كتب محمد شقير في صحيفة “الحياة”:
يستعد لبنان للدخول بعد إجراء الانتخابات النيابية في السادس من أيار المقبل في مرحلة سياسية جديدة غير التي تسبق إنجاز هذا الاستحقاق لإعادة تكوين السلطة في لبنان، ويفترض أن تؤدي -كما يقول نواب ووزراء من مختلف الأطياف السياسية والطائفية في لبنان- إلى خلط الأوراق من دون أن تكوّن حكومة بثبات «إعلان النيات» بين «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية» ولا بالتمسك بحرفية ورقة التفاهم بين «حزب الله» و «التيار الوطني الحر» التي توصل إليها أمينه العام السيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون في شباط (فبراير) 2006، أي قبل سنوات من انتخابه رئيساً للجمهورية.
ويبقى الثابت الوحيد كما يقول هؤلاء لـ «الحياة»، التحالف الاستراتيجي بين حركة «أمل» و «حزب الله» وإن كان الأخير يحرص على مراعاة حليفه «التيار الوطني» لكن ليس على حساب التفريط بتحالف «الثنائي الشيعي»، فيما أصابت الندوب السياسية نتيجةَ الائتلافات الانتخابية «قوى 8 آذار»، التي لم تحسن التحالف تحت سقف واحد، كما أصابت من قبل ومنذ دعم رئيس الحكومة زعيم تيار «المستقبل» ترشح العماد عون للرئاسة «قوى 14 آذار» التي أصبحت من الماضي ودخلت في متاهات الخلاف حول أولوية الخيارات السياسية.
ويلفت النواب والوزراء أنفسهم إلى «إمكان قيام كتلة وسطية في البرلمان العتيد تجمع تحت سقفها «اللقاء الديموقراطي» بزعامة وليد جنبلاط، الذي يحرص حتى الساعة على تحالفه مع تيار «المستقبل» من موقع التباين حول عدد من القضايا، أبرزها ملف الكهرباء، والرئيس نجيب ميقاتي وتيار «المردة» برئاسة سليمان فرنجية، مع أن جنبلاط نجح في تثبيت تحالفه الانتخابي مع القوات ولم يخضع لحملات التهويل والابتزاز التي مارسها «التيار الوطني».
ويؤكد هؤلاء: «إذا كانت التسوية التي توصل إليها العماد عون قبل انتخابه رئيساً للجمهورية مع الحريري ستبقى صامدة ولن تتأثر بالتداعيات السياسية للانتخابات النيابية، خصوصاً أن «التيار الوطني» و «المستقبل» يطمحان للوصول إلى البرلمان بأكبر كتلتين نيابيتين لا يمكن التفريق بينهما مهما كثرت الإغراءات السياسية، فإن دفعهما إلى الطلاق السياسي يبقى من سابع المستحيلات».
ويشدد هؤلاء النواب والوزراء على أن «ثبات التحالف بين المستقبل والتيار الوطني لا يعني أن الأخير لديه القدرة على التفريط بعلاقته بحزب الله، وسيحاول رئيسه وزير الخارجية جبران باسيل اتباع سياسة تدوير الزوايا، لأنه في حاجة ماسة إليه لعبور الممر الآمن إلى رئاسة الجمهورية، على رغم أنه يخوض من خلال الانتخابات النيابية أولى معاركه في مواجهة منافسيه رئيس «القوات» سمير جعجع وزعيم «المردة» سليمان فرنجية».
باسيل وسدة الرئاسة
ويضيف هؤلاء أن باسيل بدأ يخطط منذ الآن للوصول إلى سدة الرئاسة الأولى، وهذا ما يبرر له من وجهة نظره عدم التقيد بالحد الأدنى من قناعاته السياسية في نسج تحالفاته الانتخابية وقد نجح إلى حد كبير في أن يتحالف مع «الثنائي الشيعي» و «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية» (الأحباش) في دائرة بيروت الثانية، مقابل تحالفه في أكثر من دائرة مع خصم الأخيرة، أي «الجماعة الإسلامية»، إضافة إلى تفضيله التحالف مع رئيس الحزب «الديموقراطي اللبناني» الوزير طلال أرسلان في الشوف وعاليه على حساب حليفه الآخر رئيس حزب «التوحيد العربي» وئام وهاب.
ويرى النواب والوزراء أنفسهم أن باسيل «نجح إلى حد كبير في أن يستثمر ما يقال في الصالونات السياسية من أن لا صوت يعلو فوق صوته داخل الفريق الذي تتشكل منه الحلقة الضيقة إلى جانب رئيس الجمهورية أو في عرينه «التيار الوطني». ويقوم بإقصاء المرشحين المحسوبين على «تكتل الإصلاح والتغيير» ممن لا يدينون له بالولاء المطلق، إضافة إلى تنظيم حرب إلغاء في بعض الدوائر الانتخابية، ظناً منه أنه سيكون الممثل الأقوى إن لم يكن الأوحد للمسيحيين في البرلمان، على غرار ما أنجزه في التعيينات الإدارية التي مكنته من الإطاحة بكل من يعتقد أن ولاءه للآخرين وليس له».
ويكشف هؤلاء أن لا فضل لباسيل في ضم نائب رئيس البرلمان السابق إيلي الفرزلي على لائحة الوزير السابق عبدالرحيم مراد في منافسة لائحة «المستقبل- التقدمي» في «البقاع الغربي راشيا»، ويؤكدون أن مراد وافق على مضض على ضمه إلى لائحته بتدخل من مرجع كبير وبوساطة من رئيس البرلمان نبيه بري».
ويعزون السبب إلى أن باسيل «يخطط لإبعاده في حال فوزه عن الترشح لمنصب نائب رئيس البرلمان لأنه يفضل أن تقع «القرعة» على عضو «تكتل التغيير» الوزير السابق الياس بوصعب، كما فعل في إقصائه نواباً حاليين عن الترشح، واعداً إياهم بإسناد حقائب وزارية إليهم في الحكومة الجديدة، على رغم أن كثرة وعوده في هذا المجال لا تحصى، ما دفع أحد النواب إلى القول على هامش الجلسة النيابية التي خصصت لإقرار الموازنة للعام الحالي، إن الاستجابة لوعوده باتت تستدعي تشكيل حكومة فضفاضة تتسع لأكثر من 40 وزيراً».
ويؤكدون أن باسيل نجح من حيث يدري أو لا يدري في الإكثار من خصومه السياسيين، سواء من خلال مواقفه في معظم جلسات مجلس الوزراء أو عبر مفاوضاته لتشكيل اللوائح الانتخابية، بذريعة أنه يخطط للمجيء بأكبر كتلة نيابية داعمة لرئيس الجمهورية، ليكون في وسع الأخير لعب دور فاعل لتأمين ولادة طبيعية لحكومة العهد الأولى، كأن حكومة «استعادة الثقة» برئاسة الحريري ولدت شبه يتيمة».
ويسأل الوزراء والنواب أنفسهم: «إذا كان باسيل استأثر بالحصة الكبرى من التعيينات التي أصدرتها الحكومة الحالية، مع أنها ليست من وجهة نظره حكومة العهد الأولى، فكيف سيكون وضعه في الحكومة العتيدة، على رغم أن الحريري نجح في أن يعيد لبنان إلى خريطة العلاقات العربية فيما كان باسيل السبب في افتعال معارك جانبية مع عدد من دول الخليج، وتبين أن لا لزوم لها».
الحريري وشبكة الأمان
كما أن الحريري لعب دوراً في إعادة لبنان إلى شبكة الأمان الدولية التي ساهمت إلى حد كبير في تدعيم الاستقرار السياسي والأمني، وفي الوقت ذاته في إخراجه من تأثير محور دول «الممانعة» على سياسته الخارجية، تمهيداً للانتقال به موقع يضمن للبلد تحييده عن الحروب المشتعلة حوله في المنطقة».
ويقول الوزراء والنواب إن «المعيار الوحيد الذي يتبعه باسيل في نسج تحالفاته الانتخابية يكمن في أنه لا يبالي في جمعه بين الأضداد تحت سقف واحد بحثاً عن مقعد من هنا وآخر من هناك يؤمن له الوصول إلى البرلمان على رأس أكبر كتلة نيابية، وهذا ما لم ينسحب على «المستقبل»، الذي حرص إلى حد ما في تشكيل لوائحه الانتخابية على الانسجام بطروحاته السياسية، وإن كنا نعتقد أنه أعطى بتحالفه مع التيار الوطني حصة منتفخة تفوق حجمه الانتخابي في بعض الدوائر».
وعليه، فإن مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية ستكون مفتوحة على احتمالات تتجاوز في معظمها تشكيل الحكومة الجديدة إلى الإعداد للمعركة الرئاسية ولو في وقت مبكر، و «هذا لن يريح باسيل، الذي سيجد نفسه محاصراً من قوى سياسية يمكن أن تتجمع تحت عنوان واحد، لتقطع الطريق عليه في حال مضى في سياسة الإلغاء كمعبر وحيد له لبلوغ طموحاته الرئاسية، وإلا كيف سيتصرف مع هذا الحشد السياسي من الخصوم وهو يعتقد سلفاً أن ليس هناك من يجاريه في حروبه، وتحديداً «حزب الله»، الذي يضطر في بعض الأحيان إلى «بلع الموسى» بعدم الرد على باسيل في بعض مواقفه، وآخرها أن لا خلاف أيديولوجياً مع إسرائيل، من دون أن يصفح له في لقاءات المصارحة التي تجمعهما من حين إلى آخر».
ويبقى السؤال عن موقف الحريري ورد فعله على قول باسيل إن حكومة العهد الأولى ستتشكل بعد إجراء الانتخابات وكأن الحكومة الحالية شكلت بدلاً من ضائع أو جيء بها لتصريف الأعمال، على رغم أنها أعادت الثقة بلبنان وعملت على تصحيح علاقاته بعدد من الدول العربية وأشرفت على إجراء الانتخابات وأقرت موازنتي العامين الماضي والحالي، وان كانت منحته موافقة على «بياض» في جولاته الاغترابية التي قوبلت باعتراض من الداخل واللبنانيين المقيمين في الخارج، احتجاجاً على بعض مواقفه التي لم تكن جامعة؟
ومع أنه يقال إن الحريري عائد لتشكيل الحكومة العتيدة، فإن أول مشكلة يمكن أن تواجهه تتعلق بالضغط على باسيل، سواء كان في الحكومة أو على رأس «تكتل التغيير»، من أجل تحسين سلوكه السياسي وتنعيمه، والكف عن تقديم نفسه على أنه الإصلاحي الأول والأخير في البلد.