IMLebanon

معارك بـ”خمس نجوم” في 3 دوائر …ومطارداتٌ لـ”الصوت التفضيلي” زنكة زنكة

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

تُفاخرُ بيروت المزهوّة بالزحْف إلى صناديق الاقتراع في السادس من مايو، بصُراخِها السياسي. فمكبّراتُ الصوتِ أَرْحَمُ بالتأكيد من الديناميت وكواتم الصوت. تتباهى العاصمةُ، المأخوذةُ بما تَيسّر من «ربيعٍ»، بحملاتِ الشتائم، فالكلامُ المسمومُ أقلّ وطأة من حملات القتْل والغازات السامة. تَفْرَحُ بيروت، المسكونةُ بالهرجِ والمرجِ، بـ «سوقِ عكاظِ» شعاراتٍ مرّ عليها الزمن وبرامجَ كالدجل، فالغوغائيةُ أكثر رأفة من الغزَوات والبراميل المتفجّرة. لا تبالي المدينةُ الملدوغةُ من الجُحْرِ مراراً بمَن يَسْكن الصورَ المرفوعةَ على الأعمدة وفي الساحات، يكفيها أنها وحتى الساعة لا تشبه ساحاتِ المنطقة وصورَ الأطلال فيها. لا تكترثُ تلك المشغولة البال لمرشّحين يغْزون الشاشات كـ «نجوم الضهر» أو أولئك الذين يُطارِدون الصوت التفضيلي حياً حياً وزنكة زنكة، فـ هَمُّها أن تُجري انتخاباتٍ بالأصوات لا بالأقدام أو الراجمات.

يَغْلب على بيروت حسُّها «الفينيقي» في ظنّها أنها نجحتْ في «شراء الوقت» فـ نَجَتْ بدهاءٍ مما حلّ بدمشق وبغداد وصنعاء وأخواتِها من فواجع وكوابيس وكوارث وانكسارات… ها هي تلجأ وبعد انتظارٍ إلى طقوسٍ خَبِرَتْها وتُعانِد من أَجْلها عبر الاحتكام الى ديموقراطيّتها، على هشاشتها، في تمرينٍ «ثمينٍ» لا ترغب في التفريط به وهي تشاهد بدائله الباهظةَ الأثمان من حولها، في سورية التي لم يَبْقَ فيها حجر على حجر، وفي العراق الذي يُنْتِج دواعش وحروباً، وفي اليمن التعيس وصواريخه الطائشة. فبيروت تتصرّف وكأنها تسرق انتخاباتها من فم المجهول. وما من أحد يدري ماذا يخبئ «الفانوس» الدولي – الإقليمي للمنطقة ودولها المعلّقة فوق فوهة الموت والفوضى. الأميركيون باقون في سورية ولن يبقوا، بشار الأسد باقٍ في سورية التي ربما لا تبقى، «داعش» هو الآخر لم يَبْقَ وهو باقٍ وربما يَتمدّد. إسرائيل تتوعّد بتدمير لبنان في حربٍ لا تريدها.

هكذا هي بيروت المُصابَة بهيجانٍ انتخابي… مهرجاناتٌ على مدّ النظر وإعلان لوائح في كل حدْب وصوب، برامج كإستدراج العروض، صورٌ مرفوعة كالفطر، حملاتٌ إنتخابية كالدبكة، محاكاةٌ لا تهدأ للحواصل، عملياتُ تَعقُّبٍ للصوت التفضيلي، ولسان حال الجميع أن السادس من مايو لناظره قريب. فالمعارك الأهم ستكون بعد الانتخابات وما تُفْرزه من توازنات وأحجام وكتل، في لعبةِ الإمساك بمفاتيح السلطة وبالوُجهة الاقليمية للبنان، وهو ما بدأتْ ملامحه المبكّرة تُسابِق صناديق الاقتراع وسط حملاتٍ استباقية انطوتْ على مقايضاتٍ قبل أوانها. وليس أدلّ على ذلك من تدشين المعركة المزدوجة حول رئاسة البرلمان والحكومة العتيدة قبل أن تزهر نتائج الانتخابات ويَحين قطافُها، الأمر الذي يشي بأن لبنان بعد 6 مايو سيكون على موعدٍ مع ضراوة سياسية لا يُستهان بها.

ورغم هذه الضوضاء المرشّحة لبلوغِ حدّ الاحتراب السياسي بـ «الأسلحة المحرّمة» مع اكتشاف عوْرات قانون الانتخاب الذي يتناوب الجميع على رميه بأقذع الأوصاف كالقول إنه يشبه «سفاح القربى» ويحرّض على «الغدر»، فإنه يصعب التكهن بمفاجآت سياسية من النوع الصادِم قد تُفْرِج عنها صناديق الاقتراع. فـ «السياسة» برمزيّاتها تقتصر على دوائر – نجوم يرجّح أن تكون ساحاتٍ لمنازلاتِ تَطاحُنٍ خشن بين اللاعبين، ولعل الأكثر حماوة على هذا المستوى يمكن رصْده على النحو الآتي:

* المواجهة الضارية في بعلبك – الهرمل، المنطقة التي عُرفت سابقاً بـ «جمهورية حزب الله»، كونها استضافتْ الموجة الأولى من ضباط «الحرس الثوري» الإيراني الذين تَولّوا تدريب نواة الحزب وأشرفوا على بنيانه، وشكّلت الخزان البشري له والمستودع الأكثر أمناً لمعسكراته وترسانته. فـ «حزب الله»، الذي أبدى أمينه العام السيد حسن نصرالله استعداده للمجازفة بحياته عبر الذهاب الى بعلبك – الهرمل لاستنهاض بيئته المصابة بالإحباط من شدة الحرمان، يقود معركةً شرسة في مواجهة ألدّ خصومه، «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» لمنْعهما من تحقيق «خرْقٍ مرموقٍ» في عقر دار الحزب الذي يتهيّب إمكان إفلات مقعدٍ شيعي من قبضته، إضافة الى واحد سنّي وآخر مسيحي (ماروني أو كاثوليكي).

هذه الرمزية لـ «مقعد شيعي» في بعلبك – الهرمل وتضخيمها ستجعل نتائج الانتخابات هناك بمثابة إما انتصار وإما هزيمة، وخصوصاً بعد «البروباغندا» الإعلامية عن الأبعاد الإقليمية – الدولية لتلك المعركة عبر الحديث عن تدخل سعودي – أميركي في مجرياتها لمصلحة خصوم «حزب الله».

* المعركة القاسية وذات الأبعاد الرئاسية في دائرة الشمال المسيحي (زغرتا، بشري، الكورة والبترون) والتي تدور بين ثلاثة أطراف رئيسية «تُقاتِل» لحجْز موقعٍ متقدم في السباق نحو رئاسة الجمهورية، أي «التيار الوطني الحر» برئاسة وزير الخارجية جبران باسيل، وحزب «القوات اللبنانية» بقيادة الدكتور سمير جعجع، و«تيار المردة» بزعامة سليمان فرنجية. فلكل طرفٍ لائحة أشبه بـ «رأس حربة» في معركةٍ لتكبير حجم كتلهم البرلمانية، ما يجعل من هذه الدائرة ذات الغالبية المسيحية مسْرحاً لـ «صراعِ ديوكٍ» على بوابة القصر وكرسيه.

باسيل، الذي تلقّى وعداً من نصرالله بدعْمه لخلافة عمّه الرئيس ميشال عون، استناداً إلى تَفاهُم استراتيجي يربطهما منذ العام 2006، يمهّد لضمان الفوز بمقعدٍ لم يفلح في الحصول عليه في دورتيْ 2005 و 2009 وحَصْد كتلة مسيحية وازنة تجعله مرشحاً قوياً. جعجع، الأكثر شرعية مسيحياً بعد عون، ربما يرغب في أن يكون التالي بعدما أفسح المجال لعون عبر «تفاهم معراب». أما فرنجية الذي بدا أشبه بـ«رئيس مع وقف التنفيذ» لمرّتيْن في الـ 2004 والـ 2016 فيطمح لأن تكون «الثالثة ثابتة».

* المنافسة الصاخبة التي يتعرّض لها رئيس الحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري في معقل زعامته، أي في دائرة بيروت الثانية (ذات الغالبية السنية)، فاللائحة التي يقودها تواجه الرقم القياسي لعدد اللوائح في دائرة واحدة، حيث تجمهرتْ 8 لوائح في تحدّ لزعامته السياسية، والسنية خصوصاً، وهي مواجهةٌ بالغة الحساسية يُراد للحريري الخروج منها بفوزٍ باهت. فبيروت التي اغتيل فيها رفيق الحريري العام 2005، ترتبط بـ «رمزيةِ» الانتفاضة الشعبية على الوصاية السورية وبمقاومتها لسطوة «حزب الله» إبان محاصرته السرايا الحكومية باعتصام الخيم الأطول في التاريخ، ويوم غزْوته للعاصمة في السابع من مايو 2008 لكسْر قواعد اللعبة.

وثمة مَن يخشى من أن إغراق بيروت الثانية بلوائح معادية للحريري، مدعومة من «حزب الله» أو معترضة على أدائه بمهادنة الحزب، قد يشكل عمليةَ استنزافٍ لرئيس الحكومة ومكانتِه للخروج من الاختبار الانتخابي بزعامةٍ مصابةٍ بالندوب وفي عقر دارها.

ورغم أن «الويك اند» اللبناني سيكون باريسياً مع مؤتمر «سيدر – 1»، التظاهرة الديبلوماسية – الاستثمارية لدعم لبنان واستقراره، فإن بيروت على موعدٍ مطلع الأسبوع، مع شهرٍ سيقال فيه الكثير عن كسْر العظم والمواجهة على المنخار وانفجار القلوب المليانة وليّ الأذرع و… ما شابه.