كتب بلال شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
بتوقيعه الموازنة الخيالية للبنتاغون 1,3 ترليون دولار، إستكمل الرئيس دونالد ترامب تمويل الاستعدادات للحرب الى جانب تشكيل سلطة القرار الاميركي من لون جمهوري واحد الى جانبه، بحيث لا يبقى أحد يربط العربة الى وسطه ويحاول عرقلة اندفاعها الى الأمام.
وفي هذا الصدد كان ترامب قد أصدر آخر قراراته بتعيين السفير جون بولتن مستشاراً للأمن القومي، وعيّن قبل ذلك بأيام مايك بومبيو وزيراً جديداً للخارجية، كذلك عيّن جينا هاسيل رئيسة لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (CIA).
وتأتي هذه التعيينات بعد مرور 3 اشهر على اعلان ترامب تعيين دافيد فريدمان سفيراً لبلاده، وتوقيع أمر تنفيذي بنقل سفارة بلاده الى القدس المحتلة وإعلانه استراتيجيته للامن القومي في 25 كانون الثاني 2017 والتي تناولت الامن الاقتصادي، اضافة الى بناء جدار على امتداد حدود الولايات المتحدة مع المكسيك.
وقال ترامب في سياق الدلالة الى استراتيجيته على أنها تمنع الفكر الاسلامي المتطرف من الوصول الى اميركا، انّ السياسات الاميركية السابقة أدت الى سيطرة «داعش» على مناطق واسعة من الشرق الاوسط.
وتأتي هذه التعيينات الرئاسية في مراكز الادارة الاميركية الأرفع بعد مرور خمسة اشهر على إعلان ترامب استراتيجية جديدة تجاه ايران، والتي تهدف الى «منع ايران من الحصول على السلاح النووي ودعم الارهاب وزعزعة الشرق الاوسط» حسب قوله.
وقد تمّ الآن عبر هذه القرارات إعداد سلطة القرار الاميركي لاتخاذ قرارٍ ضد ايران عبر تزنير مقاعد طاولة هذه السلطة في المكتب البيضاوي بأشخاص من اقصى اليمين الاميركي (وزيرا الدفاع والخارجية ومديرة «CIA» ومستشار الامن القومي ومدير FBI الى جانب الرئيس). ويترافق ذلك مع تحديد:
المصالح، لائحة الاهداف (الاعداء والخصوم حول العالم)، التحالفات، مسارح العمليات، لوائح الاسلحة.
وتأتي قرارات ترامب الاخيرة وسط استمرار صولات ولي العهد السعودي وجولاته الاميركية وتسارع الخطوات في الشرق الاوسط، في محاولة لإعادة رسم الجغرافيا السياسية احياناً بوسائل عسكرية بنحو مختلف عن الصورة الحالية، وكذلك وسط تصاعد الضغوط على السلطة الفلسطينية عبر القانون الاميركي الجديد الذي وقّعه ترامب والهادف لمقايضته المساعدات الاميركية للسلطة الفلسطينية بوقف تقديماتها لعوائل الشهداء والأسرى، وفي وقت أعلنت سلطات الاحتلال عن مخطط لبناء 600 وحده استيطانية جديدة في جبل المكبّر اعلى القدس المحتلة وعن مناورات عسكرية لحركة «حماس» على حدود القطاع، في وقت أُعلن انّ القوات التركية هي في صدد التحرك نحو «تل رفعت» وكذلك نحو الاراضي العراقية في سنجار، فيما تحدثت بيانات سعودية عن إطلاق الحوثيين سبعة صواريخ بالستية فوق الرياض. وفي سياق حربي تحدثت المعلومات عن توسّع أميركي لدائرة العمليات الحربية عبر استهداف (قيادات أفارقة خلال غارة اميركية على جنوب ليبيا)، ويأتي كل ذلك على وقع مشاورات فرنسية – ألمانية – إسرائيلية وحول الاتفاق النووي الايراني والكشف عن انشاء قاعدة استراتيجية اميركية في المحيط الهادي (جزيرة رويك) لاختبار أنظمة اعتراض الصواريخ.
يأتي كل ذلك وسط تقديرات اسرائيلية خاطئة، حسب المحللين، من انّ ايران ستخضع امام التهديدات، وانتباه ايران لاعتبار نظامها مستهدفاً بتغييرات في الادارة الاميركية (وخصوصاً مستشار الامن القومي الاميركي الجديد جون بولتون ودعم المعارضة الايرانية كـ»أداة» في اطار سياستها للإطاحة بالنظام الايراني والضغط لبدء مفاوضات حول دور إيران الاقليمي وبرنامج الصواريخ البالستية.
وتنطلق المصالح الاميركية العليا من فرض اقتصاد سائد وقوة عسكرية بلا منازع ووحدانية القرار الدولي، امّا لائحة الاهداف فتقف على رأسها روسيا والصين وكوريا الشمالية وأوروبا العجوز (حسب ما وصفها دونالد رامسفيلد وزير الدفاع في عهد بوش خلال غزو العراق) وايران وامتداداتها وبعض النظام الشرق أوسطي والارهاب.
وما يعنينا في هذه العجالة مسرح عمليات الشرق الوسط الذي يشمل حسب الخرائط: الشرق الاوسط الاميركي الموسّع (اي مناطق التماس مع روسيا في بحر قزوين وطريق الحرير امتداداً مع الصين وايران خصوصا، «تداعيات الانشطة الايرانية الخبيثة بقيادة فيلق الحرس الثوري الاسلامي وقوات القدس التابعة له في الساحات الرئيسية في الشرق الاوسط بما فيها سوريا، لبنان، العراق واليمن وفي الساحة الفلسطينية»)، وعموماً الوقائع المتصلة بسوريا ولبنان واليمن (امن الحليف السعودي) والاعداد لإنهاء النزاع العربي ـ الاسرائيلي والفلسطيني – الاسرائيلي على وجه الخصوص، إستناداً الى «صفقة العصر» التي أعدّتها ادارة ترامب، وتنتظر ان يكشف النقاب عنها قريباً، وهو الأمر الذي يحتاج الى استيعاب الوقائع المصرية والاردنية واللبنانية بما يمكّن واشنطن من توطين اي اعتراض فلسطيني.
وتسعى واشنطن الى ائتلاف تحالف راغبين لتحقيق هدفها بالانقلاب على الاتفاق النووي الايراني، والتوسّع الايراني (خطوط البر نحو سوريا ولبنان عبر العراق)، وعلى التهديدات التي تمثلها القوة الصاروخية الايرانية (من وجهة نظر اميركية واسرائيلية وسعودية)، وعلى تشكيل ايران كقوة اقليمية عظمى على خلفية قوتها الاقتصادية.
وتستثمر الولايات المتحدة الاميركية الى المدى الأقصى لاستجرار غطاء عربي إسلامي لصورة حركة واشنطن ضد ايران، وجملة اهداف شرق اوسطية على زيارة محمد بن سلمان ولي العهد السعودي الى الولايات المتحدة ولقائه مع ترامب، ومضمون المحادثات التي تركزت على «مكافحة سلوك ايران وتدخلاتها في المنطقة وبرنامجها للصواريخ البالستية وطموحاته النووية والتعاون الامني والعسكري والاقتصادي بين البلدين، ووضع اليمن والازمة السورية والقضية الفلسطينية او الطرح الاميركي لدفع محادثات السلام»، حسب ما اوردت الصحف السعودية.
امّا مسارح عمليات الولايات المتحدة الاميركية «الشرق اوسطية»، فهي منطقة الخليج والبحر الاحمر والبحر الابيض المتوسط إمتداداً الى افريقيا وشمالها على وجه الخصوص، ولوائح الاسلحة الخاصة بهذه الحروب هي تحالف الراغبين وقواته الجوية والتحالف العربي والدول الـ 23 الى جانب السعودية المشاركة في المناورات الاخيرة، والتي تستمر شهراً في المملكة، وقاذفات القنابل الاميركية العملاقة والمدمرات (قواعد إطلاق صواريخ الكروز) وحاملات الطائرات والقواعد العسكرية، وتشكّل اسرائيل رأس جسر للعمليات العسكرية المقبلة التي تستهدف حصار ايران انطلاقاً من لبنان وسوريا.
وتحضّر واشنطن لإطلاق عملياتها آخذة في الاعتبار من انّ قواتها العسكرية الخاضعة للقياده المركزية وفي الشرق الاوسط وآسيا الوسطى قد اعادت انتشارها منذ الانسحاب «الرسمي» المعلن عام 2011 وفي ظل التوترات المتزايدة مع ايران.
وتملك الولايات المتحدة 180 الف جندي في المنطقة الخاصعة لهذه القيادة بينهم 71 الفاً في افغانستان و20 الفاً في بوارج حربية، وتُبحر حالياً في المنطقة حاملة الطائرات «يو. إس. إس أيزنهاور» على ان تلتحق بها قريباً «يو. اس. اس. جون ستينيس».
ويوجد على مساحة بحار المنطقة وحاملة المروحيات «يو اس اس بونسد» مع طاقم معزّز من كاسحات الالغام مهمّته الحرص على بقاء مضيق هرمز مفتوحاً، وقد تضاعف عدد كاسحات الالغام منذ حزيران 2012 ليبلغ عددها 8 كاسحات.
ونشر الجيش الاميركي عدداً غير محدد من الطائرات المقاتلة ( اف – 22 الشبح) في قاعدة «الظفرة» في دولة الامارات العربية المتحدة وفي البحرين، ويتخذ الأسطول الخامس الاميركي مقرّه العام في المنامة».
كذلك نشر الجيش الاميركي طائرات «اف -15» في حاملات طائراته، وينتشر في القواعد الاميركية الخليجية 15 الف جندي في غريفجان – الكويت إضافة الى قاعدة «السالم» الجوية، وقد طلب الجيش الاميركي نشر 3000 عنصر إضافي من قواته بعد الانسحاب من العراق، وتوجد في الكويت الفرقة الثالثة من مشاة البحرية (القوات المجوقلة) في معسكر الدوحة بمعدّات متنوعة (دبابات وعربات مدرعة وطائرات هليوكبتر واكثر من 80 طائرة مقاتلة وقوات من الوحدات السريعة الانتشار، وفي قاعدة الظفرة الاماراتية نشر الجيش الاميركي عدداً غير محدد من الطائرات المقاتلة (إف-22 الشبح) التي تستعمل ايضاً القاعدة لمهمات الامداد والمراقبة والاستطلاع وفيها مستودعات متعددة لأغراض الدعم اللوجستي اضافة الى ميناءين مهمين يطلّان على المياه العميقة، الأمر الذي يبرز أهميتهما بالنسبة الى السفن العسكرية والكبيرة، كذلك يشكّل ميناء «جبل علي» في دبي محطة للسفن والبارجات الاميركية من اجل التزوّد بالوقود والغذاء.
وفي البحرين يتخذ الأسطول الخامس الاميركي من العاصمة المنامة مقره العام الذي يخدم فيه نحو 4200 جندي، ويضمّ حاملة طائرات وعدداً من الغواصات الهجومية والمدمّرات البحرية واكثر من 70 مقاتلة، اضافة الى قاذفات القنابل والمقاتلات التكتيكية وطائرات التزود بالوقود المتمركزة في قاعدة الشيخ عيسى الجوية.
وتقوم في قطر قاعدة العديد الجوية قرب الدوحة، وهي قاعدة إيواء للقوات الجوية الاميركية في حال اندلاع نزاع مع ايران ويمكنها إيواء 130 طائرة و10000 رجل، والقاعدة يمكنها استقبال اكثر من 100 طائرة على الارض وهي مقر للمجموعة 319 الاستكشافية الجوية التي تضمّ قاذفات ومقاتلات اضافة الى عدد من الدبابات ووحدات الدعم العسكري. امّا في سلطنة عُمان فتقوم قاعدة تتسع لحركة القاذفات العملاقة من طراز «بي 1».
امّا المملكة العربية السعودية فتضمّ احد مراكز القياده الاقليمية للقوات الجوية الاميركية (قاعدة الامير سلطان الجوية)، وفي القاعدة نحو 5000 جندي و80 مقاتلة اميركية، وتعمل القاعدة مركزاً للتنسيق في عمليات جمع المعلومات والاستطلاع والاستخبارات، ولكن منذ عام 2003 انتقل معظم جنودها الى قطر.
وفي المغرب تستخدم القوات الاميركية عدة قواعد ومنشآت، وقد سمح المغرب للولايات المتحدة بنقل قوات الانتشار السريع عبر اراضيه.
كذلك تملك الولايات المتحدة مراكز تدريب في قنيطرا وبيكاديللي وتتمركز قواتها منذ العام 2002 في قاعدة ليمونيه في جيبوتي. ومن الاردن بصفة خاصة تقود الولايات المتحدة تحالفاً عسكرياً ينفذ عملياته الجوية والبرية في سوريا والعراق، وتتمركز في الاردن غرفة عمليات «موك» المشتركة بقيادة اميركية لتنفيذ مهمات جوية ومختلفة في سوريا.
ويضاف إلى كل هذا القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في سوريا والعراق.
هذه بعض ملامح القوة والقواعد العسكرية الاميركية في الشرق الاوسط، عَدا عن انّ اسرائيل ومطاراتها وقواعدها الجوية ومنشآتها العسكرية تشكّل جيشاً أميركياً رديفاً وقواعد ارتكاز لأي صورة عسكرية اميركية مقبلة، فيما تشكل القواعد العسكرية والمطارات الاميركية في المقابل قوى احتياطية مساندة لتل أبيب.
ولا بد هنا من الاشارة الى التدريبات الاميركية ـ الاسرائيلية التي جرت أخيراً في النصف الاول من آذار على القتال في المدن داخل أنموذج لقرية شرق أوسطية، وقد جرت التدريبات داخل قاعدة «تسليم» الاسرائيلية، وقد شارك جنود اميركيون مع القوات الخاصة الاسرائيلية في التدريب على تشكيلات المعارك ونشر طائرات الهوليكوبتر والإجلاء الطبي (هذه المناورات هي جزء من تدريبات مشتركة على الدفاع الجوي تجري كل عامين).
كل ما تقدّم هو بعض ملامح الإعداد الاميركي للحرب المقبلة او التهويل بها تَوخّياً لنتائج تناسب او تلائم المصالح الاميركية. فهل هي قراءة متسرعة طائشة؟
ربما، ولكنها تعبّر عن قلق مشروع…