كتبت سابين الحاج في صحيفة “الجمهورية”:
التفاوت الصارخ بين أجور النساء والرجال في العالم لن يُردَم قبل العام 2234، بحسب المنتدى القتصادي العالمي. إذاً، إن لم تبادر الحكومات والمؤسسات إلى التوعية للتغيير لن نعرف المساواة في أيامنا، ولن يعرفها أبناؤنا وبناتنا أيضاً، خصوصاً أنّ التمييز متجذّر في التربية. وهو لا يقتصر على دول العالم الثالث، فحتّى في بريطانيا والولايات المتحدة الأرقام فادحة.
في بريطانيا، قوانين تضمن المساواة بين المرأة والرجل على الورق، ولكن على أرض الواقع، الفروقات صارخة، إن لناحية الأجور أو لناحية فسح المجال أمام النساء لتسلّق المناصب العليا.
كشف الواقع
في سياق الإجراءات المتّخذة لردم الهوّة بين الجنسين، أصدرت بريطانيا قانوناً في نيسان الماضي، يُلزم الشركات المالية التي تضمّ أكثر من 250 موظفاً بنشر أجور النساء والرجال من موظفيها ما كشف التفاوت بين الجنسين، وذلك في مهلة أقصاها 6 نيسان المقبل.
على مشارف انتهاء المدة، يبدو أنّ الفارق في الأجور لا يقتصر على الموظفين والموظفات في المنصب عينه، ولكن يعود أيضاً إلى توزيع المناصب الذي يصبّ في مصلحة الرجال. النساء في غالبيتهن محصورات في مناصب أدنى رتبة من الرجال خصوصاً في القطاع المالي، بينما أعلى الرواتب تُدفع للكوادر في المراتب الرفيعة.
وحتّى اليوم ما من امرأة تتبوّأ الإدارة العامة في مؤسسة عريقة كبيرة في لندن، ما عدا «إنغا بيل» التي ترأس مجموعة «لويدز» الشهيرة في مجال التأمين. النتيجة، يكسب الرجل في بريطانيا أكثر من المرأة بنسبة 18,4 في المئة.
الأسباب من الطفولة
عوائق إجتماعية وعقائدية كثيرة تقف في وجه تطوّر النساء أبرزها الصور النمطية التي لطالما حصرتهن بالعمل المنزلي وتربية الأولاد، فسبقهن الرجال في مجال العمل بسنوات طويلة. كما أنّ تربية النساء على الخجل وتقبّل أن يكنّ مرؤوسات من رجال على أنهم أفضل منهن في المجالين المهني والاجتماعي لها دور بارز.
لطالما ربّى الأهل الصبيان والبنات الصغار مرتكزين على صور نمطية شائعة دون أن يدركوا مدى تأثيرها على شخصية أبنائهم وبناتهم، وهذا ما تكشفه الدراسات.
أكدت دراسة حديثة نشرها موقع The Journal of Adolescent Hearth، أنّ الأهل يربّون الصبيان منذ صغرهم ليكونوا أقوياء ومستقلّين بينما يعلّمون البنات أن يكنّ ضعيفات. خرافة أنّ البنات الضعيفات والصبيان أقوياء منتشرة إلى حدّ أنّ الباحثين تمكّنوا من رصدها في 15 دولةً في العالم شملتها الدراسة. بدورها، أثبت دراسة أميركية مدى تأثير التربية في الحدّ من تطوّر البنات.
وأوضحت، أنّ الفتيات يشعرن بأنهن يتمتعن بموهبة فطرية أقل من الصبيان منذ بلوغهن السادسة من العمر. هذه النتائج أقلقت الباحثين، لأنها تتفاقم لتؤثّر على المستقبل الوظيفي للفتيات. ويعتقد العلماء من جامعات «برنستون» و»نيويورك» و»إلينوي» أنّ الصور النمطية التي تساهم وسائل الإعلام في نشرها، بالإضافة إلى المدرّسين، والآباء، والأطفال الآخرين تُقنع الفتيات بتقدّم الصبيان عليهن منذ الصغر.
النتيجة
مليارات الدولارات تصرفها شتّى المؤسسات في العالم على برامج اجتماعية مخصّصة للمراهقين والبالغين، تهدف إلى تمكين النساء ونشر الوعي في المجتمع، إلّا أنها قد لا تكون مفيدة إلى حدّ كبير.
هذه البرامج تأتي متأخرة بعد بلوغ المراهقين والمراهقات سن الـ15 عاماً فتقلّ فرص تأثيرها بعد تشرّب هؤلاء كل الأدوار النمطية عن الرجل القوي والمستقل والعنيف وغير المبالي والطموح، والمرأة الضعيفة الخاضعة والمطيعة التي تتربّى لتتزوّج وتُنجب وتربّي عائلة وكأن لا دور أساسياً آخر تلعبه في حياتها.
ويُضاف إلى هذا التفاوت، انتشار التحرّش الجنسي بالنساء في أماكن العمل، وحتّى في الدول حيث القوانين متطوّرة. فالرجل هو غالباً الرئيس وهي مرؤوسة إذاً أضعف منه. وكم من مدير يوظّف ويوصل مَن ينجح بالتحرّش بها من النساء، على حساب أخريات أكثر كفاءة، فتكون رغباته الجنسية هي معيار التوظيف.
وكم من موظفة اضطرَّت إلى تحمّل «قرف» مدير لكي لا تخسر مصدر عيشها. فهذه تعاني من صراخه لأنها لم تلبِّ رغباته والمخرج هو الهروب وخسارة الوظيفة، وتلك تتحمل وتصمت وينعكس ذلك على نفسيّتها وعملها إذ إنها لم تجد وظيفة بديلة بعد.
إنّ التمييز ضدّ النساء يستشري في أماكن العمل ويبقى الدواء في نشر الوعي بين الأهل ليربّوا بناتهنّ على مبادئ المساواة فتدرك الفتاة حقوقها وتسعى لانتزاعها من خلال المطالبة بقوانين، ورفع الصوت، وفضح التعدّيات، والسعي للتطوّر… لكي لا تصبح ضحية رضعت التمييز بالحليب لتعاني منه طوال حياتها.