كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:
يخوض التيار الوطني الحرّ معركة تكريس نفوذه السياسي داخل السلطة، وتثبيت حضوره النيابي بأكبر كتلة مسيحية، وهو ما يسعى إليه عبر تحالفات انتخابية «ظرفية وهجينة» كفيلة بتحقيق أهدافه، التي تواجَه بانتقادات حادّة، من قبل قوى وأحزاب مسيحية أخرى على رأسها تيّار «المردة» وحزب «الكتائب»، تتهم التيار بأنه «صاحب برنامج سلطوي، يعمل على تجيير الدولة ومؤسساتها لصالح مشروعه بغطاء من العهد، ممثلاً برئيس الجمهورية ميشال عون».
ولا يختلف اثنان على أن الاستحقاق الانتخابي، يشكّل جسر عبور إلى معركة رئاسة الجمهورية، ومن سيخلف عون في قصر بعبدا بعد 4 سنوات ونصف السنة، ولذلك لا ينكر قياديون في التيار الوطني الحرّ، أنهم يستخدمون كلّ الأسلحة السياسية لضمان حصولهم على أكبر كتلة نيابية، وتثبيت معادلة تمثيلهم المطلق للمسيحيين في لبنان، وتأمين كتلة وازنة يُبقي «العهد» قوياً.
وقدّم منتقدو رئيس الجمهورية والتيار البرتقالي، أدلة على ما سموها «إخفاقات (العهد) وفريقه»، فوصف عضو كتلة «الكتائب» النائب فادي الهبر، التيار الحرّ بأنه «حزب سلطة، وهدفه الإمساك بالسلطة بأي ثمن». ورأى، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «شغف الوصول إلى السلطة والمال، حمل التيار على بناء تحالفات متنوعة ومتعددة ومتناقضة، وكل ذلك يدعم وجوده في رئاسة الجمهورية»، معتبراً أن «الانتخابات المقبلة تكرّس تقاسم السلطة، بحيث يعطى التيار الحرّ كتلة نيابية كبيرة لتكريس تمثيله المسيحي، ويبقى القرار السيادي بيد (حزب الله) ورئاسة الحكومة عند سعد الحريري، ورفع تمثيل حزب (القوات اللبنانية) بعدد إضافي من المقاعد النيابية». وبرأي النائب الكتائبي فادي الهبر، فإن التيار «يخوض مع حلفائه القدامى والجدد معركة السلطة، البعيدة عن معايير السيادة والوطنية ومحاربة الفساد». وقال الهبر: «للأسف هذا عهد (بتاع كلّو)، شرّع من جديد الاستدانة وإنهاك الاقتصاد بديون داخلية من المصارف، وخارجية عبر مؤتمر (سيدر – 1)، ما يؤكد أنه العهد السلطوي بأي ثمن».
وقبل 35 يوماً على فتح صناديق الاقتراع، ارتفع منسوب إغراء الناخبين من قبل المرشحين، بخدمات اجتماعية ووظائف ومكاسب متنوعة، إذ اعتبر عضو كتلة «المردة» النائب سليم كرم، أن «تقديم أي مرشح للانتخابات خدمات لناخبيه أمر مفهوم، لكن من غير المفهوم، كيف أن أحد المتربعين على عرش السلطة من رأسها حتى أسفلها، يجيّر الدولة ومؤسساتها لمصلحته الخاصة». وكشف كرم في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن وزير الخارجية جبران باسيل «يسخّر مؤسسة كهرباء قاديشا (شمال لبنان) وأبنيتها، لتصبح مكاتب انتخابية له». وقال كرم «منذ أشهر وجبران باسيل يوزّع الوظائف العامة كخدمات لمناصريه وناخبيه، فيُدخل أعداداً كبيرة من أتباعه إلى المؤسسة العسكرية، ومن كانت لديه كسّارة (للرمال) مقفلة يعيد فتحها خلافاً للقانون، ومنذ أيام بدأ حملة تلزيمات النفط الموعود لأتباعه، عدا عن فضيحة استئجار بواخر الكهرباء، وغيرها من فضائح».
هذه الاتهامات ردّ عليها عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب آلان عون، الذي لفت إلى أن «التيار الحرّ لا يمزج بين عمله الحزبي ومسؤولياته في الدولة»، معتبراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاتهامات التي تطال التيار ليست إلا جزءاً من معركة البعض الانتخابية»، مذكراً بأن التيار الحرّ «موجود بالحكومة منذ عام 2009 وفي عدد كبير من الوزارات، وهو يمارس السلطة بشكل مسؤول، لكن وجودنا في السلطة لا يحرمنا الحقّ من خوض الانتخابات، وحقنا أن نعمل على إيصال كتلة نيابية كبيرة ووازنة».
ولم يقتصر تصويب نائب «المردة» سليم كرم على سياسة باسيل وتياره فحسب، بل طال القصر الجمهوري، حيث قال: «نحن عايشنا الجنرال ميشال عون، وشعاراته باسم التغيير وإعادة بناء دولة المؤسسات والمواطنة والنزاهة والكفاءة، لكن للأسف الممارسة أثبتت عكس ذلك كلياً». وأضاف: «نعيش الآن في دولة التيار الحر ودولة جبران باسيل، بدل الدولة اللبنانية»، مستغرباً كيف أن «شخصاً مثل باسيل يتمتّع بالحصانة، يشتم رئيس مجلس النواب (نبيه بري)، الذي يمُثّل الشعب اللبناني ككل ويصفه بـ(البلطجي)، ولا يتعرّض لأي مساءلة أو محاسبة، ثم نكتشف أنه يصارع من أجل ضمان حصته في النفط والغاز». وأكد كرم أن «القوى الوطنية لن تستسلم لقرار جبران باسيل باستخدام الدولة والمؤسسات العسكرية من أجل مصالحه». وختم بالقول: «هذه ليست معركة انتخابية، إنها معركة الهيمنة على الدولة».
وسارع النائب آلان عون إلى نفي الاتهامات التي تساق ضدّ الرئيس ميشال عون، وقال: «كل من يصل إلى الحكم أو السلطة يختار فريق العمل الذي يثق به ويضعه في مواقع المسؤولية، وكل وزير يأتي بمن يرتاح إليه لمساعدته في مهامه». ورداً على سؤال حول ما يسمّى التحالفات الانتخابية «الهجينة» التي يبرمها التيار الحّر مع قوى كان على صراع معها مثل «الجماعة الإسلامية» وتيار «المستقبل»، من أجل كسب مقعد نيابي هنا وآخر هناك، رأى النائب آلان عون أن «أصحاب هذه الاتهامات لا يزالون يعيشون في الماضي». ولفت إلى أن «التسوية السياسية التي أتت بالعماد عون رئيساً للجمهورية جعلته على تماسٍّ مع الجميع، ومكّنت التيار الحرّ من إقامة مروحة تفاهمات واسعة، وجعل هامش التحالفات أوسع وأكبر، بخلاف القوى الأخرى التي لا تزال في خنادق قديمة». وختم آلان عون بالقول: إن «الغاية من معركتنا اليوم هو إيصال كتلة نيابية كبيرة ووازنة، ليبقى العهد قوياً وتعطيه مزيداً من الزخم».