تحاول بعض الأطراف السياسية أن تصور للمواطنين اللبنانيين عامة وللناخبين خاصة أن ما بعد الانتخابات لن يكون كما قبلها، لاسيما إذا اقترعوا بالتحديد للثنائي الشيعي وتيار المستقبل و”التيار الوطني الحر”.
الثنائي الشيعي ولا سيما “حزب الله” يشدد على ان صورة الوضع الاجتماعي والمعيشي يجب ان تتغير بعد الانتخابات وذلك من خلال مكافحة الفساد ووقف الهدر ووقف الاستدانة، ما سينعكس إيجابا على حياة اللبنانيين بانتعاش اقتصادي ومشاريع تطال المناطق التي تعتبر محرومة ومنها بالتحديد بعلبك الهرمل. ولكن واقع الحال ليس كذلك إذ ان مواجهة الفساد والهدر ليست عملية سهلة وسريعة، بل هي معقدة جدا تدخل فيها اعتبارات سياسية وطائفية ومذهبية، وليست هي إن حصلت ستوقف شكوى جمهور “حزب الله” مما يعاني منه. فما حصل في حي السلم من رد فعل على إزالة بعض الأكشاك ليس ناجما عن وجود هدر وفساد في البلد، بل هو ناجم عن مسار طويل من الحاجة والعوز، ومسار أطول من الإستقواء وغض النظر عن مخالفات وممارسات تراكمت وأصبح الخلاص منها أمرا شبه مستحيل حتى على الحزب.
تيار المستقبل يقر المشاريع للمناطق ويعلنها للناخبين حتى قبل الموافقة عليها وعلى تمويلها، متكلا على أن أموال القروض آتية من خلال مؤتمر “سيدر”، وانه بعد الانتخابات وإعادة تشكيل الحكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري ستنطلق ورشة البنى التحتية في البلد فيعمل فيها النازحون السوريون كيد عاملة وتستفيد شركات ومقاولون لبنانيون ويتحسن مستوى حياة اللبناني، فتكون الوعود في مكانها. أضف الى ذلك أن تيار المستقبل يرى ان أبواب الخليج ستنفتح باتجاه لبنان وان رعايا تلك الدول سيسوحون في ربوعه معيدين الأيام الغابرة ومنفقين ما يحملون معهم من أموال.
هذه الصورة الوردية يتقاسمها تيار المستقبل مع “التيار الوطني الحر” ويتقاسمان أيضا مسألة أساسية بالنسبة للبنانيين وهي مسألة الاستراتيجية الدفاعية وهنا المشكلة الكبرى.
إن الاستراتيجية الدفاعية بالنسبة ل”حزب الله” موجودة وهي بالتحديد ما هو موجود حاليا، أي ان الحزب يعمل على الصعيد العسكري بشكل مستقل وقيادته هي التي تتخذ القرارات في لبنان وخارج لبنان من دون اي شريك لبناني رسمي أو غير رسمي. وقد نجحت هذه الاستراتيجية بالنسبة للحزب ولا مجال لتغييرها وكل كلام في هذا الإطار هو فقط من باب تكريس هذه الصيغة رسميا.
إن جل ما يريده تيار المستقبل و”التيار الوطني الحر” هو إقرار عنوان الاستراتيجية الدفاعية مع علمهما أن العمل في التفاصيل ليس متاحا أبدا، ولا سيما لجهة دور سلاح “حزب الله” وأمرته وقراره. وبالتالي فإن المراد من هذا العنوان هو القول للمجتمع الدولي إننا توصلنا الى استراتيجية دفاعية، وكأن هذا المجتمع يعيش في عالم آخر ولا يدرك ما يجري بالفعل على أرض الواقع المحكومة بقرارات دولية وحقائق ووقائع.
حال الوعود في لبنان اليوم كوعد أبليس بالجنة، ورغم ذلك نأمل في تحقيق ولو الجزء اليسير من هذه الوعود الوردية، لاسيما وأن بعض من في هذه القوى السياسية تتوفر عنده الإرادة المستمرة وفي مقدمهم الرئيس سعد الحريري حتى ولو عاكسته الظروف مرات ومرات.