كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: تحبس الأوساط الاقتصادية والشعبية اللبنانية أنفاسها بانتظار ما ستتمخض عنه مبادرة فرنسا لعقد مؤتمر دولي في باريس غدا لتقديم الدعم للاقتصاد اللبناني في ظل فجوة واسعة بين التفاؤل والتشاؤم.
ويقول المتشائمون إن شهية الدول الكبرى لتقديم الدعم تراجعت في ظل تصاعد التوترات التجارية في العالم وكثرة مؤتمرات الدعم وإعادة الإعمار للدول التي تضررت من الحروب والاضطرابات.
لكن العامل الأكبر هو استمرار التوتر السياسي في الأطراف اللبنانية بسبب خضوع بعضها لأجندات خارجية مثل إيران من خلال حزب الله المصنّف دوليا كجماعة إرهابية. وأكدوا أن ذلك يقوس استعداد المانحين لتقديم الدعم للاقتصاد اللبناني المهدد بالانهيار.
ويأتي المؤتمر بعد تصاعد تحذيرات المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي من خطر إفلاس الدولة في ظل نزيف الاقتراض الطويل، الذي جعل البلاد ترزح تحت ثالث أكبر دين عام مقارنة بحجم الناتج المحلي الإجمالي بعد اليابان واليونان.
وتشير البيانات إلى أن الدين العام تجاوز مطلع العام الحالي حاجز 80 مليار دولار، أي ما يعادل 150 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي. ويحذّر صندوق النقد من وصول النسبة إلى 180 بالمئة خلال 5 سنوات إذا استمرّ الارتفاع بالوتيرة الحالية.
وشهد الاقتصاد اللبناني منذ العام 2011 تدهورا بفعل الجمود السياسي والانقسام حول ملفات داخلية عدة. وفاقم النزاع في سوريا المجاورة من الأزمة الاقتصادية مع تدفق موجات النازحين، ولا يزال نحو مليون منهم في لبنان.
وأثمرت تسوية سياسية نهاية 2016 بعد أزمة طويلة، انتخاب رئيس وتشكيل الحكومة الحالية، بينما يعتزم لبنان إجراء انتخابات برلمانية في مايو المقبل للمرة الأولى منذ 2009.
ووضعت الحكومة خطة اقتصادية شاملة لإنعاش الاقتصاد لضبط أوضاع المالية العامة واستثمار 23 مليار دولار في البُنى التحتية على مدى 12 عاما.
وتعتزم تقديم الخطة إلى مؤتمر “سيدر” الذي يعقد في باريس غدا الجمعة، ويحضره ممثلون عن العديد من الدول العربية والأوروبية، إضافة الى مؤسسات مالية إقليمية ودولية.
ويأمل لبنان في أن يحصل في مرحلة أولى، وفق ما أكد نديم المنلا، المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة سعد الحريري، لوكالة الصحافة الفرنسية، على دعم يتراوح بين 6 و7 مليارات دولار على شكل خطوط ائتمان وهبات من 10 مليارات مقرّرة في المرحلة الأولى من خطة الاستثمار.
واستبقت الحكومة انعقاد المؤتمر بإقرارها الأسبوع الماضي موازنة للعام الثاني على التوالي منذ 2005 مع عجز يقدّر بنحو 4.8 مليار دولار.
ورغم التدابير الاقتصادية التي تتخذها الحكومة، لا تزال المخاطر المحدقة بالاقتصاد اللبناني كبيرة جدا.
ويقول الخبير بول الدويهي إن احتمال حصول أزمة أصبح الآن أعلى، مستغربا عدم توقف الدولة عن زيادة نفقاتها، بخلاف توصيات صندوق النقد الدولي، حيث أقرّ البرلمان في يوليو الماضي زيادة رواتب موظفي القطاع العام بنحو مليار دولار.
وفي تقرير شديد اللهجة نشر في فبراير الماضي، حذّر صندوق النقد، بيروت من حجم الدين العام المتصاعد في غياب أي إصلاحات هيكلية. وقال إنه “مع عجز الموازنة البالغ 10 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي هناك حاجة ملحّة لخطة ضبط مالي”.
واستقبل القطاع العام، وفق رئيس قسم الأبحاث في بنك بيبلوس نسيب غبريل، 26 ألف موظف خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
ويجمع خبراء على أنه لتجنّب انهيار اقتصادي محتمل، على الدولة أولا تقليص نفقاتها “بشكل طارئ” وتعزيز إيراداتها.
وأقرّت السلطات قبل أشهر سلسلة إجراءات بينها رفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة إلى 11 بالمئة، لتمويل سلسلة الرتب والرواتب الجديدة.
ويرى مروان بركات مدير قسم الأبحاث في بنك عودة أنه من الصعب إقرار المزيد من الضرائب، في ظلّ نمو اقتصادي بطيء وتآكل القدرة الشرائية.
ويوضح أنه يمكن زيادة إيرادات الدولة عبر مكافحة التهرب الضريبي الذي تبلغ قيمته 4.2 مليار دولار سنويا. وقال “إذا كانت هناك إرادة سياسة جادة، بإمكان الخزينة تحصيل ما يصل إلى نصف هذا المبلغ، أي أكثر من ملياري دولار سنويا”.
إلا أن ضعف مصداقية الطبقة السياسية وتزايد الفساد يقلل من قدرة البلاد على تأمين جوّ ملائم للنموّ ومكافحة التهرّب الضريبي، بحسب المحللين.
ويُعتبر لبنان حاليا ضمن الدول الـ37 الأكثر فسادا في العالم، إذ صنّفته منظّمة الشفافية الدولية في المركز 143 بين 180 دولة.
وإذا كانت المالية العامة تحت المجهر، فإن المخاوف من انخفاض قيمة الليرة اللبنانية لا تزال تمثّل أهم خطر على الاقتصاد اللبناني المنهار.
وضخّ مصرف لبنان المركزي في نوفمبر الماضي أكثر من 800 مليون دولار في السوق لامتصاص عمليات تحويل الودائع من الليرة اللبنانية إلى الدولار، والحفاظ على سعر صرف الثابت منذ 1997 عند نحو 1507 ليرة لكل دولار.
ولا تزال العوامل البنيوية لضعف العملة موجودة. وفي ظلّ عجز الحساب الجاري المزمن الذي تخطى 20 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي في العام الماضي، يرى خبراء أن قيمة الليرة مبالغ فيها.