كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: أقرت الحكومة اللبنانية على عجل في وقت مبكر أمس موازنة 2018، التي كانت العقبة الأخيرة، قبل الذهاب إلى مؤتمر باريس للمانحين الذي سيقام الأسبوع المقبل، في محاولة لإنعاش الوضع الاقتصادي والمالي المتدهور.
ويتعرض لبنان، إحدى أكثر الدول المدينة في العالم، لضغوط لإظهار أنه مستعد لتنفيذ حزمة إصلاحات في المالية العامة قبل المؤتمر الذي يعول عليه لجمع مليارات الدولارات.
وجاءت الموازنة أكثر تقشفا وإن بشكل بسيط مقارنة مع موازنة العام الماضي التي توقعت عجزا بقيمة 5 مليارات دولار، وهو ما شكل رقما قياسيا.
وبلغت قيمة العجز في المسودة الأولى لمشروع الموازنة عند اقتراحه من قبل الحكومة عند 6.7 مليار دولار، قبل أن تخفضه وتحيله إلى البرلمان عند حاجز 4.8 مليار دولار.
وتأتي المصادقة على الموازنة للعام الثاني على التوالي بعد توقف لسنوات منذ العام 2005، لم يقر لبنان خلالها أي موازنة جراء الأزمات السياسية المتلاحقة والشلل في المؤسسات الدستورية.
وبعد تسوية سياسية أدت قبل أكثر من عام إلى انتخاب رئيس للبلاد وتشكيل الحكومة الحالية، يعتزم لبنان إجراء انتخابات برلمانية في السادس من مايو المقبل.
وجاء تسريع إقرار موازنة هذا العام بالإضافة إلى قوانين أخرى مرتبطا بالاستثمار في القطاع الخاص، في إطار خطة اقتصادية شاملة تنص على ضبط أوضاع المالية العامة واستثمار 23 مليار دولار في البنى التحتية على مدى 12 عاما.
ومن المقرر أن تقدم هذه الخطة أمام مؤتمر “سيدر”، الذي يعقد الجمعة المقبل في العاصمة الفرنسية، يحضره ممثلون عن العديد من الدول العربية والأوروبية، إضافة إلى مؤسسات مالية إقليمية ودولية.
وتأمل بيروت أن يحصل في مرحلة أولى وفق ما قال نديم المنلا المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة سعد الحريري، لوكالة الصحافة الفرنسية، على دعم يتراوح بين 6 و7 مليارات دولار على شكل خطوط ائتمان وهبات من إجمالي 10 مليارات دولار مقررة في هذه المرحلة من خطة الاستثمار.
وكان المنلا قد أكد لوكالة رويترز الأسبوع الماضي أن السلطات في بلاده وضعت اللمسات النهائية على خطة استثمارية تقدر تكاليفها بنحو 16 مليار دولار سيعرضها على مؤتمر باريس.
واستفاد لبنان طيلة السنوات السبع عشرة الماضية من ثلاثة مؤتمرات دعم دولية نظمتها فرنسا أبرزها مؤتمرا “باريس 2” في العام 2002 و“باريس 3” في العام 2007.
وحصلت بيروت على جزء من الالتزامات المالية التي وعدت بها الجهات المانحة، بعد فشلها في تبني وتحقيق إصلاحات بنيوية تعهدت بتنفيذها، ويجمع الخبراء الاقتصاديون على كونها ممرا إلزاميا لدفع الاقتصاد اللبناني.
وتتعالى الأصوات في الأشهر الأخيرة داخل لبنان، محذرة من انهيار اقتصادي وشيك، لكن ورغم اعتراف المسؤولين في الحكومة بأن بلادهم أمام أزمة اقتصادية، بمن فيهم وزير المالية علي حسن خليل، إلا أنهم يؤكدون أن بلدهم لم يصل بعد إلى درجة الإفلاس.
وقبيل إقرار الموازنة قال خليل إن “الحكومة تتجه إلى إصدار سندات خزانة بقيمة 5 مليارات دولار في عملية مبادلة مع البنك المركزي، مقابل سندات خزانة بالعملة المحلية لتمويل الإنفاق العام بالليرة اللبنانية بفائدة 1 في المئة”.
وأوضح في كلمة أمام البرلمان أن العملية ستعزز احتياطات البلاد من النقد الأجنبي، وتوفر على الخزينة اللبنانية 2.2 تريليون ليرة (1.5 مليار دولار).
وأشار إلى أن الدولة بحاجة إلى توفير حوالي 7.3 مليار دولار لتغطية النفقات والمصروفات المستحقة عليها بالعملة الصعبة هذا العام. وقال إن “جزءا من ذلك المبلغ سيأتي من الإيرادات، أو عبر مبادلة سندات استحقت في السنوات الأخيرة أو ستستحق هذا العام”.
لكنه اعترف أن المبادلة قد تؤثر على السوق، لذلك تجري الحكومة مناقشات جادة مع مصرف لبنان المركزي بشأن الآثار الإيجابية والسلبية لمثل هذه العملية.
وأكد محافظ المركزي رياض سلامة في مقابلة مع صحيفة “ديلي ستار” المحلية الخميس أنه لا توجد نية لخفض قيمة العملة المحلية. وقال إن “أي خفض لقيمة الليرة المربوط بسعر صرفها بالدولار منذ عقدين سيقوض الثقة والاقتصاد وسيرفع سعر الفائدة أكثر بكثير”.
وارتفع معدل النمو الوسطي في السنوات الثلاث الأخيرة إلى نحو 1.1 بالمئة، وفق صندوق النقد الدولي، بعدما سجل نسبة 9 بالمئة في 2010.
ويعتبر لبنان من بين الدول الأعلى مديونية في العالم قياسا إلى الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة تبلغ نحو 150 بالمئة.
وشهدت البلاد منذ العام 2011، تدهورا في الوضع الاقتصادي جراء الانقسام السياسي حول ملفات داخلية كثيرة وعلى خلفية النزاع في سوريا المجاورة الذي تسبب في موجة نزوج من اللاجئين إليها.