة في لبنان من دون أن نصل إلى نتيجة، لذا توجّهنا إلى الأمم المتحدة لتبيان فِعلاً غياب العدالة، لذا قدّمنا 3 شكاوى لدى الأمم المتحدة، وقد تمّت مراسلة الحكومة اللبنانية بعدما تشكلت قناعة لدى المفوّضية عن غياب المعايير الدولية في المحاكمة، وطلبَت إلغاءَ حكم الإعدام بحقّ الأسير، وإعادةَ محاكمته أمام محكمة حيادية مختصة، وتحويلَ كلّ من حقّق مع الأسير إلى التحقيق، واعتبار التحقيق الأوّلي الذي اعتمدت عليه المحكمة العسكرية بحكم الإعدام باطلاً وغيرَ قانوني».
الإنتخابات «ورقتنا»
في موازاة ذلك، نفّذ أمس أهالي المحكومين في أحداث عبرا إعتصاماً في خيمتهم التي نصَبوها أمام دار الفتوى في صيدا بعد مرور 18 يوماً لإضراب أبنائهم عن الطعام وانضمام الأسير للإضراب من أجل إقرار قانون العفو العام الشامل قبل الانتخابات النيابية. وقد رفعَ الأهالي صوَراً لبعض الموقوفين ولافتاتٍ تضمّنت مطالبَهم. وقد زار مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان، الأهالي في خيمتهم.
يشدّد الأهالي في ما بينهم على أهمّية استثمار الانتخابات النيابية لقطفِ ثمار ملفّ العفو العام، على اعتبار أنه لولا الانتخابات النيابية لم يكن ليبرز الحديث عن العفو. فلا يتوانون عن التفكير في الضغط والاستفادة من ملفّ العفو العام وتمرير أكبر قدرٍ ممكن من أسماء أبنائهم.
وعلى خط التحرّكات التي جرت في صيدا، علمت «الجمهورية» أنّ أهالي الموقوفين يستعدّون لتنظيم تحرّكات في مناطق متعدّدة، لا تنحصر في مكان مركزيّ لرفعِ الصوت عالياً، وأبعد من ذلك لن يتردّدوا في قطعِ الطرقات يومَ الانتخابات بالإضافة إلى دعوتهم إلى مقاطعة العملية الانتخابية.