تحوّلت الحملات الانتخابية إلى موسم تجاري للمؤسسات الإعلامية، التي تستغلّ هذا الاستحقاق لجني أرباح طائلة، من خلال تسويقها برامج للمرشحين واستضافتهم وتقديم برامجهم للناخبين، لكن تحت هذا العنوان تتراكم المخالفات التي ترتكبها معظم وسائل الإعلام والمرشحين أيضاً، ضاربين بعرض الحائط كلّ الضوابط التي وضعها قانون الانتخاب والتي تلحظ التوازن بين المرشحين، طالما أنها تعطي الأفضلية للمرشحين الأثرياء على حساب الآخرين، إضافة إلى أن الخطاب السياسي الترويجي لبعضهم يتعدّى البعد الترويجي، ليصل حدّ بثّ الكراهية والذّم بالمنافسين.
الاعتراض على هذا الواقع، لا يتوقّف على المرشحين المتضررين من غياب تكافؤ الفرص وعدم مساواتهم بالآخرين، إنما وصل إلى هيئة الإشراف على الانتخابات، التي أطلق رئيسها القاضي نديم عبد الملك، ما يشبه الصرخة حيال تخطي المعايير المطلوبة والحملات المضبوطة بمقتضيات القانون، وكشف عبد الملك لـ«الشرق الأوسط»، أن الهيئة «سجّلت حتى الآن 103 مخالفات، وثّقها فريق الرصد المؤلف من عشرات المراقبين من إعلاميين وغيرهم، الذين يتابعون على مدار الساعة البرامج والحوارات الانتخابية التي تبثّها وتنشرها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة».
وتتعدد وجهات تلك المخالفات التي حددها القاضي عبد الملك بثلاثة أصناف، وأكد أن الصنف الأول «مرتبط بمخالفات وسائل الإعلام المرتبطة بالدعاية المدفوعة سلفاً، بحيث تمتنع عن ذكر الإعلان المدفوع والجهة التي طلبته، وترفض تزوّيد الهيئة أسبوعياً، بتقارير حول الإعلانات التي عرضتها والبدل المالي الذي تقاضته، وما هي التعديلات التي أدخلتها على الإعلانات»، لافتاً إلى أن الصنف الثاني «يتعلّق بخطاب الكراهية والحقد والقدح والذم الذي يطلقه مرشحون ضدّ خصومهم ومنافسيهم في لوائح أخرى». وقال: «نحن كهيئة أصدرنا بيانات وتعاميم جرى نشرها، وحذرنا وسائل الإعلام من فتح الهواء أو الصفحات لأي حوار يحض على الحقد والكراهية، وحذرنا من أن تكون محطات التلفزة أو الإذاعات أو الصحف، مساهمة في بث الكراهية والتدخل في جرم جزائي».
وأكد القاضي عبد الملك أن الصنف الثالث من المخالفات «يرتبط بالشركات التي تجري استطلاعات الرأي، وتتسبب في رفع أسهم هذا المرشح وخفض أسهم الآخر، بعيداً عن الدقة والموضوعية، وهي تقوم بذلك بما يراعي مصلحة طالب الاستطلاع». وأشار إلى أن قانون الانتخاب «يفرض على شركات الاستطلاع، أن تبلغ هيئة الإشراف بالنتائج قبل بث أو نشرها». وأوضح أن الأمر «يخضع لمعايير دقيقة، إذ إن المادة 79 من قانون الانتخاب، تلزم مستطلعي الرأي بكشف الجهة التي أخذت رأيها والمنطقة التي أجرت فيها الاستطلاع، ونسبة الخطأ بالاستطلاع، وهذه المعايير لا تطبّق للأسف».
ولا يقف القضاء اللبناني المعني أيضاً بالاستحقاق الانتخابي ونجاحه متفرّجاً على هذه المخالفات، حيث أعلن مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن «النيابات العامة تتسلم بشكل دوري إحالات من هيئة الإشراف على الانتخابات ووزارة الداخلية ومن منظمات أهلية معنية بمراقبة الانتخابات، تتعلّق بمخالفات حصلت تنطوي على جرم جزائي». وأكد أن النيابة العامة لا تهمل أيًا منها، وهي أحالت بدورها تلك المخالفات على المحاكم المختصّة للنظر فيها، وإصدار الأحكام المناسبة»، مشدداً على «دور ماضٍ بممارسة مهمته كاملة في حماية العملية الانتخابية من الشوائب».
ويشكّل غياب تكافؤ الفرص ذروة الإجحاف الذي ألحقه قانون الانتخاب بالمرشحين غير الميسورين، إذ إن أغلب محطات التلفزة والإذاعات والصحف، تتبع للقوى والأحزاب السياسية، التي تتفرّغ للتسويق لمرشحيها، في حين أن المحطات التجارية الأخرى، فرضت أرقاماً خيالية مقابل كلّ إطلالة لأي مرشّح، مما جعل هواءها حكراً على الأثرياء والمتمولين، فيما يغيب عن شاشاتها مرشحو الطبقات الوسطى والفقيرة، وهذا ما أقرّ بوجوده القاضي نديم عبد الملك، الذي أشار إلى أن الهيئة «لا تستطيع إلزام المحطات التجارية باستضافة المرشحين الذين يعجزون عن تسديد البدل المالي لحملاتهم الانتخابية». وقال: «وردتنا مراجعات قصيرة لهؤلاء المرشحين (الفقراء)، وأحلناها على وزارة الإعلام التي منحتهم الفرصة للإطلالة عبر تلفزيون لبنان (الرسمي)، لإبداء آرائهم والحديث عن برامجهم الانتخابية».
وعمّا إذا كانت هذه المخالفات تعرّض ترشيح المخالف للإبطال، لفت القاضي عبد الملك إلى أن «هذه المخالفات لا تبطل ترشيح المخالف، لكنها تعرّضه لملاحقة جزائية وفرض عقوبات عليه». وأضاف: «لقد رصدنا حتى الآن 73 مخالفة لوسائل الإعلام، وأحلنا عدداً منها على القضاء، والباقون وجهنا لهم تنبيهات، فيما نعكف الآن على دراسة مخالفات استطلاعات الرأي لتحديد وجهة والمخالفة ومطابقتها على أحكام القانون». وأوضح أن «جميع المخالفات موثقة بالصوت والصورة، ومحددة بالتاريخ والتوقيت، ومحفوظة على أقراص مدمجة، و(USB) لإبراز الدليل عند حصول الملاحقة القانونية للمخالفين».