كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
الخطر الاستراتيجي الذي يواجه تيار «المستقبل» في انتخابات 2018، هو كثرة اللوائح المنقادة برموز سياسية خرجت من رحمه، أو من بيئته القريبة لتخوض في مواجهته لوائح خاصة بها، معارك تفضي الى الأكل من صحن قاعدته الانتخابية السنّية. ففي طرابلس، توجد ثمانية لوائح، وإذا حذفنا منها لائحتين لـ 8 آذار، فإنّ كل اللوائح الأخرى المقابلة للائحة الحريري، منقادة بشخصيات، أو تتموضع فيها شخصيات، كانت سابقاً على تحالف دائم مع تيار «المستقبل»، وهي تنافسه الآن على صحنه الانتخابي السنّي. (نجيب ميقاتي ـ اشرف ريفي ـ مصباح الأحدب والجماعة الاسلامية).
في عكار يحصل الشيءُ نفسه تقريباً، وأوحت واقعة الحشد الكبير الذي شارك في إعلان ريفي اللائحة التي يدعمها هناك، بأنّ عكار قد تُكرّر «مفاجأة ريفي السنّية» التي حصلت في انتخابات بلدية طرابلس السابقة.
أما في بيروت فإنّ ظاهرة «لوائح البيت السنّي الكثيرة» في وجه الحريري، تبدو أكثرَ وضوحاً، وخصوصاً لجهة أن تؤدّي الى سحب كثير من خيوط بساط قاعدة «المستقبل» الشعبية السنّية، ما يعزّز فرص فوز أكبر للائحة الثنائي الشيعي..
ففي دائرة بيروت الثانية يوجد 9 لوائح، تتموضع في أكثر من نصفها تقريباً شخصيات كانت في معظمها في الانتخابات النيابية والبلدية السابقة ترفد «المستقبل» وزعامة الحريري: ومن هؤلاء صلاح سلام الى فؤاد المخزومي الى نبيل بدر وسعد الدين الوزان، الخ.. والسمة المشترَكة بين كل هؤلاء أنهم يتموضعون حالياً في لوائح «ستأكل» حصراً من الصحن السنّي الانتخابي نفسه للتيار الأزرق.
ثمّة خشية في «بيت الوسط» من أن تؤدّي ظاهرة كثرة اللوائح الخارجة من جسد بيئة «المستقبل» السنّية، وذلك في الدوائر ذات الغالبية الناخبة السنّية، الى نوع من إصابة القاعدة الانتخابية السنّية الزرقاء بوهن إستراتيجي وليس فقط تكتيكي. ومرد ذلك أنّ بين هذه القوى التي خرجت عن طوع «المستقبل» في هذه الانتخابات، لأسباب مختلفة، بنى سياسية واجتماعية وليس فقط حالات فردية أو عددية صرفة.
وأبرز مثال في هذا السياق حالة التكتلات الاجتماعية في طرابلس (ميقاتي والأحدب وغيرهما)، وحالة «الجماعة الإسلامية» التي كانت جزءاً من تحالف تيار«المستقبل» و14 آذار، ولكنها الآن تخوض الانتخابات بمرشحين عنها على لوائح ذات بنية سنّية، كلوائح مصباح الاحدب في طرابلس وصلاح سلام في بيروت والبزري في صيدا. وايضاً ستقترع ضد «المستقبل» في إقليم الشوف ـ عاليه.
وتخوض «الجماعة الإسلامية» خصوصاً في دائرة طرابلس «معركة وجودية»، وتسعى كبنية سياسية الى تسجيل حضور قتالي ضد تيار «المستقبل» في كل مساحات الانتخاب السنّي الكثيف.
عام 2011 عرضت «الجماعة الاسلامية» على «المستقبل» ودول اقليمية معنية بالساحة السنّية اللبنانية، رؤية عمل لإنشاء شراكة سياسية سنّية بينها وبين «المستقبل»، تحاكي بدورها ووظيفتها في لبنان، دور الثنائيّة الشيعية نفسه بين حركة «أمل» و»حزب الله». ولكنّ تطوّرات النزاع بين جماعة «الإخوان المسلمين» (الجماعة الاسلامية فرع لها في لبنان) مع دول في المنطقة ترعى الساحة السنّية اللبنانية، نسفت هذه الفكرة.
وضمن أجواء تعرّض القوة السنّية الناخبة و»الضاربة»، كما بدت في انتخابات عام 2009، لوهن بنيوي نتيجة ظروف داخلية وإقليمية، وأيضاً نتيجة تأثيرات قانون الانتخاب الجديد عليها، يتمّ النظر الى نهاد المشنوق بصفته أحد أبرز المكلّفين أداءَ دور «مايسترو» سياسي وانتخابي في بيروت الثانية للتخفيف من آثار هذا «الوهن البنيوي» المتوقع في اقتراع سُنّة هذه الدائرة.
وداخل «المستقبل» يطلقون على المشنوق تسمية «منظّر» الحملة الانتخابية الزرقاء، وأيضاً «مهندس افكار» لخلق مناخ انتخابي يمنع تشتيت الكتلة الناخبة البيروتية السنّية. وهو في دوره الأخير يرث دور سليم دياب الذي كان يسمّيه الرئيس رفيق الحريري «الموهبة الانتخابية» في تيار «المستقبل».
وفي لقاءاته وزياراته الانتخابية المكثّفة في بيروت الثانية، يركّز المشنوق على شرح نوعين من الاخطار التي تواجه «المستقبل» في انتخابات العاصمة: الأول، وهو الأشدّ إيلاماً وخطورة، ويسمّيه «لوائح الأصدقاء» التي قد تضرب التمثيل السنّي لـ «المستقبل» من داخل بيته (لوائح سلام ومخزومي وأُخرى اقل شأناً). الخطر الثاني هو لائحة حركة «أمل» ـ «حزب الله» التي تنطلق من 27 الف صوت شيعي، وفيما لو نجحت ماكينتها برفع التصويت الشيعي الى ما فوق 30 ألف صوت، فسيعني ذلك فوزها بثلاثة الى أربع نواب بدلاً من اثنين الى ثلاثة، وهذا سيُعتبر خسارة للحريرية السياسية في بيروت.
لقد حاول المشنوق من موقعه كـ «منظّر» و«مايسترو» لحملة «المستقبل» الانتخابية في العاصمة، تعميم ما يسمّيه مقرّبون منه، بـ«حالة وعي انتخابي سنّي استراتيجي» في بيروت، فاتصل، قبيل إقفال باب تسجيل اللوائح في وزارة الداخلية، بمعظم الشخصيات السنّية التي شكّلت لوائح منافسة لـ«المستقبل»، ومنهم مخزومي وسلام وآخرين، وعرض عليهم تسوية، يتمّ بموجبها تسمية شركة إحصاءات مستقلّة تقوم باستطلاع لمعرفة أيّ من هذه اللوائح تستطيع الحصول على عتبة فوز بمقعد، وكل لائحة يظهر الاستطلاع أنها لا تستطيع الحصول على مقعد تنسحب من المعركة، لأنّ بقاءها في المنافسة لن يؤدّي إلّا الى تشتيت الصوت السنّي وتقوية لائحة الثنائي الشيعي عبر خفض الحاصل من 13 الى 11 ألف، أو ربما أقل.
لم تتمّ الاستجابة لاقتراح المشنوق الذي يجهد الآن للاستعاضة عنه بمحاولة حضّ الناخب السنّي على رفع نسبة تصويته الى 110 آلاف بدلاً من 90 ألفاً، وذلك لتعويض تشتّته الناتج عن كثرة اللوائح التي تأكل من الصحن السنّي لـ«المستقبل»، ولمنع الحاصل الانتخابي في بيروت من التدنّي الى رقم يؤمّن سهولة حصول لائحة «الثنائي الشيعي» على أربعة مقاعد نيابية.