كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:
لم يكد أن «يجفّ حبْر» تأكيد رئيس الحكومة سعد الحريري لرئيسيْ الجمهورية العماد ميشال عون والبرلمان نبيه بري بعد انتهاء مؤتمر «سيدر 1» الذي عُقد في باريس أن النجاح الباهر الذي حقّقه لبنان بحصوله على تعهدات عربية وغربية بقيمة تجاوزت 11 مليار دولار لتمويل مشاريع في البنى التحتية هو «نجاحٌ للتوافق السياسي في البلد»، حتى شهدتْ العاصمة الفرنسية «الوجه المعُاكِس» لهذا التوافق من بوابة مؤتمر الطاقة الاغترابية الذي استضافتْه وقاطعه قسمٌ من الوفد الوزاري الذي شارك في «سيدر 1» وذلك في «جولة جديدة» من الصراع «المُزْمن» بين رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل (صهر عون) وبين بري.
وجاء تَجدُّد فصول الأزمة على خط بري – «التيار الحرّ»في قلب باريس غداة انتزاع لبنان ثقة دولية متجددة بمستقبله وإمكان نهوضه الاقتصادي وربْط الدول التي قدّمت «الوعود المالية» صرْفها بآلية رقابة لضمان وفاء حكومة الحريري بالتزاماتها بإصلاحات بنيوية وهيكلية وقطاعية، ليترك انطباعات سيئة حيال المسار التنفيذي لـ«سيدر 1» الذي يفترض أن ينطلق بعد الانتخابات النيابية المقبلة في 6 مايو وتشكيل الحكومة الجديدة.
ورأتْ أوساطٌ سياسية أن المَشهد الذي ارتسم أمس في باريس، وبحضور وزير المال الفرنسي برونو لو مير، وتمثّل بمقاطعة نظيره اللبناني علي حسن خليل (من فريق بري) كما وزير النقل يوسف فنيانوس (من فريق النائب سليمان فرنجية) مؤتمر الطاقة الاغترابية لقارة أوروبا وما تَضمّنتْه كلمة باسيل من «انتقادات نارية» بدت برسْم بري، كان أبعد من مجرّد «شدّ عصَب» انتخابي، وإنْ كان ينطوي على هذا البُعد بأحد جوانبه.
وحسب هذه الأوساط، فإن ما تعبّر عنه «المنازلة المفتوحة» بين بري و«التيار الحر» والتي بلغتْ حدّ التلويح بإمكان تَمدُّدها إلى استحقاق انتخاب رئيس جديد للبرلمان والحقائب الأساسية في الحكومة العتيدة، هو صراعٌ على كيفية إدارة السلطة و«مفاتيحها». ولفتت في هذا السياق الى «ربْط النزاع» الذي أجراه باسيل سابقاً بين محاربة الفساد، التي تشكّل مرتكزاً رئيسياً للإصلاحات وفق «سيدر 1»، وبين فريق رئيس البرلمان بكلامه عن «ميليشيات الإدارة» وتلميحه الى أن «وعد» الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله بالتصدّي للفساد يصبّ بنفس «وُجهة المعركة» التي حددها (باسيل).
وإذ أكدت الأوساط نفسها أن الانتخابات النيابية لن تفضي إلى تغييرات «دراماتيكية» بالمشهد اللبناني الذي سيبقى محكوماً بـ«سيبة» ترتكز في الرئاسات الثلاث على عون وبري والحريري، إلا أنها ترى أنّ «ندوب» الأزمة بين رئيس البرلمان و«التيار الحر» وما يتردّد عن ميل لدى رئيس الجمهورية لخيار «المداورة في الوزارات» بما يعني فتْح «معركة مبكرة» على وزارة المال التي كان رفعها الفريق الشيعي الى مرتبةٍ «ميثاقية»، يعني أن مرحلة ما بعد 6 مايو قد تكون محكومة بشدّ حبال قاسٍ يمكن أن تعْلق نتائج «سيدر 1» بـ«شِباكه».
ورأت أن الوضع يصبح أكثر تعقيداً وسط مؤشراتِ تَرصُّد «حزب الله» لهذه النتائج التي «يكمن» لها من زاوية أخرى تتمثّل برغبته بالتحول «شريكاً» في القرار المالي – الاقتصادي بعدما بات هذا الملف عنوان الشراكة الدولية مع لبنان وأيضاً باب ضغوط على الحزب عبر شروط لضمان التزام بيروت بسياسة النأي بالنفس وبدء مناقشة مسألة سلاحه، علماً أن الجانب الأول حضر بوضوح في البيان الختامي لـ«سيدر 1» الذي أكد «التمسك بوحدة لبنان واستقراره وسيادته وسلامة أراضيه داعين الحكومة الى تطبيق النأي بالنفس».
ولاحظتْ الأوساط عيْنها أن حضور الحريري شخصياً مؤتمر الطاقة الاغترابية، أمس، اكتسب دلالات بارزة، في غمرة الحملات التي كانت تصاعدتْ على باسيل واتهمتْه بتسخير هذه المؤتمرات لغايات انتخابية ولتحشيد المغتربين على التصويت في اتجاه معين، وقد ظهّر خليل وفنيانوس هذا البُعد بحديثهما عن «أن معركتنا الانتخابية نخوضها في لبنان. وانتخابات المغتربين نديرها بطاقتنا وليس بطاقات الدولة».
وإذ شكّل حضور الحريري إشارة دعم لباسيل، امتداداً لخيار رئيس الحكومة بـ«الالتصاق» برئيس الجمهورية، وذلك بعدما كان (الحريري) أكد أنه سيصوّت لبري مجدداً لرئاسة البرلمان، فإن الأوساط اعتبرت أن الحريري يحاول «السير بين النقاط» وتبريد ما أمكن الصراعات السياسية لتوفير «بيئة آمنة» بعد 6 مايو «ينجو» معها «سيدر 1» من المصير الذي كان طال مؤتمرات سابقة مثل باريس 1 و 2 و3 لم تنجح في «استيلاد» الإصلاحات.
وتوقفت عند كلمة رئيس الحكومة أمام مؤتمر الاغتراب وتأكيده «ان الأهم بالنسبة لي في سيدر 1 هو الإصلاح»، متوجهاً الى المغتربين بالقول: «الخلافات السياسية في لبنان ستبقى (ورح نضل ننتّف بعض) ولكن عليكم ان تبقوا متحدين ويجب ان تهددونا بالإصلاح أو لا نعطيكم أصواتنا». وشدد على «ان السبب الاساسي وراء تمكننا من تحقيق هذه الانجازات في لبنان وخاصة بعد انتخاب الرئيس عون هو التوافق الحاصل في البلد، فالخلافات السياسية الصغيرة ستستمر ولكننا متوافقون على كل الأمور الأساسية. وعلينا ان نحافظ على روحية هذا التوافق. وأشدّ على ايدي الرئيسين عون وبري وكل الافرقاء السياسيين في البلد، لأنه بتعاون كل الافرقاء في الحكومة تمكّنا من إيصال البلد لمكان آمن».
من جهته، أكد باسيل غامزاً من قناة بري «أن البعض يستكتر علينا حتى أن نلتقي في مؤتمرٍ نموّله نحن من دون أي عبءٍ على خزينة الدولة»، مضيفاً «أزعجهم اليوم أن لا وصاية على الانتشار من وزارة أو مديرية. أزعجهم أن لا وصاية على صوتكم فأنتم أحرار بالاقتراع في الخارج متحررين من عوامل وضغوط الداخل. أزعجهم أن طاقاتكم لا تُسَخَر لأحد وأن انتشاركم لا حدود له سوى العالم ولا حصر له في قارة أو فريق».