كتبت منال عبد الأحد في صحيفة “الجمهورية”:
في قالب معاصر مزج أنطوان كلايس المقاربات الفنّية المتنوّعة ليسخّرها لخدمة المحتوى الذي يقدّمه ووضع الماضي والحاضر بالتوازي في أعمال فنّية تحاكي المضمون المتوغِّل في القِدم من خلال مفهوم فنّي حداثوي.
افتُتِح يوم الثلثاء المنصرم معرض «بين الأزمنة» للفنان الكندي أنطوان كلايس، ابتداءً من 6 مساءً وذلك في غاليري «شريف تابت» الكائن في «دي بيروت»، برج حمود، الطريق البحري.
استُهِلّ التعاون بين تابت وكلايس من خلال طلب إنجاز لوحة عن متحف بيروت تطالعنا في هذا المعرض بمقاربتها التي تجمع بين الموروث الثقافي اللبناني ورؤية كلايس العصرية التي تستقي من الحاضر إلهامها.
وفي المعرض لوحات عدة تتّسم بالمقاربة الشكلية للمضمون، حيث تلعب التصاميم الجرافيكية والعوامل المستلهَمة من الوسائط الرقمية والفنون المعمارية دوراً بارزاً، ممّا يضفي على المحتوى القديم نسبياً لمسةً معاصرة.
بين الرمزي والتجريدي والمعاصر
ولِكلايس رؤية خاصة في هذا المجال حيث يعتبر أنّ الفن التجريدي والرمزي لم يعودا مقاربتَين فنّيتَين قائمتَين بذاتهما اليوم، ولهذا فإنّه يستلهم من التجريدي العائد إلى ستينات القرن الماضي وما قبل ويقولبه ليخلق محتوىً معاصراً يحاكي الثورة التكنولوجية في عالمنا اليوم. يرى كلايس أنّ الفن اليوم يتجلّى في إيجاد طريقة خاصة للتعبير عمّا يجول في المخيّلة، ويجد في المقاربة التجريدية حقبة زمنية ماضية من تاريخ الفن، رغم أنّه، كما أسلفنا، يستخدم ويستلهم من اللغة التجريدية ليعبّر عمّا يخالجه، بيد أنّه يعتقد أنّ الفن اليوم يسير في اتّجاه آخر أكثر انفتاحاً على العصر.
فيذكر في حديثه، الذي خصّ به الجمهورية، أنّه وفي لوحاته عن لبنان، التي نفّذها بناءً على طلب تابت، تلك التي يجسّد فيها صورة قديمة لمدينة صيدا أو صخرة الروشة أو هاتيك التي يُظهِر فيها متحف بيروت، كما وفي اللوحات الأخرى، يضيف المربّعات وقطرات من الألوان ليضفي عليها طابعاً عصرياً متأثّراً بذلك بفنون الغرافيتي التي يعشق.
معرض استعادي
وعن معرضه اليوم يقول إنه استعادي إذ يرجع بنا أعواماً إلى الوراء، حيث تظهر الشبابيك وهي لوحات أعدّها لصور من المحيط الصناعي في «تورنتو»، وبعد ذلك تظهر الرسومات التي يُبرِز من خلالها مواقع البناء. ومن ثمّ عاد للرسم بعد توقّف إنما هذه المرة من خلال الثورة المعلوماتية الحاصلة إذ يعدّ مسودة الرسومات إلكترونياً ثمّ ينجزها يدوياً في لوحات لا تخلو من الغرابة والفرادة.
هذا وتحاكي لوحة صخرة الروشة رسماً أعدّه لصخرة مشابهة في «كيبيك» متواجد في المعرض، أضاف إليها المربّعات في لعبة فنّية فيها من الحذاقة والإبداع ما يحاكي الحداثوية بشكل ملفت ومتفلِّت وإن كان يتناول فيها محتوىً مستقىً من الماضي.
أما عن لوحة مدينة صيدا فيقول للجمهورية إنها تجسيد لصورة أعطاه إيّاها تابت للمكان، ممّا أثار في أعماقه جدلية بصرية عالجها في لوحة وضع فيها المربعات من جديد ليخلق نوعاً من التواصل الآني اللحظوي بين صيدا القديمة وبين عصرنا الحالي.
في التصوير
وكونه يستقي إلهامه من التصوير الذي يشكّل ركناً أساسياً في نتاجه الفنّي، حيث يرسم لوحاته بالاستناد إلى ما التقطه من صور، كان لا بدّ من محطة صغيرة في لقائنا مع كلايس نسأل فيها عن علاقته بفن التصوير، لنجد أنّه يعتبره وسيلة أقوى في إظهار التاريخ رغم المسافة الزمنية القائمة، في حين يرى أنّ الرسم يتّخذ طابعاً أكثر خصوصية يعبق بمزاوجة المشاعر بالألوان، ورغم أنّ التصوير يختزن المشاعر أيضاً إلّا أنّه يحاكي الذكريات.
وقد صرّح كلايس للجمهورية أنّه، وخلافاً لما يطالعنا في المعرض، يعمل اليوم على مقاربة جديدة لا يستند فيها إلى التصوير في إنجاز أعماله، إلّا أنّ ما نراه في المعرض قد اُعِدَّ بالاستناد إلى ولعه بالتصوير. وهو لا يخفي أنّه يبدّل أسلوبه الفنّي مرة كل سنتين بيد أنّه يحرص على أن يُبقيَ عنصراً أساسياً جامعاً بين الأساليب المختلفة التي ينتهجها.