كتبت صحيفة “الأخبار”: تحت ضغط «باريس 4» والانتخابات، أقرّ مجلس النواب موازنة عام 2018، أمس، بعد 4 جلسات متتالية، على مدى يومين، وبذلك يكون البرلمان قد أعطى الحكومة براءة ذمة للاستدانة، قبل انعقاد مؤتمر سيدر بنحو أسبوع. لعل أفضل تعبير لوصف جلسات أمس ما جاء على لسان النائب حسن فضل لله بأن البنود مُررت كلها «سلق بسلق»
استأنف مجلس النواب قبل ظهر أمس مناقشة موازنة 2018، فردّ في مستهلها وزير المال علي حسن خليل على مداخلات النواب في اليوم الأول، قائلاً «حرصنا على تقديم الموازنة وفق المواعيد الدستورية والأصول». وأشار الى «أننا أمام أزمة في نمو الدين، لكننا بالتأكيد لسنا دولة مفلسة إنما موثوقة مالياً وتحترم التزاماتها ولم تتعرض يوماً لانتكاسة في دفع التزاماتها للجهات المقرضة أو غيرها، ونحن بحاجة الى إعادة هيكلة ديننا العام وإيجاد إدارة جديدة له». وأكد الاستعداد «لأن نبادر إلى إجراء تعديلات مناسبة على أي إنفاق وواردات يمكن أن تضاف»، لافتاً الى «أننا لم نضمّن الموازنة أي ضرائب أو رسوم جديدة، والأهم أنها حافظت على الحقوق المكتسبة»، وأكد أنه لم يتم تهريب أي إنفاق خارج إطار الموازنة العامة وسلفة الكهرباء مدرجة ضمن الإنفاق.
وكان لرئيس الحكومة سعد الحريري ردّه على كل الانتقادات الموجّهة الى الحكومة والموازنة. وقال إن «تأخّر طرح الموازنة في مجلس الوزراء لم يكن لأننا كنا نريد أن نتأخر، لكن الوضع السياسي في البلد كلنا نعرفه ونعيشه وندفع ثمنه». واستغرب القول بأن «مؤتمر سيدر هو انتخابي، فهل نتوقف عن المشاركة بالمؤتمرات كي لا يقال عنها إنها انتخابية؟». وحول القروض التي سيحصدها المسؤولون من خلال المؤتمر، قال الحريري: «المجتمع الدولي يرغب في مساعدة لبنان، فهل إذا استطعنا أن نجلب قروضاً ميسّرة لننفذ مشاريع عدة، يجب أن نرفض»؟
وتابع الحريري «الجميع يتكلّم بالفساد، والجميع ضده والجميع يريد أن يحاسب، ولا أحد قدم لي اسماً واحداً لنحيله الى المجلس التأديبي، ونحن مستعدون لمحاسبة الفاسدين حتى لو كانوا من تيار المستقبل». وفي ملف القضاء، أسف الحريري لتنفيذ الإضرابات في هذا القطاع، فرد رئيس مجلس النواب نبيه بري بالقول «القضاء سلطة مستقلة، والدرجات الثلاث التي يطالب بها القضاة هي من منطلق التساوي».
بعد انتهاء مداخلة الحريري، توقف البث التلفزيوني المباشر، وبدأت الهيئة بمناقشة الموازنة بنداً بنداً، وكان أبرزها بشأن الإعفاءات والتسويات الضريبية. افتتح هذا النقاش النائب سامي الجميل الذي سأل عن إعفاء الشركات والمؤسسات من الضرائب. وتضاربت المواقف حول احتساب نسب الإعفاء. فرد عليه وزير المال من دون أن يسميه قائلاً إن الإعفاءات تحفيزية لحث الناس على دفع التراكمات.
البنود الحساسة في الموازنة نوقشت في جلسة أمس المسائية التي تميزت، بضيوف جلسوا في صفوف الصحافيين، منهم نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود، ورئيس مجلس القضاء الأعلى جان فهد والمدعي العام التمييزي سمير حمود. وقد جاء حضورهم لمتابعة نقاشات النواب والحكومة في البنود المتعلقة بهم، الدرجات الست للمعلمين والمفعول الرجعي وصندوق تعاضد القضاة وطابع الـ 20 ألف ليرة.
وقد نجح القضاة في الضغط على الحكومة ومجلس النواب، الذي أقر لهم ثلاث درجات، واستقلالية الصندوق التعاضدي، وشهر نصف شهر عطلة قضائية، رغم عدم موافقة رئيس الحكومة الذي رفض التعليق بسبب رفضه الأمر. أما المادة المتعلقة بالمعلمين، فقد تم تعليقها لأن المجلس النيابي رفض حمل كرة النار، لأن المسألة أكبر منه.
ومن البنود الأساسية التي تم إقرارها استثناء عائلات الشهداء والجرحى والمعوّقين في الجيش والأجهزة الأمنية من تقسيط السلسلة.
وبشأن الكهرباء، ألغيت المادة المتعلقة بزيادة التعرفة، ووافق المجلس على تسوية التكاليف المتعلقة بالضريبة وإعفاء الشركات من الغرامات المقدمة أمام لجنة الاعتراضات. كما أعطى المجلس الإمكانية لمالك العقار لتسوية المخالفات. أما في ما يتعلق بدوام العمل فقد تمت الموافقة على اعتماد 34 ساعة، لكن على الحكومة أن تقر ذلك بمرسوم.
وقد أثار النائب ابراهيم كنعان أكثر من مرة مسألة ضرورة الرقابة المسبقة على القروض والهبات، لأن الرقابة اللاحقة لم تطبق منذ عام 1995، واعتمادها يعني «يلّي ضرب ضرب ويلّي هرب هرب»، وأيده في ذلك نواب حزب الله. وتعهد الحريري بتعبئة الفراغات في ديوان المحاسبة خلال شهر واحد.
من جهة ثانية، طالب النائبان علي عمار وحسن فضل الله مجلس النواب ببتّ ملف الناجحين في مجلس الخدمة المدنية سريعاً. وأكد رئيس مجلس النواب نبيه بري أن حقَ هؤلاء محفوظ.
ولم يقرن حزب الكتائب حرصه الذي عبر عنه رئيسه على النصاب بالواقع. فلم يحضر الى المجلس النيابي سوى النائب سامي الجميل الذي بقي صامتاً، باستثناء تعليقه على نقاط غير أساسية وبطريقة ساخرة. فأدى ذلك الى صدام بينه وبين الحريري حين قال الجميل «الحريري ما بيحب يسمعني». فرد الحريري «أنا بسمع اللي بيفيدني وبس».
وجرى التصويت على الموازنة بالمناداة. فأيدها 50 نائباً، وامتنع عن التصويت عليها 12 (نواب حزب الله، نبيل نقولا، غسان مخيبر، شانت جنجنيان، طوني أبي خاطر وخالد الضاهر)، وصوّت ضدها 2 (سامي الجميل وسيرج طورسركيسيان). وبعد الانتهاء من الموازنة، فتحت جلسة جديدة أقرت خلالها 10 مشاريع اتفاقيات دولية. وعلقت المادة 84 من قانون الانتخابات لجهة عدم استخدام البطاقة الممغنطة لهذه الدورة الانتخابية فقط.
وقد تقصد الرئيس الحريري، بعد رفع الجلسة، تهنئة إبراهيم كنعان على إقرار الموازنة أمام الجميع، مؤكداً أنه «لولا عمل لجنة المال لما توصلنا الى هذه النتيجة».
يذكر أن مسألة النصاب استوجبت في إحدى المرات أقفال أبواب القاعة الداخلية، إلى درجة أن أحد النواب توسّل بري أن يسمح له بالذهاب لقضاء حاجته.